الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تأثير الرضا عن الخدمات وجودة البيئة على النزوع إلى الثورة في الشرق الأوسط

بواسطة azzaman

مصر والعراق أنموذجَين

تأثير الرضا عن الخدمات وجودة البيئة على النزوع إلى الثورة في الشرق الأوسط

محمد رضا فرزانغان - حسن ف. غوليبو

ترجمة: رمضان مهلهل سدخان

 

الخلاصة

الغرض من هذه الدراسة هو معرفة العلاقة بين رضا الأفراد عن الخدمات وجودة البيئة والرغبة في الثورة في الشرق الأوسط. وباستخدام بيانات مسح القيمة العالمية الأخيرة (WVS7، 2017-2021) من مصر والعراق (اللذَين يعانيان من تدهور بيئي حاد وعدم كفاية وسوء إدارة البنية التحتية العامة) وتطبيق الانحدارات الرتبية Probit، تُظهر نتائجُنا بأن الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية يرتبط سلباً وإحصائياً بميل الأفراد نحو الثورة في كلا البلدين. وهذه النتيجة تكون أكثر وضوحاً في المناطق الحضرية، وخاصة في المدن الكبيرة. كما نجد بأن رضا الأفراد عن الخدمات وجودة البيئة يؤثران على الميل نحو الثورة من خلال رضا الفرد عن حياته ورضاه عن توفير الحكومة للخدمات العامة. ويشير التحليل الخاص بمصر إلى أن الرضا عن أنظمة النقل العام، والشوارع والطرق السريعة، ونوعية الهواء، وجودة الإسكان ترتبط بشكل كبير وسلبي بدعم العمل الثوري. أما بالنسبة لعينة العراق، نجد بأن عدم الرضا عن الشوارع والطرق السريعة، ونوعية المياه، وجودة المدارس، والبيئة المادية للمدن يؤدي إلى احتمال أكبر لدعم الثورة.

الكلمات المفتاحية: الخدمات، جودة الهواء، الشرق الأوسط، البيئة، التلوث، الثورة، الرضا 

 المقدمة

إن الغرض من هذا البحث هو دراسة العلاقة بين رضا الأفراد عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة ونزوعهم للثورة في دولتين من دول الشرق الأوسط، هما مصر والعراق. لقد شهد هذان البَلَدان العديد من الانتفاضات والثورات الاجتماعية على مدى القرن الماضي (على سبيل المثال، الثورة المصرية عام 1919؛ والثورة المصرية عام 1952؛ و»انتفاضة الخبز» المصرية عام 1977؛ والثورة المصرية عام 2011؛ والثورة العراقية عام 1920؛ وثورات العراقيين عام 1935- 1936؛ والانقلاب العراقي عام 1958). وكان آخرها «الربيع العربي» الذي شهدته العديد من الدول العربية في العام 2011 (فيريرو، 2018). وأثناء «الربيع العربي» وبعده، حاول العديد من الباحثين والمعلقين السياسيين شرح محددات دعم الأفراد للثورة في هذين البلدين (أنظر على سبيل المثال، إيانتشوفيتشينا وآخرين، 2015؛ وفيرمي وآخرين، 2014).

وبينما توفر الدراسات المفاهيمية الحالية رؤى قيّمة حول محددات الانتفاضات في الدول العربية، إلا أن هناك نقصاً في العمل التجريبي حول ميل الأفراد نحو الثورات في منطقة الشرق الأوسط باستخدام البيانات الحديثة. ففي هذه الدراسة، نركز على محدد معيّن لميل الناس للتغيير الجذري: الرضا عن الخدمات والجودة البيئية. وعلى وجه التحديد، نحاول أن نفهم ما إذا كان الميل إلى الثورة أقل (أو أعلى) بالنسبة للأفراد الذين هم أكثر رضا (أو غير راضين) عن الخدمات العامة (مثل الرعاية الصحية، والجمال المادي للمدن، وأنظمة النقل، والمدارس)، وجودة البيئة (نوعية الهواء والماء)، وجودة السكن.

كان التدهور البيئي، وخاصة تلوث الهواء والماء، فضلاً عن عدم كفاية البنية التحتية العامة وسوء إدارتها، من التحديات الرئيسية التي واجهتها معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقود الماضية (فرزاجان و ماركواردي، 2018؛ و فرزانجان وآخرون 2021، 2023؛ غوليبور و فرزانجان، 2018). وفي تقرير حديث للبنك الدولي، يقدّم هيغر وآخرون (2022) أدلة على أن مستويات المعيشة، بما في ذلك الدخل ورأس المال البشري والبنية التحتية، قد تحسنت في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدى العقود الثلاثة الماضية، ولكن على حساب تدهور رأس المال الطبيعي. إذ أظهروا بأن الانبعاثات والتلوث البحري وتحمض المحيطات والإجهاد المائي الناجم عن الإدارة غير المستدامة للمياه قد ازدادت. بالإضافة إلى ذلك، تدهورت النظم البيئية البرية والبحرية كما دُمرت الموائل أو البيئات الطبيعية. إذ يتنفس المواطن العادي في المناطق الحضرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هواءً يتجاوز المستويات الآمنة من الملوثات بأكثر من عشر مرات. ومن حيث التكاليف الاقتصادية، تشير التقديرات إلى أن التدهور البيئي للسماء والبحار يكلف أكثر من 3بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض اقتصادات المنطقة. وفضلاً عن التكاليف الاقتصادية والصحية، فإن التدهور البيئي، خاصة بسبب نقص المياه والتلوث المفرط للمياه، قد سبّب في احتجاجات عنيفة وغير عنيفة في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل العراق (هيومن رايتس ووتش [منظمة مراقبة حقوق الانسان]، 2019) ومصر (دبلوماسية المناخ، 2022)

وتتيح بياناتُ المسح الأخيرة على المستوى الفردي التي جمعتها رابطة مسح القيم العالمية 7 (WVS7) من مصر والعراق في العام 2018 استكشافَ العلاقة بين رضا المواطنين عن الخدمات والجودة البيئية والنزوع إلى الثورة. ففي هذا المسح، هناك أسئلة محددة لدول الشرق الأوسط تقيس مستوى رضا المشاركين عن الخدمات العامة والاجتماعية، والبيئة المعيشية، وجودة السكن. وهذه الأسئلة لم تُطرَح في بلدان أخرى. كما يقيس الاستطلاع أيضاً مسألة تفضيل العمل الثوري. وبالتحكّم في الدوافع الأخرى لتفضيل الثورة وتطبيق الانحدارات الرُتَبية، نجد أدلة على أن الأفراد الذين لديهم مستوى أعلى من الرضا عن الخدمات والجودة البيئية هم أقلّ احتمالاً لدعم العمل الثوري في مصر والعراق.  

وتساهم دراستنا في الأدبيات السابقة بثلاث طرق. أولاً، في الوقت الذي قامت فيه العديد من الأبحاث بدراسة تأثير المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإجمالية (على سبيل المثال، عدم المساواة في الدخل، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والنمو في الناتج المحلي الإجمالي، ونوع الحكومة في السلطة، والحرية المدنية والاقتصادية والسياسية) بالإضافة إلى الخصائص الاجتماعية والاقتصادية الفردية (بما في ذلك الجنس والعمر والدخل والحالة الاجتماعية والتعليم والتدين) بشأن دعم التغيير الجذري (على سبيل المثال، فرانسوا وآخرون، 2021؛ وماكولوتش، 2003؛ ماكولوتش، 2004؛ ماكولوتش، 2005؛ ماكولوتش و بيزيني، 2007؛ ماكولوتش و بيزيني، 2010؛ مايموني أنسالدو باتي وآخرون، 2012)، على حد علمنا، فإنه لم يقم أي بحث تجريبي بفحص العلاقة بين الرضا الفردي عن الخدمات، والجودة البيئية، والنزوع نحو الثورة باستخدام البيانات الحديثة. وثانياً، تقدّم الدراسة الحالية رؤى حول الاختلافات بين الاقتصادات المعتمِدة على الموارد (العراق) والاقتصادات غير المعتمِدة على الموارد (مصر) من حيث محددات تفضيل الأفراد للعمل الثوري. وثالثاً، يساهم بحثنا في الأدبيات المتعلقة بتأثير الرضا عن الخدمات والجودة البيئية في المتغيرات الاجتماعية والسلوكية المختلفة. وبينما قام ناكامورا وماناجي (2020) وآخرون بفحص تأثير جودة الخدمات (والرضا عنها أو كليهما) على الرضا عن الحياة، والصراعات الداخلية، والاحتجاجات، والاستقرار الاجتماعي، والنزاعات العدوانية والعنيفة، فإن التحقيق في العلاقة بين الأنواع المختلفة من الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية ونزوع الأفراد نحو الثورة لم تحظَ إلا باهتمام قليل نسبياً من الدراسات الموجودة. لذلك فنحن نعالج هذه الثغرات في الأدبيات السابقة.

إن فهم ميل المواطنين للثورة أمر بالغ الأهمية لاستباق / منع الثورة / الانتفاضة في اقتصادَين رئيسيَين في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لموقعهما الجيوسياسي وأهميتهما في أسواق الطاقة العالمية. وكما أوضحه ميموني أنسالدو باتي وآخرون (2021) وماكولوتش وبيزيني (2010)، هناك علاقة قوية بين ميل الفرد للثورة وأنواع العنف المختلفة في مختلف البلدان.

 استعراض الدراسات

1.2. الدراسات السابقة حول محددات ميل الأفراد للثورة  

تبحث هذه الدراسات في تأثير الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية المختلفة، بالإضافة إلى المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإجمالية، على تفضيل الأفراد للعمل الثوري. ومن المهم أن نلاحظ بأن تركيزنا ينصب على ميل الناس نحو العمل الثوري وليس على الأحداث الفعلية للصراع الداخلي. ولذلك فإننا نستعرض فقط محددات دعم الأفراد للعمل الثوري، وليس محددات الحروب أو الصراعات الداخلية.

وباستخدام بيانات على المستوى الفردي من 12 دولة أوروبية بين عامي 1976 و1990، وجد ماكولوتش (2003) بأن احتمالية دعم الثورة كانت أعلى بين الذكور، والعاطلين عن العمل، وذوي الدخل المنخفض، والشباب. كما أظهر بأن كونك متزوجاً ومتديناً وذا أيديولوجية سياسية يمينية يقلل من فرصة وجود ميول ثورية. وأشارت الانحدارات الرُتَبية الخاصة به أيضاً إلى أن انخفاض مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة عدم المساواة في الدخل، ووجود حكومة يمينية في السلطة، ارتبطت بتفضيل أقوى للتغيير الجذري.

وفي دراسة لاحقة، أظهر ماكولوتش (2004) بأن احتمالية دعم الثورة كانت أقل بكثير في البلدان ذات المستوى الأعلى من الناتج المحلي الإجمالي للفرد وبين الأفراد ذوي الدخل المرتفع. وبالتحكم في مجموعة من الخصائص الشخصية والتأثيرات الثابتة للبلد، وجد ماكولوتش (2005) بأن انخفاض مستويات الدخل الشخصي وزيادة عدم المساواة في الدخل (مُقاساً بمعامل جيني Gini coefficient) كان لهما تأثير إيجابي وهام على زيادة فرصة دعم الفرد للتمرد. كما أشارت نتائجه أيضاً إلى أن الأفراد العاملين، والنساء، والمتزوجين والأرامل، وكبار السن كانوا أقل عرضة لدعم الأعمال الثورية. وأظهر ماكولوتش وبيزيني (2007)، باستخدام بيانات المسح من 61 دولة بين عامي 1981 و1997،

بأن دخل الأفراد وتدينهم، وكذلك النمو الاقتصادي، أدى إلى انخفاض الدعم الثوري. وفي دراسة لاحقة، وجد ماكولوتش وبيزيني (2010)، باستخدام مجموعة بيانات مماثلة، بأن المستويات الأعلى من الحرية (بما في ذلك الحريات المدنية والحريات الديمقراطية)، والنمو الاقتصادي الأعلى، والمستويات الأعلى من التجارة الدولية، والتدين لها آثار سلبية وهامة على الدعم الثوري للأفراد. وفيما يتعلق بالحرية، فإن ميموني أنسالدو باتي وآخرون (2021) قدّموا دليلاً على أن الأفراد ذوي الحرية الذاتية الأقل والذين يعيشون في بلدان أكثر تشرذماً (أي مجتمعات أكثر تنوعاً) هم أكثر ميلاً نحو الثورات، وذلك باستخدام بيانات مسح القيم العالمية WVS على المستوى الفردي التي جرى جمعها من 51 دولة بين عامي 1990 و 2003. وأشارت نتائجهم أيضاً إلى أن الحرية يمكن أن تخفف من تأثير التنوع الاجتماعي على ميول الأفراد للعمل الثوري. ووجدوا أيضاً بأن الحرية الاقتصادية والسياسية تؤثر سلباً على الميول الفردية للعمل الثوري. بينما فرانسوا وآخرون (2021) أظهر بأن حكم الأغلبية والانتخابات الدورية ومؤسسات تقاسم السلطة في الأنظمة الديمقراطية قللت من المواقف الثورية

2.2. أثر الرضا عن الخدمات وجودة البيئة على نوعية حياة الأفراد

أما الجانب الآخر من الأدبيات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعملنا فهو العلاقة بين الرضا عن الخدمات، والجودة البيئية، ورضا الأفراد عن الحياة (أو السعادة، والرفاهية الذاتية، ونوعية الحياة). وقد أظهرت غالبية هذه الدراسات بأن الخدمات العامة المتطورة، والجودة البيئية الأعلى، والعوامل المناخية الملائمة تعمل على تحسين الرفاهية الذهنية للمواطنين والرضا عن حياتهم

وعلى سبيل المثال، باستخدام بيانات مسح واسعة النطاق من البلديات في اليابان، وجد ناكامورا وماناجي (2020) بأن رضا المواطنين عن الخدمات البلدية الشاملة له تأثير إيجابي على الرضا عن الحياة. كما أظهرا أيضاً بأن الجوانب الاجتماعية (مثل جودة السكن الملائمة وكفاية الخدمات التعليمية) للخدمات البلدية لهما تأثير أقوى على الرضا عن الحياة من الجوانب الاقتصادية (مثل عائدات الضرائب) و[الجوانب] البيئية (مثل جودة الهواء والماء).

وفيما يتعلق بالجودة البيئية ونوعية الحياة، وجد سيلفا وآخرون (2012) بأن ارتفاع مستوى تلوث الهواء (يجري قياسه من حيث تركيزات PM10) له تأثير سلبي على رضا الأفراد عن جودة الهواء، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الرفاهية الشخصية في كل من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأظهر ماكيرون وموراتو (2013) بأن الأفراد في المملكة المتحدة يكونون أكثر سعادة بشكل كبير وجوهري عندما يكونون في الهواء الطلق في جميع أنواع البيئات الخضراء أو الطبيعية مقارنة بما هم عليه في البيئات الحضرية. ويقدمان ثلاثة أسباب للارتباط الإيجابي بين تجارب البيئات الطبيعية والسعادة: (1) التعرض للبيئات الطبيعية يؤثر على الجهاز العصبي، مما يقلل من التوتر ويستعيد الانتباه (ويلسون، 1993، ص 31)، و(2) تلوث الضوضاء والهواء يكون أعلى في المناطق الحضرية (مقارنة بالبيئات الطبيعية) وله آثار سلبية على الصحة البدنية (على سبيل المثال، جوفيا و مايسونيت، 2005)، مما يقلل بدوره من سعادة الفرد، و(3) قد تؤدي تجارب البيئات الطبيعية إلى زيادة الرضا عن الحياة عن طريق تسهيل السلوكيات المفيدة بدنياً وذهنياً وتشجيعها، بما في ذلك التمارين البدنية والترفيه والتفاعل الاجتماعي (على سبيل المثال، موريس، 2003).

وفي دراسة مماثلة، أظهر ماكيرون وموراتو (2009) بأن مستويات تلوث الهواء الملموسة والمُقاسة ترتبط بشكل سلبي كبير بالرضا عن الحياة لدى المشاركين في الاستطلاع في لندن. كما وُجِد بأن هناك علاقة بين الجودة البيئية والعوامل المناخية والرضا عن الحياة في أستراليا (كارول وآخرون، 2009)، وفي آيرلندا (بريريتون وآخرون، 2008)، وفي بلدان أخرى (ريدانز وماديسون، 2008). ويقدّم بريريتون وآخرون (2008) دليلاً على أن الخدمات مثل الظروف المناخية والبيئية والحضرية (مثل سرعة الرياح ودرجة الحرارة والوصول إلى طرق النقل الرئيسية والقرب من الساحل ومنشآت النفايات) تمثّل محددات مهمة لرضا الفرد عن الحياة في آيرلندا.

ووجد أمبري وفليمنغ (2014) بأن المستويات الأعلى من المساحات الخضراء العامة ترتبط بمستويات أعلى من الرفاهية لسكان العواصم الأسترالية. وباستخدام بيانات من قوانغتشو، في الصين، أظهرَ  سو وآخرون (2022) بأن ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الشتاء، وانخفاض مستويات الضوضاء، وانخفاض PM2.5 يمكن أن يحسّن السعادة اللحظية للأفراد. ووجد وينترز و لي (2017) أيضاً بأن درجات الحرارة المرتفعة في الشتاء لها تأثير إيجابي كبير على الرضا عن الحياة المبلَغ عنه ذاتياً في الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالإسكان، باستخدام بيانات من المسح الاجتماعي العام الصيني للعام 2006، فإن تشانغ وآخرين (2018) أظهروا بأن الرضا عن السكن وملكية المنازل من العوامل المهمة في تحديد الرضا العام عن الحياة لدى الناس في المناطق الحضرية في الصين

3.2. الرضا عن الخدمات والجودة البيئية وميل الأفراد للثورة

في هذا القسم، نبحث في العلاقة بين الرضا عن الخدمات وجودة البيئة وتفضيل الأفراد للثورة في مصر والعراق ومن ثم تطوير فرضياتنا.

في القسم 2.2، أظهرنا بأن كفاءة الخدمات العامة وجودة الإسكان وجودة البيئة والعوامل المناخية المواتية تعزز الرفاهية الذاتية للمواطنين. ومع ذلك، فإن انخفاض الرضا عن الحياة بسبب البيئة الملوثة، والخدمات العامة غير الفعالة، وسوء نوعية الإسكان ليس نهاية القصة في غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يعدّ مواطني معظم هذه البلدان من بين أكثر الناس غضباً في العالم (غالوب، 2020).

وبحسب غالوب (2020)، فإن الدول الستة الأولى من حيث غضب الناس هي العراق، وتركيا، ولبنان، ومصر، وتونس، وإيران. ففي هذه البلدان، يمكن أن يتحول عدم الرضا عن الخدمات والجودة البيئية بسهولة إلى غضب وعدوانية، مما يؤدي غالباً إلى سلوك عنيف وعدائي. على سبيل المثال، أظهر فيزي وآخرون (2019) بأن نقص هطول الأمطار وندرته كان لهما تأثير كبير على الصراعات العنيفة والتوترات عبر المقاطعات في إيران خلال الفترة 2007-2014. وجادلوا بأن السبب في ذلك هو أن «الماء يعدّ احتياطياً لا بديل له، والناس بحاجة إليه بشكل مستمر وفوري. وقد يؤدي النضال من أجل الوصول إلى موارده النادرة إلى دفع الناس إلى إظهار سلوكيات غير متعاونة، بل وحتى عدائية وعنيفة». بالإضافة إلى ذلك، «قد يؤدي نقص هطول الأمطار إلى صدمة مالية، ويجعل الناس متوترين، وعنيفين» (ص 890-91). وقد أشار إيانتشوفيتشينا وآخرون (2015) وكذلك فيرمي وآخرون (2014) أيضاً إلى أن فورة الغضب الشعبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال «الربيع العربي» كانت متجذرة في التصورات الفردية لانخفاض مستويات المعيشة، وضعف الخدمات العامة، وانعدام مساءلة الحكومة (ميموني أنسالدو وآخرون، 2021)

نحن نفترض بأن المواطنين الذين يعيشون في بيئات يُنظر فيها إلى الخدمات العامة على أنها غير مرغوب فيها وغير فعالة، وتكون نوعية الهواء والماء والسكن غير مُرضية، قد يشعرون بالإحباط ومن المرجح أن يكونوا أقل رضا عن حياتهم، الأمر الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى مستويات أعلى من الغضب (كوكشيا، 2028) وإلى تفضيل التغيير الجذري في الحكومة. وهذا يتماشى إلى حد ما مع وجهة النظر القائلة بأن النزوع إلى الثورة ينبع من الشعور بالتعسف المرتبط بمشاعر الظلم الاجتماعي أو عدم العدالة أو استغلال مجموعة من الناس (ماكولوتش و بيزيني، 2007؛ و هيرشليفر، 1995). كما جادل ماكولوتش (2004) بأن مشاعر الإحباط الشديد (والاستياء) لدى الأفراد تساهم بشكل إيجابي في اتخاذ قرار المشاركة في أعمال التمرد الجماعية. وبالمثل، أظهر فينكل ومولر (1998) بأن عدم الرضا عن الخدمات العامة أو الجماعية هو أحد المحددات الرئيسية لمشاركة الأفراد في الاحتجاج الجماعي. كذلك جادل كاسينوف (2012) أيضاً بأن الغضب يلعب دوراً مفيداً في الحركات الاجتماعية، على سبيل المثال، من أجل المساواة بين السود وكبار السن والنساء. وأشار غور (1971) إلى أن الفشل في الحصول على الفوائد المتوقعة من العصرنة modernization من جانب مجموعات معينة في المجتمع يمكن أن يؤدي إلى الإحباط والثورة.

وبناءً على المناقشة أعلاه، فإن فرضيتنا العامة هي

يميل الأفراد الذين لديهم مستويات أعلى من عدم الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية إلى دعم التغيير الأكثر جذرية في المجتمعات، مع ثبات باقي العوامل.

3. البيانات ومنهجية الدراسة

1.3. البيانات   

لاختبار فرضياتنا، نعتمد على بيانات المسح الفريدة التي جمِعت عن طريق المسح في مصر والعراق (هاير وآخرون، 2022). وتضمنت استمارة الاستطلاع أسئلة محددة طُرِحت فقط على المشاركين من عدد من دول الشرق الأوسط. وجُمِعت إجابات الاستطلاع من 1200 مصري و1200 عراقي في العام 2018. واختير هذان البلدان للتحليل ليس فقط بسبب توفر البيانات ولكن أيضاً بسبب موقعهما الجيوسياسي وأهميتهما في أسواق الطاقة العالمية. إذ يوجد حوالي 10% من احتياطيات النفط الخام العالمية المؤكدة وحوالي 17% من احتياطيات النفط الخام المؤكدة في الشرق الأوسط في العراق (أوبك، 2023). بينما تتمتع مصر بموقع استراتيجي في الشرق الأوسط، حيث تقوم بتشغيل قناة السويس وخط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط، وهما أمران مهمان للبنية التحتية للنقل في أسواق الطاقة الدولية (تقييم الأثر البيئي، 2022). كما أن أية تغييرات سياسية كبيرة في هذين البلدين قد يكون لها آثار مُعدِية على بلدان أخرى في المنطقة، وهو ما شهدناه خلال الربيع العربي.

2.3. المتغير التابع    

المتغير التابع في دراستنا يتمثّل بدعم الأفراد للعمل الثوري. في القسم المعنون «القيم الاجتماعية والمواقف؛ والصور النمطية» في الاستطلاع، هناك سؤال يُطرَح على المشاركين حول مواقفهم تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه. على وجه التحديد، يُسأل المشاركون:

«في هذه البطاقة، هناك ثلاثة أنواع أساسية من المواقف المتعلقة بالمجتمع الذي نعيش فيه. يرجى اختيار الموقف الذي يصف رأيك الخاص على أفضل وجه. (يُرجى التأشير على خيار واحد فقط من القائمة أدناه):

(1) يجب تغيير الطريقة التي يجري فيها تنظيم مجتمعنا بشكل جذري من خلال العمل الثوري.

(2) يجب أن يتحسن مجتمعنا تدريجياً من خلال الإصلاحات.

(3) يجب الدفاع عن مجتمعنا الحالي ببسالة ضد جميع القوى التخريبية.

ووفقاً لـ ماكولوتش (2004)، فإن المتغير التابع في دراستنا هو متغير ثنائي يساوي 1 إذا وافق المجيب على أن «الطريقة الكاملة لتنظيم مجتمعنا يجب أن تتغير بشكل جذري من خلال العمل الثوري» و0 بخلاف ذلك. وبالنسبة لتحليلات الانحدار، فقد قمنا باستبعاد 66 حالة من عينة مصر لأنها إما انطوت على إجابات ناقصة أو متعددة أو كانت إجاباتها «لا أعرف». ولم تكن هناك إجابات مفقودة أو متعددة أو إجابات «لا أعرف» لعينة العراق. لقد اتبعنا الإجراءات نفسها مع المتغيرات الأخرى.  

