الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تكتيك‭ ‬جديد‭ ‬للشائعة

بواسطة azzaman

تكتيك‭ ‬جديد‭ ‬للشائعة

محمد زكي ابراهيم

 

‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬العراقيين‭ ‬أن‭ ‬يطلقوا‭ ‬الإشاعات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬وتتعقب‭ ‬مواطن‭ ‬الضعف‭ ‬فيه،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬يعبرون‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬سخطهم‭ ‬عليه،‭ ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬التجارب‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬سلوك‭ ‬فطري،‭ ‬يولد‭ ‬مع‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويكبر‭ ‬معه،‭ ‬ولا‭ ‬ينتهي‭ ‬أو‭ ‬يتلاشى،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬جوبه‭ ‬بالقمع‭ ‬المنظم،‭ ‬أو‭ ‬المنع‭ ‬الشديد،‭ ‬وهناك‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬للبوح‭ ‬بما‭ ‬يختلج‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬رأي،‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬ممكنة،‭ ‬أو‭ ‬متاحة‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬يعود‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬تنعم‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬اعترافها‭ ‬بالحق‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬السلطة،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬نشاطات،‭ ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬نضال‭ ‬طويل،‭ ‬فهو‭ ‬تطور‭ ‬طبيعي،‭ ‬نشأ‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬والحروب،‭ ‬والهزائم‭ ‬والانتصارات‭.‬

‭  ‬وفي‭ ‬البلدان‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬التخلف‭ ‬والقهر‭ ‬والاستبداد‭ ‬السياسي،‭ ‬يصبح‭ ‬البديل‭ ‬الموضوعي‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬المفقودة‭ ‬هو‭ ‬الإشاعات،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬من‭ ‬يطلقها،‭ ‬ومن‭ ‬يروج‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وتدخل‭ ‬كل‭ ‬بيت،‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬فالشائعات‭  ‬سلوك‭ ‬سياسي‭ ‬معارض‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬البرم‭ ‬بالحاكم،‭ ‬وأجهزته،‭ ‬وسلطاته‭.‬

‭  ‬وكلما‭ ‬كان‭ ‬النقد‭ ‬السياسي‭ ‬المباشر‭ ‬ممنوعاً،‭ ‬أو‭ ‬محرماً،‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬الشائعات‭ ‬أكثر‭ ‬تداولاً،‭ ‬وأعظم‭ ‬انتشارا‭. ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تنوب‭ ‬عن‭ ‬الأحزاب،‭ ‬والمنظمات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬الشرعية،‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬بها‭  ‬مراقبة‭ ‬عمل‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭.‬

وفي‭ ‬الأنظمة‭ ‬المتشددة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ (‬الحاكم‭ ‬–‭ ‬الإله‭) ‬يجري‭ ‬تعقب‭ ‬مطلقي‭ ‬الإشاعات‭ ‬أو‭ ‬مروجيها،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬النكتة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬بأسلوب‭ ‬فكاهي‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬ما،‭ ‬تقود‭ ‬صاحبها‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬الإعدام‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬فهي‭ ‬سلاح‭ ‬قاتل‭ ‬لا‭ ‬يتساهل‭ ‬فيه‭ ‬النظام‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬الحزبي،‭ ‬أبداً‭.‬

‭  ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة،‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬كثيراً‭ ‬بهذه‭ ‬الإشاعات،‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تدوينها،‭ ‬وتحليلها،‭ ‬ليس‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراءها،‭ ‬فهي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬برمها‭ ‬بها،‭ ‬وحنقها‭ ‬عليها،‭ ‬تنقل‭ ‬لها‭ ‬صورة‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬الاتجاهات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ومدى‭ ‬قدرة‭ ‬المعارضة‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الحواجز‭ ‬الأمنية‭ ‬والحزبية،‭ ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإشاعات‭ ‬تنطلق‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬ذاتها،‭ ‬لخدمة‭ ‬السلطة،‭ ‬أو‭ ‬صرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حوادث‭ ‬أو‭ ‬إخفاقات‭ ‬أو‭ ‬فضائح‭ ‬تمنى‭ ‬بها‭.‬

‭  ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬اختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬2003‭.  ‬فباتت‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع،‭ ‬وتلاشت‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬التفكير،‭ ‬وأصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬الفرد‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬بما‭ ‬يشاء‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬ثمة‭ ‬مبرر‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الإشاعات،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭  ‬تفسيراً‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬الكذب‭ ‬الصريح‭. ‬فقد‭ ‬برزت‭ ‬للوجود‭ ‬ظاهرة‭ ‬الذباب‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وهي‭ ‬نسخة‭ ‬معدلة‭ ‬من‭ ‬سيل‭ ‬الإشاعات‭ ‬القديم،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تمارس‭ ‬النقد،‭ ‬أو‭ ‬تلفق‭ ‬القصص،‭ ‬أو‭ ‬تلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬تقوم‭ ‬باختلاق‭ ‬الأكاذيب‭ ‬حول‭ ‬قوانين‭ ‬أو‭ ‬مشاريع‭ ‬أو‭ ‬نوايا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

‭  ‬إن‭ ‬الصراحة‭ ‬المطلقة‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬مع‭ ‬الأفراد‭ ‬هي‭ ‬سر‭ ‬قوة‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬اعتاد‭ ‬الطرفان‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬أي‭ ‬عقبة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬قبول‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬للآخر،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬خطت‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التقدم‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الملائم‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬السياسيون‭ ‬الفاشلون،‭ ‬أو‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬شبح‭ ‬الانقراض،‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تعتاش‭ ‬على‭ ‬هموم‭ ‬الناس،‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬إشاعات‭ ‬وأكاذيب‭ ‬يتكفل‭ ‬بها‭ ‬ذبابهم‭ ‬الإلكتروني‭. ‬فالوضوح‭ ‬والأمانة‭ ‬والصدق‭ ‬هي‭ ‬الوسائل‭ ‬الحقيقية‭ ‬للنجاح،‭ ‬وبخلاف‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬التخبط‭ ‬والفوضى‭ ‬والخذلان‭.‬


مشاهدات 194
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2024/09/28 - 12:23 AM
آخر تحديث 2024/11/20 - 6:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 307 الشهر 9431 الكلي 10052575
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير