فاتح عبد السلام
لماذا يلومون وزير الثقافة في العراق لأنه جاء في موكب مهيب من السيارات المسلحة تتقدمهم الخيول المُطهمة التي يكاد المرء يشم منها غبار التاريخ منذ أيام اليرموك والقادسية وحطين وبدر وأحد، داخلاً الى صدر مطعم جديد ببغداد؟ أليس هذا “افتتاحاً” مشتقاً من الفتح، والجود من الموجود وهذه اعلى سنامات الفتوحات المتاحة في هذا الزمن؟
ليس من حقهم أن يلوموه على هذا الافتتاح، فمَا أدراهم به وبما يفعل في السر قبل العلن.. هل يدرون؟ لعلّه كان قادماً لتوّه من افتتاح “قصر الادب العراقي الحديث “، حيث يشمخ وسط بغداد بقبابه ذات المعمار الإسلامي الجميل وطوابقه السبعة المبنية على شكل الزقورات التاريخية الخالدة والمزجّجة بالذهب والفضة، وفي كل طابق يستذكر الذكاء الاصطناعي عبر قاعات باذخة بجماليات التناغم بين الضوء والصوت، قصائد الشعراء العراقيين الخالدين، إذ ينشد في الصالة اليمنى محمد مهدي الجواهري» يادجلة الخير يا أم البساتين»، وينشد بدر شاكر السياب في الصالة اليسرى، «عيناك غابتا نخيل ساعة السحر». وينادي عبد الوهاب البياتي على الملايين بلوعة الصوفي من عمق « بستان عائشة».
وهناك في الطابق الأول من الزقورة الثقافية، يقدم بصوته المُستعاد علي جواد الطاهر قراءة لمشهد القصة العراقية القصيرة، وقريبا منه متحف زجاجي يضم رسائل الادباء والفنانين والمبدعين في كل مجال، بخطوط أيديهم التي تحكي رعشة الزمن التي كانت يوم ولد النص واللون والصوت والحركة لمبدعين مروا من هنا، واستوقفهم وزير الثقافة ليمكثوا في قلب العراق شامخين متفتحة قلوبهم قبل عيونهم واصواتهم، ويباهي بهم زوّار البلاد من الأمم الأخرى؟
ولا حاجة بنا لاستعراض ما في الطوابق الأخرى، لنتركها مفاجآت في رحاب مكارم ثقافية.
لماذا ينسون لوزير الثقافة منجزاته الخارقة في إعادة الاعتبار للمجلات الثقافية وجعلها تحلق بفضاء البلدان العربية، ومنح الكتّاب العراقيين فيها ما يعادل راتب موظف على كل مقال أو بحث أو نص ابداعي، كما كانت قيمة المكافآت في زمن السبعينات من القرن الماضي؟
لا تستعجلوا الحكم على وزير الثقافة من مجرد «فتح» عرضي صغير هنا أو هناك، فلعل «فتوحاته» المقبلة أعظم وأغنى، فاصبروا وصابروا وانتظروا،
ولا تكونوا من الذين ينطبق عليهم المثل القائل:
عرب وين وطنبورة وين.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية