( الزمان) شجرةٌ تزهو باسقةً في العدد 8000
لويس إقليمس
كلّما تصفحتُ جريدة الزمان «الإلكترونية» التي اعتاد رئيس تحريرها المبدعُ الدكتور «أحمد عبدالمجيد» إرسالها لي يوميًا منذ بدئي نشرَ مقالاتي فيها قبل سنواتٍ خلت، أيقنتُ أنّ الصحافة العراقية ماتزالُ بعدُ بخير بالرغم من كلّ الصعوبات والمعوّقات والتحديات التي تتعرّضُ لها، سواءً من المتسلطين الفارضين ما يرتأون نشرَه وفق معطياتهم وأهوائهم وأغراضهم الضيقة، أو من الطارئين والمتزلفين والمشوِّشين للحقائق والمطبّلين لأحزاب السلطة وأرباب الوجاهة الزائة والمساومين والمبتزّين من الذين لا تعجبهم الكلمة الحرّة والمستقلّة التي تقترب فطريًا من حبّ الوطن وتضع مصلحتَه ومصلحة الشعب في أعلى الأولويات. وفي الحقيقة، مَن يختار هذا الخطّ الجريء في كتاباته عليه أن يكون مستعدّاً أحيانًا لهجماتٍ من الذباب الإلكتروني وأمثاله من الرافضين لقول كلمة الحق في الشأن الوطني والمجتمعي والديني والمذهبي والإتني على السواء، كما في غيره من الموضوعات التي يتطرّقُ إليها بعض الكتّاب الأصلاء والمبدعون المهنيون في نقل مثل هذه الكلمة أو هذا الرأي لجمهور القرّاء بمختلف تصنيفاتهم ومراجعهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وخلفياتهم. تلكم هي من ضمن مشاكسات السلطة الرابعة!
ربما أكون قد مارستُ شبه الصحافة وأنا بعدُ غضٌّ طريٌّ في مراهقتي عندما كنتُ تلميذًا يافعًا أدرسُ في معهد ماريوحنا الحبيب للآباء الدومنيكان بالموصل حين تجرّأتُ كتابة قصاصات ورقية تحت اسم «الناقد الصغير» ولصقَها على لوحة مفتوحة للنشر أتاحتها الإدارة آنذاك لكلّ مَن له رأيٌ لإبدائه إزاء إدارة المعهد التي تعرّضت لها حينذاك لهزّةٍ من النقد والامتعاض في شكل مفردات العيش والتوجيه والإرشاد، ربما اضطرارًا منها لفتح نوافذ للتطوير الإداري ومحاولةً منها أيضًا لامتصاص غضب تلامذة المعهد حينذاك. ومن حينها بدأتْ تنمو عندي شيئًا فشيئًا ملكةُ الكتابة لحين محاولتي خوض ترجمة التقارير الأجنبية ونشرها في جريدة الثورة في ثمانينات القرن المنصرم بفعل كوني قريبًا من موقعها أيام خدمة العلم في قيادة القوة الجوية العراقية مترجمًا أيام الحرب مع الجارة الشرقية مقابل مردودٍ ماديّ لمواجهة تحديات العيش الصعبة آنذاك بفعلِ بعدي عن عائلتي ومسكني. وهنا كان عليّ حقًا أن اقارعَ خبرات زميلات وزملاء لهم باعٌ في هذه الصناعة في ترجمة التقارير السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والعسكرية العالمية سواءً من كانوا من خارج أسرة الجريدة أو من داخلها. وقد أُتيحت لي حينها بالمناسبة فرصة التعرّف واللقاء مرارًا مع الراحل الرائد «يوسف الصائغ» وغيره ممّن لا أتذكرهم الآن.
امور دينية
في مرحلة لاحقة بعد الخدمة الإلزامية، حاولتُ التركيز أكثر على موضوعات ذات صلة بالأمور الدينية والكنسية متخذًا من مجلة «الفكر المسيحي» دربًا مفتوحًا لنشر أفكاري ونتاجاتي، وذلك لقربي من مراجعها. وكان ذلك بتشجيع من الراحل الأب الدكتور «يوسف حبّي» الذي رعاني كثيرًا، من دون أن أنسى الرعاية الحثيثة والتوجيهات البارزة من جانب الأب الدكتور «يوسف توما مرقص» رئيس تحريرها آنذاك لحين ترقيته إلى درجة الأسقفية وتركه أروقة المجلّة. وهنا تواترت كتاباتي أكثر في هذه المجلة المسيحية الرائدة التي تولاّها الآباء الدومنيكان منذ عام 1995 بعد تخلّي مؤسسيها منذ الستينات من القرن الماضي (1964). فأصبحتْ نتاجاتي أكثر نضجًا وتلبية للواقع المعاش ما منحني شرف محرّرٍ مثابرٍ فيها وأحد مستشاريها لاحقًا.
ثمّ كانت المرحلة الانتقالية الأوسع التي صاحبت المتغيرات الوطنية والفوضى السياسية بعد مرحلة الغزو الأمريكي والغربي الظالم لغاية اليوم بخوض الكتابة في الشأن السياسي أيضًا بدءً من على صفحات جريدة «المواطن» لبعض الوقت. سرعان ما انتقلتُ بعدها لمزيد من الاتساع والانتشار لخوض الكتابة في جريدة «المدى» الليبرالية المنفتحة التي رأيتُ فيها حقًا مجالاً آخرَ للإبداع وإبداء الرأي إلى جانب أسماء لامعة وبرعاية واعية من مجلس إدارتها ورئاسة تحريرها لحين شعوري بتباطؤ نشر نتاجاتي على صفحاتها المستنيرة حينما طالت أحيانًا لفترات غير مقبولة عندي. وهنا بدأتُ أبحث عن بابٍ أوسع وأروع يشاركني الفكر المستنير والرأي الآخر لواقع حال البلد الذي استحقَّ كلَّ ما قلتُه وكتبتُه وعنيتُه في كتاباتي من دون تلميع ولا تقطيعٍ ولا حذفٍ لخطوطٍ وكلمات وعباراتٍ. فكانت محطتي القادمة ولغاية اليوم جريدة «الزمان» التي أصبحت جزءً من كياني وفكري في نقل الحقيقة والكلمة الصادقة والرأي الوطني المبنيّ على حب الوطن وحق الشعب في العيش الكريم ضمن حدود الحرّيات المتزنة والمتوازنة التي رسمها الدستور الذي انتقدتُه شخصيًا وما أزالُ أطالبُ بضرورة تعديل الكثير من بنوده التي احتوت قنابل موقوتة قابلة الانفجار. وقد حصل ذلك مرارًا وتكرارًا.
أليوم يسرّني كثيرًا أن أكون أحد المساهمين في الكتابة في هذه الجريدة العراقية الوطنية «الزمان» البارزة في أصالتها، والراعية لأصحاب القلم الحرّ النبيل الذي يرفض أيَّ شكلٍ من اشكال الابتزاز، في الأقلّ هذا ما يخصّني فيما أكتب وأنشر لغاية الساعة، إلى جانب زملاء ورواد في المهنة أو من كتّابٍ من خارج المؤسسة الصحفية بصفة هواة أو اصحاب فكر ورأي. ولا أنكر أنّ لجريدة «الزمان» التي يقودها الرائد المبدع «سعد البزّاز» الذي التقيتُه في ظروفٍ خاصة شخصية مرةً واحدة أثناء خدمتي العسكرية في بغداد، نظيراتٍ لها بالتأكيد في مجال الإبداع من أشكال الصحف التي مايزالُ فيها نبضٌ من رائحة الزمن الصحفي المهنيّ الواضح وتتمتع بنتاجات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية ورياضية ومهنية عبر رواد الإبداع ممّن يزيّنون اليوم هذه الصحف التي بدأت تشكو العوز بسبب تراجع دعمها من جانب الحكومة المتقاعسة أو من وزارات ومؤسسات في الدولة العراقية، ما قد يجعل استمرار عملها وطبعها ورقيًا وحتى إلكترونيًا في غاية الصعوبة إذا ما استمرَّ الوضع البائس هذا على حاله.
رعاية النشر
تحية إكبارٍ لكلّ مبدعٍ في جريدة «الزمان» التي لم تتورع رئاسةُ تحريرها في طبعتها الدولية أو المحلية، في رعاية ونشر ما أتناولُه في كتاباتي من موضوعات ومقالات فيها الساخن والهادئ، الغامض أحيانًا والواضح في معظمه في نقل الواقع كما هو وليس كما يريدُه أرباب السياسة وزعامات السلطة ومَن يدورُ في فلكهم. تهنئة قلبية ل «الزمان» في مناسبة صدور عددها «8000»، لتبقى جريدة المثابرين والمستنيرين والباحثين عن رائحة الحقيقة الصحفية الناصعة. وإلى المزيد من الأعداد القادمة في ظلّ حرية الصحافة والفكر والرأي جنبًا إلى جنب مع نظيراتها الأصيلات ممّن حافظت إداراتُها على خطّها الوطني قدر المســــــــــــــــــــــتطاع دون أن تنحدر إلى درجات الإسفاف في النشر والرأي والتعبير أو الخنوع لرجالات السلطة أو الرضوخ لأساطين المال أو الانبطاح بفعل سطوة أرباب الفساد أو الانجرار وراء أصحاب المستوى الهابط.