3.3. المتغير التوضيحي الخاص بالاهتمام

في التركيب الإقليمي للشرق الأوسط، يتضمن المسح سؤالاً يتعلق برضا الأفراد عن الخدمات والجودة البيئية. ويُطرَح السؤال على المشاركين بهذه الصيغة: «في المدينة أو المنطقة التي تعيش فيها، هل أنت راضٍ أم غير راضٍ عن جودة ما يلي؟» العناصر المدرجة تمثّل أنظمة النقل العام والشوارع والطرق السريعة والمدارس وجودة الهواء وجودة المياه وجودة الرعاية الصحية وجودة الإسكان وجمال البناء وجمال البيئة المادية. ويُطلب من المشاركين الاختيار من بين الخيارات التالية (1) راضٍ جداً، (2) راضٍ إلى حد ما، (3) غير راضٍ إلى حد ما، و (4) غير راضٍ جداً. ولتسهيل تفسير المقياس، جرى عكس الدرجات (1: غير راضٍ جداً... 4: راضٍ جدًا). وتجدر الإشارة إلى أن عينة مصر لا تتضمن سؤال «جمال البناء» وإنما تتضمن سؤالاً حول «أنظمة النقل العام». ومن ناحية أخرى، فإن عينة العراق لا تتضمن سؤال «أنظمة النقل العام»، ولكنها تتضمن «جمال البناء» في الاستبيان.

بالإضافة إلى المؤشرات المذكورة أعلاه، نقوم أيضاً بحساب متوسطات جميع مؤشرات الرضا والمتغيرات المتعلقة بالخدمات ومؤشرات الجودة البيئية. بالنسبة لمتوسط الرضا عن المؤشرات المتعلقة بالخدمات، نستخدم جميع المؤشرات باستثناء الرضا عن جودة الهواء والماء، والتي تستخدم لحساب متوسط مؤشرات الجودة البيئية.

كما قمنا بإدراج الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة بشكل منفصل في الانحدارات، إذ توجد علاقة ارتباط معنوية بين بعضها البعض. على سبيل المثال، في حالة مصر، يبلغ معامل الارتباط بين المدارس وجودة الرعاية الصحية 0.60 (P <0.05). وفي عينة العراق، بلغ معامل الارتباط بين جودة السكن وجمال البيئة الطبيعية للمدينة 0.50 (P <0.05).

4.3. المتغيرات الضابطة

فضلاً عن المتغيرات الخاصة بالاهتمام، أي الرضا عن الخدمات والجودة البيئية، فإننا ندرج أيضاً محددات مهمة أخرى لدعم الأفراد للثورة في تقديراتنا. يعتمد اختيارنا للمتغيرات الضابطة بشكل أساسي على أعمال ماكولوتش (2003)، و ماكولوتش (2004)، و ماكولوتش (2005)، و ماكولوتش و بيزيني (2007)، و ماكولوتش و بيزيني (2010)، و ميموني أنسالدو باتي (2021). ومع ذلك، وعلى عكس هذه الدراسات، فإننا لا ندمج متغيرات المستوى الإجمالي (مثل الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وعدم المساواة في الدخل، والحرية السياسية) في النموذج، حيث تركز دراستنا على الأفراد داخل البلد. كما نأخذ في الاعتبار أيضاً مدى توفر البيانات للمتغيرات في المسح عند اختيار المتغيرات الضابطة لمواصفات النموذج. ومن المهم أن نلاحظ بأن نتائجنا الأولية بشأن المتغيرات ذات الأهمية تظل ذات دلالة إحصائية بغض النظر عن إدراج بعض المتغيرات الضابطة. وفيما يلي الخطوط العريضة للمتغيرات الضابطة: العمر والجنس ومقياس الدخل والحالة الاجتماعية والتعليم العالي والحالة الوظيفية وعدد الأطفال والتدين والعمل السياسي والحرية الذاتية وتفضيل المساواة في الدخل.

5.3. طريقة التقدير

وبالنظر إلى أن المتغير التابع لهذه الدراسة هو متغير ثنائي، بقيم 0 و1، فإننا نطبق الانحدار الرتبي باتباع ماكولوتش (2005) و ماكولوتش و بيزيني (2007) مع أخطاء قياسية قوية تصحّح الأخطاء القياسية للتغايرية.

نموذج الانحدار المقدَّر يكون كما يلي:   

دعم الثورة i = أ + ب الرضا i + ج التحكم + ε i         (1)

هنا، المتغير التابع يمثّل دعم الثورة، والذي يأخذ القيمة 1 عندما يعتقد المجيب بأن «الطريقة الكاملة لتنظيم مجتمعنا يجب أن تتغير بشكل جذري من خلال العمل الثوري». ويمثل الرضا المتغيرات التفسيرية الرئيسية الخاصة بالاهتمام، مثل الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية. وكلمة «التحكم» تمثّل المتغيرات الضابطة والعلامة ε تمثّل مصطلح الخطأ.        

4. النتائج

1.4. التحليلات الرئيسية 

تُظهر النتائج بأن المشاركين المصريين الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الرضا عن أنظمة النقل العام والشوارع والطرق السريعة وجودة الهواء وجودة الإسكان لديهم ميل أقل نحو العمل الثوري. إن معاملات هذه المؤشرات الأربعة تكون سلبية وذات دلالة إحصائية. بالإضافة إلى ذلك، تشير نتائج التقدير إلى أن المؤشرات الأربعة الأخرى للرضا عن المرافق وجودة البيئة تحمل العلامات السلبية المتوقعة ولكنها غير ذات أهمية على المستويات التقليدية. ويرتبط متوسط المؤشرات التسعة بشكل سلبي وكبير بدعم العمل الثوري في مصر. بشكل عام، تدعم هذه النتائج فرضيتنا القائلة بأن الرضا عن الخدمات والجودة البيئية يلعب دوراً مهماً في تشكيل ميل الناس نحو العمل الثوري في مصر.

كما تُظهر نتائج الانحدار أيضاً بأن تفضيل العمل الثوري يكون أعلى بين المشاركين المصريين ذوي الدخل المنخفض والتعليم الجامعي وانخفاض التدين. بالإضافة إلى ذلك، اكتشفنا بأن أولئك الذين يضعون قيمة أكبر للمساواة في الدخل يميلون إلى أن يكون لديهم ميل أقوى نحو الثورة. وأخيراً، تشير نتائج العينة المصرية إلى أن الأفراد الذين يرون المزيد من الحرية في حياتهم لديهم احتمالية أقل لدعم العمل الثوري. ولا يعدّ العمر والجنس والحالة الاجتماعية والحالة الوظيفية وعدد الأطفال والإجراءات السياسية محددات مهمة لتفضيل المشاركين وميولهم نحو الثورة     

2.4. تحليلات العينات الفرعية

بالنظر إلى حقيقة أن معظم الثورات بدأت في المناطق الحضرية والمدن الكبيرة، وهو ما يعد مساهِماً رئيسياً في التغيير السياسي (غلايسر و ستابنبيرغ، 2017)، فإننا نحقق فيما إذا كانت نتائج تحليلات العينات الكاملة متأثرة بالمستجيبين في المناطق الحضرية والمدن الكبيرة. ويقدم غلايسر وستاينبيرغ (2017) أدلة تاريخية وتجريبية على أن التحضر والمدن الكبيرة يمكن أن يكون لهما تأثير مهم على عمليات التغيير السياسي، ويرجع ذلك أساساً إلى أن «المدن تسهّل العمل العام المنسق وتعزز فعالية الانتفاضات» (ص 58).

وتعرض الدراسة النتائج الخاصة بمصر عندما نجري تحليلات انحدارية منفصلة للمناطق الحضرية، والمناطق الريفية، والمدن الكبيرة، والمدن الصغيرة والمناطق الريفية. وكما يتضح من التقديرات، فإن الارتباط بين رضا الأفراد عن الخدمات وجودة البيئة والميل نحو الثورة موجود فقط في المناطق الحضرية والمدن الكبرى في مصر.5

كما تعرض الدراسة النتائج الخاصة بالعراق عندما نجري تحليلات انحدارية منفصلة للمناطق الحضرية، والمناطق الريفية، والمدن الكبيرة، والمدن الصغيرة والمناطق الريفية. وكما هو الحال في النتائج الخاصة بمصر، نجد بأن العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية والميل نحو الثورة تكون ذات دلالة إحصائية فقط في المدن الكبرى والمناطق الحضرية في العراق.    

3.4. الدور الوسيط للرضا عن الحياة في العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة وتفضيل الثورة      

في القسم الخاص بالفرضيات، نرى بأن الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية قد يؤثر على دعم الثورة من خلال رضا الأفراد عن حياتهم. وفي هذا القسم الفرعي، نقوم بدراسة ما إذا كان الرضا عن حياة الأفراد يتوسط العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية وتفضيل الثورة.

وتُظهر الدراسة النماذج الوسيطة mediator models لمصر والعراق، على التوالي. بالنسبة لكلا البلدين، هناك علاقة سلبية ومعنوية بين «متوسط مؤشرات الخدمات وجودة البيئة» و»دعم العمل الثوري». بالإضافة إلى ذلك، هناك ارتباط إيجابي بين «متوسط الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية» و»الرضا عن الحياة»، كما هو متوقع. وأخيراً، فإن معامل «الرضا عن الحياة» يكون سلبياً ومعنوياً عندما نستخدم «دعم العمل الثوري» كمتغير تابع

لذلك يمكن أن نستنتج بأن هناك توسطاً جزئياً، أي أن العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة ودعم العمل الثوري يتوسطهما الرضا عن الحياة. ومن حيث نوع الوساطة، تُظهر نتائجنا بوضوح بأن الوساطة التكميلية تحدث لأن حاصل ضرب التأثير المباشر والتأثير غير المباشر (ضرب ثلاثة معاملات) يكون موجباً (هاير وآخرون، 2021)

4.4. الدور الوسيط للرضا عن الحكومة في العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة وتفضيل الثورة

في القسم الفرعي 3.4.، قمنا بدراسة الدور الوسيط للرضا عن الحياة في العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة ودعم الثورة. ومع ذلك، يمكن القول بأن الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية يؤثر أولاً على الرضا عن الحكومة، مما يؤثر بعد ذلك على تفضيل الثورة. ولاختبار هذه الفرضية، استخدمنا السؤال التالي في الاستطلاع: «سأطرح عدداً من الأسئلة المتعلقة بأداء الحكومة الحالية. كيف تقيّمون أداء الحكومة الحالية في ... [طريقة أداء الحكومة لمهامها في المنصب الوطني]». ويُطلب من المشاركين الاختيار من بين الخيارات التالية: (1) غير راضٍ تماماً، (2) غير راضٍ إلى حدٍ ما، (3) راضٍ إلى حدٍ ما، و(4) راضٍ تماماً.

وتظهر النتائج الخاصة بمصر بأن الرضا عن الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية يؤثر على دعم العمل الثوري من خلال الرضا عن الحكومة. وحسب النتائج، يمكن الاستنتاج بأن الرضا عن الحياة والرضا عن الحكومة يلعبان أدواراً وسيطة في حالة مصر.

ومع ذلك، في حالة العراق، تشير التحليلات إلى أن الرضا عن الحكومة لا يتوسط في العلاقة بين «معدّل الخدمات ومؤشرات الجودة البيئية» و»دعم العمل الثوري». وبموجب النتائج المتوصَّل إليها، يمكننا أن نستنتج بأن الرضا عن الحياة فقط هو الذي يلعب دوراً وسيطاً في عينة العراق.

5.4. الدور الوسيط للرضا عن توفير الحكومة للخدمات (الوقود، والماء، والكهرباء، والغاز، والصرف الصحي) على العلاقة بين الرضا عن الخدمات ومؤشرات جودة البيئة وتفضيل الثورة

بالإضافة إلى تحليل الدور الوسيط للرضا عن الحكومة، فإننا أيضاً نختبر ما إذا كان الرضا عن توفير الحكومة للخدمات يمكن أن يفسر الارتباط بين رضا الأفراد عن الخدمات والجودة البيئية ودعم العمل الثوري. وقد يجسد هذا المقياس مدى الرضا عن أداء الحكومة بشكل أكثر دقة فيما يتعلق بالخدمات والجودة البيئية. ونستخدم السؤال التالي في الاستطلاع: «سوف أطرح عدداً من الأسئلة المتعلقة بأداء الحكومة الحالية. كيف تقيّمون أداء الحكومة الحالية في…[توفير الخدمات (الوقود، والماء، والكهرباء، والغاز، والصرف الصحي)]». ويُطلَب من المشاركين الاختيار من بين الخيارات التالية: (1) غير راضٍ تماماً، (2) غير راضٍ إلى حدٍ ما، (3) راضٍ إلى حدٍ ما، و(4) راضٍ تماماً

5. الخلاصة

باستخدام بيانات مسح القيم العالمي الأخيرة والانحدارات الرتبية، نجد بأن الأفراد غير الراضين أكثر عن الخدمات والجودة البيئية يميلون إلى أن يكون لديهم ميل أقوى نحو الثورة في مصر والعراق. وتتجلى هذه النتيجة بشكل خاص في المناطق الحضرية، وخاصة في المدن الكبيرة، مقارنة بالمناطق الريفية والمدن الصغيرة في كلا البلدين. وفي مصر، يرتبط عدم الرضا عن أنظمة النقل العام والشوارع والطرق السريعة وجودة الهواء وجودة الإسكان بشكل إيجابي وهام بتفضيل الأفراد للثورة. وفي العراق، يميل الأفراد غير الراضين عن الشوارع والطرق السريعة، ونوعية المياه، وجودة المدارس، والوضع المادي للمدن إلى تفضيل الأعمال الثورية

ويمكن للنتائج التي توصلنا إليها أن تُخبِر صنّاع السياسات بكيفية تقليل احتمالية قيام مواطنيهم بالإجراءات الثورية. على سبيل المثال، يمثّل الازدحام المروري مشكلة كبيرة في منطقة القاهرة الكبرى، التي تضم أكثر من 20 مليون شخص (حوالي 1/5 سكان مصر). ووفقاً للبنك الدولي (2014)، فإن للازدحام المروري تأثيراً كبيراً وسلبياً على الاقتصاد ونوعية حياة المواطنين من خلال انخفاض إنتاجية العمل، وزيادة استهلاك الوقود وتآكل المركبات، وانبعاث الملوثات الضارة، وانخفاض جودة الهواء، ورفع تكاليف النقل للشركات والصناعة، وجعل منطقة القاهرة الكبرى مركزاً غير جذّاب للشركات والصناعة. ويشير البنك الدولي (2014) إلى أن الحكومة يمكنها التغلب على تحديات حركة المرور من خلال تنفيذ خطط إدارة الممرات، وتعزيز قدرة وسلطة الهيئة التنظيمية لمنطقة العاصمة، وفرض الرسوم المتعلقة بالمرور (لترشيد سلوك السفر)، وزيادة الاستثمار لتوسيع شبكة النقل.

 

المصدر: مجلة «Constitutional Political Economy»، عدد كانون الأول، 2023


مشاهدات 272
أضيف 2024/09/14 - 3:28 PM
آخر تحديث 2024/10/13 - 7:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 221 الشهر 5708 الكلي 10035431
الوقت الآن
الإثنين 2024/10/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير