الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بعض‭ ‬خفايا‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز‭ ‬1968

بواسطة azzaman

بعض‭ ‬خفايا‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز‭ ‬1968

‬مناف‭ ‬حسن‭ ‬العلي

‭ ‬في‭ ‬ذكراه‭ ‬السادسة‭ ‬والخمسين‭ ‬كما‭ ‬رواها‭ ‬قائدها‭ ‬الفعلي‭ ‬

بعد‭ ‬تقديم‭ ‬إستقالتي‭ ‬من‭ ‬وظيفتي‭ ‬كمستشار‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬سفارة‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الإتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق،‭ ‬وذلك‭ ‬إحتجاجاً‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬ورفضه‭ ‬الإنسحاب‭ ‬منها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬مناشدة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬وغير‭ ‬الصديقة‭ ‬له‭ ‬للإنسحاب‭ ‬وتجنب‭ ‬الحرب،‭ ‬أستقربي‭ ‬وبعائلتي‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬حيث‭ ‬وافقت‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬إستضافة‭ ‬بعض‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬العراقيين‭ ‬المنشقين‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭. ‬

وصلنا‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬حزيران‭ ‬1991‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬مكوثي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬سنتين‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المعارضين‭ ‬للنظام‭ ‬العراقي‭ ‬السابق‭ ‬الذين‭ ‬أستقر‭ ‬بهم‭ ‬المقام‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬أيضاً‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أهمهم‭ ‬الفريق‭ ‬الركن‭ ‬المرحوم‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الداوود‭ ‬المنفذ‭ ‬الفعلي‭ ‬لإنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز1968‭ ‬وكنت‭ ‬حريصاً‭ ‬للتعرف‭ ‬عليه‭ ‬لمعرفة‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ليلة‭ ‬17‭ ‬تموز‭. ‬وفعلاً‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬صديق‭ ‬مشترك‭ ‬بيننا‭.‬

كان‭ ‬الداود‭ ‬لطيف‭ ‬المعشرومتواضع،‭ ‬وحين‭ ‬تجالسه‭ ‬تشعربطيبته‭ ‬وصدقه‭ ‬وبساطته‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬اللف‭ ‬والدوران‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬لقمة‭ ‬سائغة‭ ‬بأيدي‭ ‬من‭ ‬تآمر‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬نظام‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عارف‭. ‬

كان‭ ‬يستقبل‭ ‬زواره‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬في‭ ‬داره‭ ‬وكنا‭ ‬نتبادل‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث‭ ‬ونُعَرج‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬آنذاك‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وكيف‭ ‬السبيل‭ ‬لإنقاذ‭ ‬العراق‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬حصار‭ ‬وإضطهاد‭ ‬للعراقيين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النظام‭. ‬نشأت‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬حينما‭ ‬أخبرته‭ ‬أنَّ‭ ‬جزءً‭ ‬من‭ ‬دراستي‭ ‬الإبتدائية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬هيت‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬الداود‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬والدي‭ ‬المرحوم‭ ‬حسن‭ ‬علي‭ ‬التكريتي‭ ‬المعروف‭ ‬بأبي‭ ‬الحكم‭ ‬كان‭ ‬قاضياً‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬هيت،‭ ‬فقال‭ ‬قد‭ ‬سمعت‭ ‬به‭. ‬فكنا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬جمال‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬هيت‭ ‬حيث‭ ‬المزارع‭ ‬المنتشرة‭ ‬والنواعيرالجميلة‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬تلك‭ ‬المزارع‭ ‬وأسأله‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭. ‬

بالعودة‭ ‬الى‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموزوخفاياه،‭ ‬فإنّ‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬ساقتها‭ ‬لنا‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الإتفاق‭ ‬على‭ ‬الإنقلاب‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭ ‬وإبراهيم‭ ‬الداود‭ ‬ولكن‭ ‬الأخيرأخبرعبدالرزاق‭ ‬النايف‭ ‬معاون‭ ‬مدير‭ ‬الإستخبارات‭ ‬بموعد‭ ‬التنفيذ،‭ ‬ففاجأ‭ ‬النايف‭ ‬القيادة‭ ‬بإرساله‭ ‬الملازم‭ ‬أحمد‭ ‬مولود‭ ‬مخلص‭ ‬الضابط‭ ‬في‭ ‬مديرية‭ ‬الإستخبارات‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬التنفيذ‭ ‬ليبلغ‭ ‬القيادة‭ ‬بأنه‭ ‬يعلم‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر‭ ‬ويود‭ ‬الإشتراك‭ ‬معهم‭ ‬وطلب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬رئيساً‭ ‬للوزراء‭. ‬رفضت‭ ‬القيادة‭ ‬القطرية‭ ‬مشاركته‭ ‬لأنَّ‭ ‬لديها‭ ‬تحفظات‭ ‬على‭ ‬النايف‭ ‬وتعتقد‭ ‬أنَّ‭ ‬له‭ ‬ارتباطات‭ ‬أجنبية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬مشاركته‭ ‬وأقنع‭ ‬أعضاء‭ ‬القيادة‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بأقرب‭ ‬فرصة‭ ‬ممكنة‭ ‬ليظهر‭ ‬بذلك‭ ‬دورصدام‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬الإنقلاب،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بالإتفاق‭ ‬مع‭ ‬البكردون‭ ‬علم‭ ‬أعضاء‭ ‬القيادة‭ ‬الآخرين‭. ‬وهذه‭ ‬الرواية‭ ‬تحدث‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عضو‭ ‬قيادة‭ ‬قطرية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬العلم‭ ‬ببواطن‭ ‬الأمور‭.‬‭ ‬

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬الداود،‭ ‬أصبحت‭ ‬متيقناً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬الحقيقة‭ ‬كلها‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬قيلت‭ ‬لنا‭. ‬فإنّ‭ ‬جانبا‭ ‬مهماً‭ ‬للرسالة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تُظهرلأعضاء‭ ‬القيادة‭ ‬أن‭ ‬البكر‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬أية‭ ‬علاقة‭ ‬مسبقة‭ ‬مع‭ ‬النايف‭ ‬وأنه‭ ‬فوجيء‭ ‬مثلهم‭ ‬بعلم‭ ‬النايف‭ ‬بالإنقلاب،‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭ ‬كما‭ ‬سيظهر‭ ‬لنا‭ ‬لاحقاً‭. ‬

للعلم‭ ‬أنّ‭ ‬البكر‭ ‬يُحسن‭ ‬التآمر‭ ‬والمناوره‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬جداً‭ ‬فأراد‭ ‬بهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يُحرج‭ ‬أعضاء‭ ‬القيادة،‭ ‬فأما‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬إشراك‭ ‬النايف‭ ‬في‭ ‬الإنقلاب‭ ‬ومنحه‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬أو‭ ‬الذهاب‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬الى‭ ‬المعتقل‭ ‬بتهمة‭ ‬التآمرلقلب‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭. ‬وفعلاً‭ ‬أقتنع‭ ‬أعضاء‭ ‬القيادة‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬إشتراك‭ ‬النايف‭ ‬في‭ ‬الإنقلاب‭ ‬ومنحه‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬لكونه‭ ‬الخيارالأمثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭. ‬

أكد‭ ‬الداود‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬لقاءاته‭ ‬معنا‭ ‬أنه‭ ‬شاهد‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬مع‭ ‬سعدون‭ ‬غيدان‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬النايف‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬زيارته‭ ‬للنايف‭ ‬قبل‭ ‬وقوع‭ ‬الإنقلاب‭. ‬وهذا‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬سابق‭ ‬معرفة‭ ‬بين‭ ‬صدام‭ ‬والنايف‭ ‬أيضاً‭ ‬قبل‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز‭. ‬كذلك‭ ‬أكد‭ ‬لنا‭ ‬الداود‭ ‬أنّ‭ ‬البكر‭ ‬وحردان‭ ‬وعماش،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬التقاعد،‭ ‬كانوا‭ ‬يرفعون‭ ‬تقاريرهم‭ ‬إلى‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬النايف‭ ‬معاون‭ ‬مدير‭ ‬الاستخبارات‭. ‬وقال‭ ‬أنا‭ ‬قرأت‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والمسائل‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ومواقف‭ ‬مختلف‭ ‬القوى،‭ ‬وأضاف‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالذات‭ ‬تُفسر‭ ‬لماذا‭ ‬تآمروا‭ ‬عليّ‭ ‬وعلى‭ ‬النايف‭ ‬بعد‭ ‬تولينا‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬تموز‭ ‬1968‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬إكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭. ‬

وهنا‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أشيرأنَّ‭ ‬البكر‭ ‬وصدام،‭ ‬وبمعزل‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬القيادة،‭ ‬كانا‭ ‬ينسقان‭ ‬مواقفهما‭ ‬معاً‭ ‬ويسعيان‭ ‬للسلطة‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬صلة‭ ‬القرابة‭ ‬أولاً،‭ ‬والتأثير‭ ‬الكبير‭ ‬لخيرالله‭ ‬طلفاح‭ ‬خال‭ ‬صدام‭ ‬على‭ ‬البكرثانياً،‭ ‬الذي‭ ‬أوصاه‭ ‬بأن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬صدام‭ ‬ذراعه‭ ‬اليمين‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬صدام‭ ‬ذراع‭ ‬خاله‭ ‬اليمين‭ ‬سابقاً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬فعلاً‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الإثنان‭ ‬مستعدَين‭ ‬للتعاون‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬توصلهما‭ ‬الى‭ ‬مبتغاهما‭. ‬لذلك‭ ‬اتخذا‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬أداة‭ ‬للوصول‭ ‬الى‭ ‬السلطة‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬إبراهيم‭ ‬الداود‭ ‬وعبد‭ ‬الرزاق‭ ‬النايف‭ ‬استطاعا‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬أرادا‭. ‬

أما‭ ‬كيف‭ ‬وصل‭ ‬البكرالى‭ ‬الداود‭ ‬فيقول‭ ‬الداود‭: ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬صليبي‭ ‬قائد‭ ‬موقع‭ ‬بغداد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬رتب‭ ‬اللقاء‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭ ‬وصالح‭ ‬مهدي‭ ‬عماش‭ ‬وحردان‭ ‬التكريتي‭ ‬حيث‭ ‬دعاه‭ ‬الى‭ ‬تناول‭ ‬العشاء‭ ‬معه،‭ ‬فسأله‭ ‬عن‭ ‬الحاضرين‭ ‬أجاب‭ ‬صليبي‭ ‬أنت‭ ‬وعبدالرزاق‭ ‬النايف‭ ‬وكمال‭ ‬جميل‭ ‬عبود،‭ ‬آمر‭ ‬فوج‭ ‬لدى‭ ‬الداود،‭ ‬فقط‭ ‬فوافقت‭ ‬على‭ ‬الحضور‭. ‬لكن‭ ‬الداود‭ ‬فوجيء‭ ‬بوجود‭ ‬الثلاثة‭ ‬آنفي‭ ‬الذكر‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الداود‭ ‬على‭ ‬وفاق‭ ‬معهم‭ ‬لكونهم‭ ‬بعثيين،‭ ‬ولكنهم‭ ‬حاولوا‭ ‬التقرب‭ ‬منه‭ ‬والتعاون‭ ‬معه،‭ ‬فقال‭ ‬الداود‭ ‬لهم‭ ‬أنتم‭ ‬أخطأتم‭ ‬بعد‭ ‬إنقلاب‭ ‬14‭ ‬رمضان‭ ‬1963،‭ ‬حيث‭ ‬قمتم‭ ‬بالإعتقالات‭ ‬والإعدامات‭ ‬وتعذيب‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬قصرالنهاية‭ ‬والشعب‭ ‬لا‭ ‬يريدكم‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يتذكر‭ ‬ممارساتكم‭.  ‬

قال‭ ‬البكر‭: ‬نحن‭ ‬اخطأنا‭ ‬فعلاً‭ ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نكًّفرعما‭ ‬فعلناه‭. ‬قال‭ ‬الداود‭ ‬له‭ ‬هل‭ ‬تقسم‭ ‬بالقرآن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقول،‭ ‬فأجاب‭ ‬البكر‭: ‬اقسم‭ ‬بالقرآن‭ ‬وبالطلاق‭ ‬أيضاً،‭ ‬وهذه‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬السيئة‭ ‬لأبناء‭ ‬الريف‭ ‬حيث‭ ‬يجعلون‭ ‬من‭ ‬الزوجة‭ ‬ضحية‭ ‬لقسَمهم‭ ‬لاسيما‭ ‬إذا‭ ‬حنثوا‭ ‬بالقسَم،‭ ‬وكان‭ ‬البكر‭ ‬كثيرالحلف‭ ‬بالطلاق‭. ‬وأضاف‭ ‬البكر‭ ‬أنا‭ ‬وحردان‭ ‬وعماش‭ ‬نعترف‭ ‬بإخطائنا‭ ‬ونقسم‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لنا‭ ‬بحزب‭ ‬البعث‭ ‬ونريد‭ ‬العمل‭ ‬كمواطنين‭ ‬ونتعاون‭ ‬معكم‭ ‬للتكفيرعن‭ ‬سيئاتنا‭. ‬يقول‭ ‬الداود‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬سعيد‭ ‬صليبي‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬القرآن،‭ ‬فأقسَم‭ ‬به‭ ‬البكروعماش‭ ‬وحردان‭. ‬وهكذا‭ ‬فأن‭ ‬الثلاثة‭ ‬أقسموا‭ ‬بالقرآن،‭ ‬ولكنهم‭ ‬حنثوا‭ ‬بقسَمهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وصدّقهم‭ ‬الداود‭ ‬لطيبته‭ ‬ولجهله‭ ‬في‭ ‬التآمركما‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬الآخرون،‭ ‬فإقتنع‭ ‬بهم‭ ‬وبدأ‭ ‬التعاون‭ ‬معهم‭.‬

يضيف‭ ‬الداود‭ ‬كنا‭ ‬نلتقي‭ ‬شهرياً‭ ‬نتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬ونتحدث‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬البلد‭. ‬كان‭ ‬اللقاء‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المرحوم‭ ‬غائب‭ ‬مولود‭ ‬مخلص‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬حردان‭ ‬التكريتي،‭ ‬ولذلك‭ ‬مُنح‭ ‬غائب‭ ‬مخلص‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الإنقلاب‭ ‬علماً‭ ‬أنه‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالحزب،‭ ‬ولكنه‭ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬حردان‭.  ‬

كان‭ ‬البكر‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬سابقاً‭ ‬متآمراً‭ ‬جيداً‭ ‬وله‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬كسب‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجهم‭ ‬في‭ ‬مسعاه‭. ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتآمر‭ ‬مع‭ ‬الداود‭ ‬لقلب‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬فهو‭ ‬ينسق‭ ‬مع‭ ‬المحامي‭ ‬لطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬ممثل‭ ‬شركة‭ ‬بان‭ ‬أمريكان‭ ‬للكبريت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وشريكه‭ ‬روبرت‭ ‬أندرسن،‭ ‬وناصر‭ ‬الحاني‭ ‬سفير‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وبعلم‭ ‬النايف‭ ‬أيضاً‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬منزعجين‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬نظام‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عارف‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬حيث‭ ‬أعطى‭ ‬إمتيازاً‭ ‬لشركة‭ ‬إيراب‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العراقي،‭ ‬كما‭ ‬انه‭ ‬رفض‭ ‬إعطاء‭ ‬شركة‭ ‬بان‭ ‬أمريكان‭ ‬إمتيازاً‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬الكبريت‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬العراقي‭ ‬وأُعطي‭ ‬الإمتياز‭ ‬لشركة‭ ‬بولندية‭.‬

بينما‭ ‬ينفي‭ ‬البكر‭ ‬معرفته‭ ‬بلطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬الذي‭ ‬حُكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬غيابياً‭ ‬بتهمة‭ ‬التجسس‭ ‬للمخابرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعد‭ ‬17‭ ‬تموز،‭ ‬وأُعتقل‭ ‬أبن‭ ‬عمه‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬العبيدي‭ ‬وعُذب‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭ ‬ولم‭ ‬تسلّم‭ ‬جثته‭ ‬الى‭ ‬ذويه‭. ‬

وهنا‭ ‬أسوق‭ ‬شهادة‭ ‬للتاريخ‭: ‬حدثني‭ ‬صحفي‭ ‬كبير‭ ‬قريب‭ ‬لي‭ ‬وأثق‭ ‬به،‭ ‬أنه‭ ‬تعّرف‭ ‬على‭ ‬لطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬البكر‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الصحفي‭ ‬يزورالبكرعلى‭ ‬أثروعكة‭ ‬صحية‭ ‬ألّمت‭ ‬به‭ ‬للإطمئنان‭ ‬عليه‭ ‬وللسلام‭. ‬وتعرفَ‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬لطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬عند‭ ‬البكر‭. ‬ويضيف‭ ‬الصحفي‭ ‬أنّ‭ ‬العبيدي‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬إيصالي‭ ‬الى‭ ‬بيتي‭ ‬حينما‭ ‬علم‭ ‬أنّه‭ ‬ليست‭ ‬معي‭ ‬واسطة‭ ‬نقل،‭ ‬وعند‭ ‬توديعهما‭ ‬للبكرقام‭ ‬العبيدي‭ ‬بتقبيل‭ ‬البكرمن‭ ‬كلا‭ ‬الخدين‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬تربطهما‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬بتوصيلي‭ ‬الى‭ ‬بيتي‭.   ‬جدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬لطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الستينات‭ ‬رسالة‭ ‬يخاطب‭ ‬بها‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭ ‬ويذكّره‭ ‬بفضله‭ ‬عليهم‭ ‬وبالأموال‭ ‬التي‭ ‬أوصلها‭ ‬إليهم،‭ ‬ونشر‭ ‬صورصكوك‭ ‬مبالغ‭ ‬بإسم‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬البكر‭ ‬مقدمة‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬لتمويل‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز‭.  ‬تُشير‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أنَّ‭ ‬لطفي‭ ‬العبيدي‭ ‬قد‭ ‬توفيَ‭ ‬بالسرطان‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتذكر‭ ‬مصادر‭ ‬أُخرى‭ ‬أنَّ‭ ‬موته‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ظروفٍ‭ ‬غامضة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬أو‭ ‬إنه‭ ‬قُتلَ‭ ‬مسموماً‭ ‬بأيدي‭ ‬سلطة‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭.‬

