هجرة العقول.. رأس المال البشري أثمن الرساميل
أكرم ســالم
من اكبر النكبات التي تحل على بلدان العالم»النامي» ظاهرة هجرة العقول او الادمغة ولاسيما الهندسية والتقنية والعلمية والطبية التي اخذت تتسرب تباعا من مواطنها في الجنوب الى البلدان المتقدمة شمالا ،تلك الظاهرة البشعة التي تستنزف الموارد والكفاءات والقدرات المتمثلة بالعقول المبدعة والموهوبة والمعطاءة التي تعدّ اضافة نوعية متقدمة لبلدانها الاصلية قبل هجرتها وبعد أن كلفت موازنات تلك الدول الكثير من الاموال والوقت والتدريب والاعداد والموارد المختلفة. ومن ابرز اسباب ودوافع ذلك وفرة الفرص المهنية وتنوعها بدول المهجر ،والاجور العالية ،عدا الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة في بلدانها.قبل ايام انعقد بعمان المؤتمر العربي الاول الخاص بالكفاءات الصحية العربية المهاجرة بهدف تحديد اسباب هجرة العقول ولاسيما في المجالات الطبية والصحية وانعكاسات هذه الهجرة وعواقبها المؤسفة على الاقتصاد والتنمية الوطنية المتجسدة في انخفاض الانتاجية والابتكار والقدرات التنافسية الوطنية.تشير المؤشرات الى ان اكثر من 4 اربعة ملايين عراقي يتواجدون في الشتات اضافة الى استمرار موجات هذه الهجرات وبينهم اعداد ونسب كبيرة من العقول الخبيرة والعلمية والطاقات البشرية العالية المهارة والتأهيل والموهوبة ،ويشير مؤشر هجرة العقول الدولي الى ان العراق يحتل موقعا عاليا بدرجة 6.4 من المتوسط العالمي لمؤشر هجرة العقول لسنة 2022 الذي يرسو على 5.21 درجات ،والملاحظ على هذا المؤشر ان بعض الدول تصدر عمالا وبعضها تصدر كفاءات اذ ان نسبة المهاجرين العلميين عالية جدا في دول مثل العراق ولبنان وتونس والمغرب.
هجرة العقول
ومعظم اسباب ودوافع هجرة العقول ترتبط بعوامل الوضع الاقتصادي وفرص العمل ،وكذلك بانتشار الفساد الاداري والمالي اضافة الى عدم الاستقرار السياسي وعدم توفر الامن فضلا عن الاسباب الدينية والعائلية.ومن ابرز الاسباب ايضا وكما حددتها بعض الدراسات انتشار ظاهرة خطف واغتيال الاكاديميين والاطباء والكفاءات عموما،وانخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة، وارتباط التوظيف بالمحوسبيات الحزبية وشراء الوظيفة، وضعف مستوى الانفاق على الابتكار والبحث العلمي ، وتفشي الروتين والجوانب المتخلفة من العمل البيروقراطي. في الجانب المقابل تتضمن عوامل جذب الكفاءات والعقول وتوطينها او اعادة توطينها :توفير الامان والاستقرار والتصالح المجتمعي،ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ،وتحسين مستويات المعيشة ،وتعديل قانون الخدمة الجامعية،وتشجيع الاستثمار وحركة البحث العلمي الرصين، وتقديم امتيازات اقتصادية ودعم العائدين ماديا وتسهيل اجراءات معاملاتهم،والقضاء على الفساد الاداري والمالي والحد منه ،وإبعاد ظاهرة المحاصصة عن الهيكلية الادارية للاجهزة الدولة. ولكننا في كل الاحوال لابد ان نقر بأن ظاهرة هجرة العقول او الادمغة هي ظاهرة عالمية سائدة في كل القارات والبلدان ومسارها معروف تاريخيا من جنوب الكرة الارضية الى الشمال..لطالما هنالك تباين في مستويات المعيشة والحريات وفرص العمل بين الدول، بكلمة اخرى لابد من الاقرار بأن بلداننا النامية تتنافس مع ارقى المؤسسات والدول المتقدمة ولاسيما في مجال القوى العاملة عالية الجودة والكفاءات المؤهلة علميا . من هذا المنطلق ينبغي على بلداننا والسلطات العربية عموما الكفّ عن كونها بيئة طاردة للعقول والكفاءات المؤهلة والموهوبة وأن تجيد رعايتها والتعـــــــــامل معها واستثمارها وتطويرها. وأن نعي بأن الاستثمار في رأس المال البشري والفكري هو اثمن وأرقى واعظم استثمار!!