كُنْ بخيرٍ أيها العراق
غزاي درع الطائي
حين ارتقى الشاعر الأستاذ الدكتور حمد محمود الدوخي منصة مهرجان أبي تمام الشعري الذي انعقد في الموصل مؤخرا، قال بكل إجلال: شكرا للعراق وللعراق وللعراق وللعراق وللعراق، وكان يستخدم أصابعه وهو يكرر كلمة للعراق.
العراق، ما أفخمها من كلمة، وما أشدَّ إضاءتها، ويا لهذه الكلمة المباركة الطيبة الكريمة، المفعمة بالبهاء والجَمال والألق، والمعطرة بالرجولة والكرامة والإباء والشموخ، العراق: هو الحبيب الخالد والشرف الرفيع والسيف الأصيل والحِصن العالي والقول البليغ والمعنى الذهبي، هو عقال الرأس وشمس المعارف وقمر المحبة الدائمة والنجم الثاقب، هو الشَّمس والنخل والنفط والقصب والجوز، هو العبق الذي يحيي النفوس وإن كانت على أعتاب الموت، ذكره سائر على طول الأرض وعَرضها، ولا تنساه ألسنتنا حتى الرمق الأخير، وحبه راسخ وثابت في قلوبنا، وإذا ذُكرت العجائب في حضرته فإن العجائب عند العراق ليست بعجائب، وكم تغار الأرضُ منه (والأرضُ كالناس، فبعضٌ منها من بعضٍ يغار) كما يقول الشاعر ابن سهل الأندلسي (ت 649 هـ)، لياليه مضاءة بمصابيح دماء شهدائه الأبرار، وأيامه زاهرة بالنشاط والفاعلية والجهد الدؤوب، قيل عنه، وما أكثر ما قيل عنه، قيل عنه: إنه جمجمة العراب وكنز الرجال ورمح الله في الأرض، وهذا كثير على الآخرين ولكنه ليس كثيرا على العراق، نحبه ولا يمكن أن نخونه وكيف يخون المحبُّ، وهنا يقول بدر شاكر السياب (1926 ــ 1964): (إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون/ أيخون إنسان بلاده؟/ إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟)، ويقول محمد مهدي الجواهري (1899 ــ 1997):
أنا العِراقُ لساني قلبهُ ودمي فراتُهُ وكياني منهُ أشطارُ
ريح مرت
ويقول مظفر النواب (1934 ــ 2022): كلَّما الرِّيحُ مرَّتْ أقولُ العراق، ويقول: ولم أرَ مثلَ العراقِ كريماً خجولا، وهنا أتوقف لأقول إن الشاعر والفيلسوف أبا العلاء المعري (ت 449 هـ) قد ذكر في كتابه (رسالة الصاهل والشاحج) أن بعض الرعاة قالوا: (لا تذمّوا القتادة فأنَّ لها علينا حقا)، قــــــــــيل: وما ذاك؟، قالوا: (إنها لم تنبت بأرضنا)، والقتادة: واحد القتاد، وهو الشجر ذو الشوك، فاللهم أبعد عن العراق كل قتادة، وأبعد عنه كل ما يشبه القتادة، واجعله بعيدا عن كل شر، وآخر الكلام: أيها العراق الحبيب: كنْ بخير.