وعن‭ ‬توزيع‭ ‬المناصب‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الإنقلاب‭ ‬فيقول‭ ‬الداود‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬إجتماعاتنا‭ ‬أقترح‭ ‬البكر‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمهورية‭. ‬وهذه‭ ‬خطوة‭ ‬ومناورة‭ ‬ذكية‭ ‬وخبيثة‭ ‬من‭ ‬البكر‭ ‬ليطمئن‭ ‬الداود‭ ‬عن‭ ‬حسن‭ ‬نواياه،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نجاح‭ ‬الإنقلاب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الداود‭. ‬ثم‭ ‬يقول‭ ‬الداود‭: ‬قلت‭ ‬له‭ ‬أنا‭ ‬عسكري‭ ‬ولست‭ ‬سياسياً‭ ‬محترفاً‭ ‬واعتذرت،‭ ‬وقلت‭: ‬أنا‭ ‬اتنازل‭ ‬بها‭ ‬لأبي‭ ‬هيثم‭ (‬البكر‭) ‬لأنه‭ ‬أكبرنا‭ ‬سناً‭ ‬وأقدمنا‭ ‬رتبةً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يطمح‭ ‬له‭ ‬البكردون‭ ‬مطالبته‭ ‬إياهم،‭ ‬فحصل‭ ‬عليه‭. ‬واشترط‭ ‬الداود‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬البكر‭ ‬قائداً‭ ‬عاماً‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬فقط‭. ‬ثم‭ ‬يقول‭ ‬بعدها‭ ‬اتفقنا‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬وزيراً‭ ‬للدفاع‭ ‬وقائداً‭ ‬عاماً‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬الداود‭ ‬هو‭ ‬قائد‭ ‬الإنقلاب‭ ‬الفعلي‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬البكرهو‭ ‬قائد‭ ‬الإنقلاب‭ ‬لأصّر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بإعتباره‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمهورية‭. ‬أما‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬فقد‭ ‬عارض‭ ‬النايف‭ ‬أن‭ ‬يُسند‭ ‬المنصب‭ ‬الى‭ ‬عماش‭ ‬أو‭ ‬حردان،‭ ‬فأُسند‭ ‬المنصب‭ ‬الى‭ ‬النايف‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أيضاً‭ ‬دورالنايف‭ ‬الأساسي‭ ‬بالإنقلاب،‭ ‬وأُسندت‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬الى‭ ‬عماش‭ ‬ورئاسة‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الى‭ ‬حردان‭. ‬وهذا‭ ‬ينفي‭ ‬ما‭ ‬إدعاه‭ ‬البكر‭ ‬بأنه‭ ‬تفاجأ‭ ‬بأن‭ ‬النايف‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالإنقلاب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬بعثها‭ ‬النايف‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬التنفيذ‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لموعد‭ ‬التنفيذ،‭ ‬فيقول‭ ‬الداود‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬إختار‭ ‬موعد‭ ‬17‭ ‬تموز‭ ‬للتنفيذ،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬أنه‭ ‬يتفاءل‭ ‬بهذا‭ ‬الرقم‭ ‬لأن‭ ‬ميلاد‭ ‬إبنه‭ ‬أركان‭ ‬هو‭ ‬17‭ ‬أيلول‭. ‬يقول‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬النايف‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬قررت‭ ‬إزاحة‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عارف‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬وإياك‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬أحداً‭. ‬ويضيف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬البكر‭ ‬وحردان‭ ‬وعماش‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالموعد‭. ‬ثم‭ ‬يقول‭ ‬الداود‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬للتهيأ‭ ‬وإذا‭ ‬بالنايف‭ ‬يقرع‭ ‬الباب‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬ويقول‭ ‬له‭ ‬أخبرت‭ ‬الثلاثة‭ ‬يقصد‭ ‬البكر‭ ‬وعماش‭ ‬وحردان‭ ‬فجّن‭ ‬جنونهم‭ ‬وأصروا‭ ‬على‭ ‬رؤيتك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬غائب‭ ‬مخلص‭. ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬النايف‭ ‬كرجل‭ ‬إستخبارات،‭ ‬ربما‭ ‬راودته‭ ‬شكوك‭ ‬بأن‭ ‬ينقلب‭ ‬الداود‭ ‬عليهم‭ ‬جميعاً‭ ‬رغم‭ ‬اتفاقهم‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬المناصب،‭ ‬وحتى‭ ‬يُلزم‭ ‬الداود‭ ‬بإتفاق‭ ‬الخمسة،‭ ‬قام‭ ‬النايف‭ ‬بإبلاغ‭ ‬البكر‭ ‬وذلك‭ ‬بإرسال‭ ‬الضابط‭ ‬أحمد‭ ‬مولود‭ ‬مخلص‭ ‬برسالة‭ ‬يعلمه‭ ‬بها‭ ‬بساعة‭ ‬الصفر،‭ ‬فاستغل‭ ‬البكر‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬لإبلاغ‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬بأن‭ ‬النايف‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بمحاولة‭ ‬الإنقلاب‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬عارف‭ ‬وأنه‭ ‬يعلم‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر،‭ ‬الأمرالذي‭ ‬أجبرالقيادة‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬إشتراك‭ ‬النايف‭ ‬بالإنقلاب‭ ‬دون‭ ‬إعلامهم‭ ‬أنهم‭ ‬يجتمعون‭ ‬معه‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬أشهرللتخطيط‭ ‬للإنقلاب،‭ ‬وأنهم‭ ‬وزعوا‭ ‬المناصب‭ ‬بينهم‭. ‬يقول‭ ‬الداود‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬بيت‭ ‬غائب‭ ‬مولود‭ ‬مخلص‭ ‬فاستقبلني‭ ‬البكر‭ ‬قائلاً‭ ‬هل‭ ‬حسبتها‭ ‬جيداً‭ ‬أخي‭ ‬أبو‭ ‬أركان؟‭ ‬هنا‭ ‬تظهرعمق‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬النايف‭ ‬والبكر‭ ‬أيضاً،‭ ‬فالبرغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬الداود‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬النايف‭ ‬عدم‭ ‬إبلاغ‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬لكنه‭ ‬قام‭ ‬بإبلاغ‭ ‬البكر‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬إستغلوا‭ ‬الداود‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الإنقلاب‭ ‬بإعتباره‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إنجاح‭ ‬الإنقلاب‭ ‬دون‭ ‬مشاركته‭. ‬أو‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬النايف‭ ‬أمرته‭ ‬بإبلاغ‭ ‬البكر‭.‬

طبعاً‭ ‬أُنذرت‭ ‬القيادات‭ ‬الحزبية‭ ‬للبعث‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬الداود‭ ‬والنايف‭ ‬وسيطروا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬تحسباً‭ ‬لأي‭ ‬طارئ‭. ‬

يقول‭ ‬الداود‭ ‬نفذنا‭ ‬الإنقلاب‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬القصر،‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬حماته‭ ‬والإذاعة‭ ‬وفتحنا‭ ‬أبواب‭ ‬القصر‭ ‬للبكر‭ ‬وجماعته،‭ ‬ونُقل‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عارف‭ ‬الى‭ ‬ببت‭ ‬حردان‭ ‬الذي‭ ‬أمنّ‭ ‬له‭ ‬طائرة‭ ‬أقلته‭ ‬الى‭ ‬لندن‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬زوجنه‭ ‬تعالج‭ ‬هناك‭. ‬

ويقول‭ ‬الداود‭ ‬كان‭ ‬البكر‭ ‬يلح‭ ‬عليَّ‭ ‬بالسؤال‭ ‬متى‭ ‬ندخل‭ ‬الى‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس؟‭ ‬ويضيف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تناولنا‭ ‬طعام‭  ‬الغداء‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬كتيبة‭ ‬الدبابات‭ ‬أصطحبت‭ ‬البكرالى‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬وأجلسته‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬ألم‭ ‬أعدُك‭ ‬بأنني‭ ‬سأجلسك‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭ ‬وهآنذا‭ ‬أوفي‭ ‬بوعدي‭. ‬

بعد‭ ‬نجاح‭ ‬الإنقلاب‭ ‬تشكل‭ ‬مجلس‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬المتآمرين‭ ‬الخمسة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأربعة‭ ‬الآخربن‭ ‬نواباً‭ ‬للرئيس‭. ‬

قام‭ ‬حردان‭ ‬التكريتي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬رئيساً‭ ‬للأركان‭ ‬بإجراء‭ ‬حركة‭ ‬تنقلات‭ ‬سريعة‭ ‬للضباط‭ ‬البعثيين‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬الى‭ ‬30‭ ‬تموزوذلك‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬بغداد‭. ‬وقام‭ ‬البكر‭ ‬بإقناع‭ ‬الداود‭ ‬بإعتباره‭ ‬وزيراً‭ ‬للدفاع‭ ‬والقائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بزيارة‭ ‬القطعات‭ ‬العسكرية‭ ‬المرابطة‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬والإطلاع‭ ‬على‭ ‬إحتياجاتهم‭. ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬البكر‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬يساندهم‭ ‬بذلك‭ ‬حماد‭ ‬شهاب‭ ‬آمر‭ ‬اللواء‭ ‬المدرع‭ ‬العاشرحيث‭ ‬كان‭ ‬مرابطاً‭ ‬في‭ ‬معسكرأبي‭ ‬غريب،‭ ‬فسيطر‭ ‬بدباباته‭ ‬على‭ ‬بغداد‭ ‬وتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬إنقلاب‭ ‬30‭ ‬تموز‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬محور‭ ‬الداود‭ – ‬النايف‭.‬

هكذا‭ ‬عاد‭ ‬الثنائي‭ ‬البكر‭- ‬صدام‭ ‬الى‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬عشقاها‭ ‬وزورا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬وقاما‭ ‬بتطبيق‭ ‬المبدأ‭ ‬الميكافيلي‭ ‬بأبشع‭ ‬صوره‭ ‬وهو‭”‬أنّ‭ ‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭”‬،‭ ‬ليس‭ ‬ايماناً‭ ‬لإيصال‭ ‬الحزب‭ ‬الى‭ ‬الحكم‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬والحرية‭ ‬والإشتراكية‭ ‬كما‭ ‬يزعمان،‭ ‬ولكن‭ ‬لعشقهما‭ ‬للسلطة‭ ‬والشواهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭. ‬

لعد‭ ‬ذلك‭ ‬يفتخر‭ ‬ويتبجح‭ ‬كلُ‭ ‬من‭ ‬البكر‭ ‬وصدام‭ ‬بتسمية‭ ‬إنقلاب‭ ‬17‭ ‬تموز‭ ‬بالثورة‭ ‬البيضاء‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يراق‭ ‬فيها‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة‭. ‬وأقول‭ ‬يا‭ ‬ليتها‭ ‬بدأت‭ ‬حمراء‭ ‬وانتهت‭ ‬بيضاء‭. ‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬الثنائي‭ ‬البكر‭- ‬صدام‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬نفذ‭ ‬مكتب‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬برئاسة‭ ‬سعدون‭ ‬شاكرانتقاماً‭ ‬رهيبا‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬البكر‭- ‬صدام‭ ‬يعدُهم‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭. ‬وأعتقد‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬عبدالسلام‭ ‬عارف‭ ‬حيا‭ ‬لشنقه‭ ‬البكر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يرف‭ ‬له‭ ‬جفن‭ ‬انتقاماً‭ ‬من‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬انقلاب‭ ‬18‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭. ‬إنَّ‭ ‬الاعدامات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬اوائل‭ ‬الحقبة‭ ‬التي‭ ‬تسلم‭ ‬فيها‭ ‬البكر‭- ‬صدام‭ ‬السلطة‭ ‬صُفي‭ ‬فيها‭ ‬المئات‭ ‬ممن‭ ‬افترضهم‭ ‬أعداء‭ ‬للنظام‭ ‬وهم‭ ‬ليسوا‭ ‬كذلك‭ ‬والبعض‭ ‬تخلص‭ ‬منهم‭ ‬البكر‭ ‬وصدام‭ ‬كلٌ‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬لإغلاق‭ ‬ملف‭ ‬او‭ ‬حرق‭ ‬أوراق‭ ‬تمس‭ ‬السمعة‭ ‬السياسية‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬ويبدو‭ ‬للمراقب‭ ‬لتلك‭ ‬الفترة‭ ‬ان‭ ‬البكر‭ ‬تولى‭ ‬تصفية‭ ‬الاصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬تعرف‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬التآمرية‭ ‬والإنقلابية‭ ‬كما‭ ‬تولى‭ ‬صدام‭ ‬تصفية‭ ‬العناصرالبعثية‭ ‬التي‭ ‬له‭ ‬معها‭ ‬مواقف‭ ‬سابقة‭ ‬او‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬صعوده‭ ‬سلم‭ ‬السلطة‭. ‬ويظهر‭ ‬من‭ ‬اسماء‭ ‬المعدومين‭ ‬ان‭ ‬كُلاً‭ ‬من‭ ‬البكر‭ ‬وصدام‭ ‬وضعا‭ ‬قوائم‭ ‬بالمرشحين‭ ‬للقتل‭ ‬والإعدام‭ ‬والشنق‭ ‬والتعذيب‭ ‬اوإلصاق‭ ‬التهم‭ ‬لتشويه‭ ‬السمعة‭ ‬كالتجسس‭ ‬وغيرها‭ ‬ضد‭ ‬كبار‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬العراقيين‭ ‬وتخوينهم‭ ‬وتشويه‭ ‬سمعتهم‭ ‬وبالتالي‭ ‬إعدامهم‭ ‬للتخلص‭ ‬منهم‭ ‬نهائيا‭. ‬إنّ‭ ‬رشيد‭ ‬مصلح‭ ‬وعبدالعزيز‭ ‬العقيلي‭ ‬وعبدالرحمن‭ ‬البزاز‭ ‬وفؤاد‭ ‬الركابي‭ ‬ومدحت‭ ‬الحاج‭ ‬سري‭ ‬وطاهر‭ ‬يحيى‭ ‬وعطا‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وعبدالله‭ ‬الخياط‭ ‬وعبدالعزيز‭ ‬بركات‭ ‬وكثيرآخرين‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لذكرهم‭ ‬من‭ ‬القوميين‭ ‬والناصريين‭ ‬خسروا‭ ‬ارواحهم‭ ‬بسبب‭ ‬احقاد‭ ‬البكر‭ ‬الشخصية‭ ‬وانتقام‭ ‬صدام‭ ‬الشخصي‭ ‬من‭ ‬ضحاياهم‭. ‬

أما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬صدام‭ ‬رئيساً‭ ‬للجمهورية‭ ‬فقد‭ ‬سالت‭ ‬دماء‭ ‬العراقيين‭ ‬أنهاراً‭ ‬إبتداءً‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬الخلد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإجتماع‭ ‬الرهيب‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬شاهداً‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬حروبه‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬أشعلها‭ ‬طيلة‭ ‬حكمه‭ ‬والتي‭ ‬ذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬وأكلت‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬فأخذ‭ ‬العراقيون‭ ‬يستجدون‭ ‬منقذاً‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬كانت‭ ‬ليخلصهم‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬فاستغلت‭ ‬أمريكا‭ ‬ضعف‭ ‬النظام‭ ‬وسخط‭ ‬الشعب‭ ‬فقامت‭ ‬بإحتلال‭ ‬العراق‭ ‬وإسقاط‭ ‬النظام‭ ‬فلم‭ ‬يهب‭ ‬أحد‭ ‬للدفاع‭ ‬عنه‭.‬

اللهم‭ ‬أُلطف‭ ‬بالعراقيين‭ ‬إنك‭ ‬أنت‭ ‬اللطيف‭ ‬الخبير‭.‬

 

استاذ‭ ‬جامعي‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬سابق

‭ ‬


مشاهدات 60
الكاتب ‬مناف‭ ‬حسن‭ ‬العلي
أضيف 2024/07/17 - 4:35 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 2:49 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 303 الشهر 7871 الكلي 9369943
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير