الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
انقلابات الثقافة.. لا انقلابات العسكر

بواسطة azzaman

انقلابات الثقافة.. لا انقلابات العسكر

نزار محمود

 

ان‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬ان‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬جيدة‭ ‬هو‭ ‬واهم‭ ‬جداً،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬سبيلاً‭ ‬للتغيير‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬خلال‭  ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬أو‭ ‬التآمر‭ ‬السياسي‭ ‬واهم‭ ‬كذلك‭ ‬أيضاً‭. ‬لقد‭ ‬غرقنا‭ ‬في‭ ‬دماء‭ ‬الانقلابات‭ ‬وخسرنا‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬ممارسات‭ ‬الاقصاءات‭ ‬والتصفيات‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬مر‭ ‬به‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬حوادث‭ ‬وأحداث‭ ‬تاريخية،‭ ‬وما‭ ‬تميزت‭ ‬به‭ ‬الشخصية‭ ‬العراقية‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬كثيرة‭ ‬فيها،‭ ‬حفرت‭ ‬في‭ ‬نفسيته‭ ‬أثارها‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬انفجرت‭ ‬وتنفجر‭ ‬في‭ ‬زلازل‭ ‬وبراكين‭ ‬تأتي‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبنيه‭.‬

انا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينات،‭ ‬عشت‭ ‬الملكية‭ ‬والجمهورية‭ ‬الاولى‭ ‬والثانية‭ ‬والثالثة‭ ‬والرابعة‭ ‬وها‭ ‬انا‭ ‬أعيش‭ ‬الخامسة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬حملته‭ ‬تلك‭ ‬العهود‭ ‬من‭ ‬افعال‭ ‬وأعمال،‭ ‬ولم‭ ‬تكن،‭ ‬بالمجمل،‭ ‬عهود‭ ‬استقرار‭ ‬وبناء‭ ‬وتقدم‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬به‭ ‬نظرتي‭ ‬التحليلية‭ ‬وتأملات‭ ‬المراجعة‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬استقرار‭ ‬وبناء‭ ‬وتقدم‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬الإنسان‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬وقلبه‭ ‬ونفسيته‭ ‬ووجدانه‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬التحابب‭ ‬بين‭ ‬ابنائه‭ ‬ورفع‭ ‬دافعية‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬والعمل‭ ‬المنتج‭ ‬المبدع‭.‬

إن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الفردية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للعراقيين،‭ ‬يكشف‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتناحر‭ ‬والتدمير،‭ ‬ويشير‭ ‬الى‭ ‬عوامل‭ ‬تجاوزها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭:‬

‭- ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬ورغبات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وفردية‭ ‬مرضية‭.‬

‭- ‬العنتريات‭ ‬وقيم‭ ‬البداوة‭ ‬السلبية‭ ‬لي‭ ‬التعايش‭ ‬المدني‭ ‬السلمي‭.‬

‭- ‬دوافع‭ ‬الهيمنة‭ ‬المتعددة‭ ‬الألوان‭ ‬من‭ ‬عرقية‭ ‬واثنية‭ ‬ودينية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومناطقية‭.‬

‭- ‬روح‭ ‬الغلبة‭ ‬السائدة‭ ‬كواقع‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭.‬

‭- ‬الاستعداد‭ ‬للاضرار‭ ‬بالوطن،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬والاستعداد‭ ‬للخيانة‭ ‬والعمالة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض،‭ ‬والسعي‭ ‬وراء‭ ‬السلطة‭ ‬والمكاسب‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭.‬

ان‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬اليه‭ ‬بمكن‭ ‬ارجاعه‭ ‬الى‭ ‬طبيعة‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬والتي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مفاهيمه‭ ‬ومواقفه‭ ‬وتصرفاته‭.‬

هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬أساساً‭ ‬للاستقرار‭ ‬والتعاون‭ ‬والإيثار‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬العراق‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغييرها‭ ‬الى‭ ‬ثقافة‭ ‬وطنية‭ ‬إنسانية‭ ‬متحضرة‭ ‬بناءة‭. ‬انها،‭ ‬وكما‭ ‬يعلم‭ ‬كثيرون،‭ ‬عملية‭ ‬ليست‭ ‬بالسهلة‭ ‬وهي‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬عندما‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬التطور‭ ‬التقليدي‭ ‬البطيء‭ ‬والمعرض‭ ‬الى‭ ‬ردات‭ ‬تعيده‭ ‬الى‭ ‬مربعه‭ ‬الأول‭ ‬المتخلف‭ ‬والهدام‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ولهذا‭ ‬تجيء‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬ثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬زخم‭ ‬التغيير‭ ‬وتختزل‭ ‬معها‭ ‬الزمن‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬بحاجة‭ ‬جوهرية‭ ‬الى‭ ‬تعليم‭ ‬يعين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبغيه‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬وتقدم‭ ‬للوطن‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬تخلفنا‭ ‬وضعفنا،‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وتقدم‭ ‬وقوة‭ ‬الآخرين‭ ‬المنافسين‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬لنا‭ ‬النهوض‭ ‬والبناء‭. ‬هذا‭ ‬التعليم‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬الوعي‭ ‬والجرأة‭ ‬في‭ ‬مناهجه‭ ‬وأهدافه،‭ ‬وفي‭ ‬أطرافه‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬وعاملين‭ ‬ومتلقين‭ ‬ومتفاعلين‭ ‬معه‭. ‬إنه‭ ‬تعليم‭ ‬لا‭ ‬بمكن‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬ويحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬دون‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والعقل‭ ‬والضمير‭ ‬والوجدان‭ ‬والفعل‭ ‬الشجاع‭.‬


مشاهدات 95
الكاتب نزار محمود
أضيف 2024/11/16 - 12:13 AM
آخر تحديث 2024/11/23 - 7:26 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 60 الشهر 9978 الكلي 10053122
الوقت الآن
الأحد 2024/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير