ان من يعتقد ان الأحوال في العراق جيدة هو واهم جداً، وكذلك من لا يرى سبيلاً للتغيير الا من خلال القوة العسكرية أو التآمر السياسي واهم كذلك أيضاً. لقد غرقنا في دماء الانقلابات وخسرنا كثيراً في ممارسات الاقصاءات والتصفيات.
ان ما مر به العراق من حوادث وأحداث تاريخية، وما تميزت به الشخصية العراقية الهجينة في مكونات كثيرة فيها، حفرت في نفسيته أثارها العميقة التي انفجرت وتنفجر في زلازل وبراكين تأتي بين الحين والآخر على ما يبنيه.
انا واحد من مواليد بداية الخمسينات، عشت الملكية والجمهورية الاولى والثانية والثالثة والرابعة وها انا أعيش الخامسة بكل ما حملته تلك العهود من افعال وأعمال، ولم تكن، بالمجمل، عهود استقرار وبناء وتقدم.
ان ما يمكن أن تخرج به نظرتي التحليلية وتأملات المراجعة بأن لا يمكن أن يحدث استقرار وبناء وتقدم الا من خلال ما يحمله الإنسان العراقي في عقله وقلبه ونفسيته ووجدانه ما يساهم في التحابب بين ابنائه ورفع دافعية العمل من أجل الوطن الواحد في اطار احترام القانون والعمل المنتج المبدع.
إن الوقوف على ما يأتي من الخصائص الفردية والاجتماعية للعراقيين، يكشف من ناحية أسباب عدم الاستقرار والتناحر والتدمير، ويشير الى عوامل تجاوزها من ناحية أخرى:
- الصراع على السلطة القائم على مفاهيم ورغبات اجتماعية وفردية مرضية.
- العنتريات وقيم البداوة السلبية لي التعايش المدني السلمي.
- دوافع الهيمنة المتعددة الألوان من عرقية واثنية ودينية وطائفية ومناطقية.
- روح الغلبة السائدة كواقع حتى دون وجه حق.
- الاستعداد للاضرار بالوطن، لا بل والاستعداد للخيانة والعمالة من قبل البعض، والسعي وراء السلطة والمكاسب المادية والمعنوية.
ان جملة ما ذهبنا اليه بمكن ارجاعه الى طبيعة القيم الثقافية السائدة بين أطياف المجتمع العراقي، والتي تؤثر في تحديد مفاهيمه ومواقفه وتصرفاته.
هذه الثقافة التي لا تشكل أساساً للاستقرار والتعاون والإيثار والاستعداد للتضحية من أجل الوطن العراق يجب العمل على تغييرها الى ثقافة وطنية إنسانية متحضرة بناءة. انها، وكما يعلم كثيرون، عملية ليست بالسهلة وهي بحاجة الى وقت طويل عندما تسير في سياقات التطور التقليدي البطيء والمعرض الى ردات تعيده الى مربعه الأول المتخلف والهدام. من هنا ولهذا تجيء الدعوة الى ثورة ثقافية تحمل معها زخم التغيير وتختزل معها الزمن. بيد أن تلك الثقافة بحاجة جوهرية الى تعليم يعين على ما تبغيه تلك الثقافة من بناء وتقدم للوطن في عصر تخلفنا وضعفنا، من جانب، وتقدم وقوة الآخرين المنافسين ممن لا يريدون لنا النهوض والبناء. هذا التعليم بحاجة الى الوعي والجرأة في مناهجه وأهدافه، وفي أطرافه من مؤسسات وعاملين ومتلقين ومتفاعلين معه. إنه تعليم لا بمكن أن يبدأ ويحقق أهدافه دون ثورة في الوعي والعقل والضمير والوجدان والفعل الشجاع.