الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عندما إستدانت الحكومة من القطاع الخاص وأشياء أخرى

بواسطة azzaman

عندما إستدانت الحكومة من القطاع الخاص وأشياء أخرى

عبد العزيز حسون

‏تروي لنا حكايات التاريخ أن الحكومة العراقية لجأت للاستدانة في عشرينات القرن الماضي ولم تجد من يقرضها سوى أحد الأغنياء بعد أن امتنع بنك زلخة اليهودي عن الاقراض بحجة أن للحكومة حصانة مما لا يمكنه من مقاضاتها في حالة التخلف عن السداد ولجأت الحكومة إلى الحاج عبد المحسن شلاش الثري النجفي واقترضت منه مبلغا لا أذكر مقداره رغم إني اطلعت على صور الكمبيالات التي وقعها وزير المالية والتي أطلعني عليها نجله السيد عبد الامير.‏وفي العام 1971 كانت علاقة الحكومة بشركة نفط العراق متوترة مما تسبب في أن تماطل الشركة في تأدية مستحقات العراق عليها ولجأت الحكومة للطلب من مصرف الرافدين قرضا بعشرين مليون دينار لتدوير اعمالها.

‏ولما كان من الضروري أن تتدارس إدارة مصرف الطلب من الناحية القانونية لتستقر على أن تعامل الحكومة كأي زبون للمصرف لقاء أربع كمبيالات بخمسة ملايين دينار للواحدة ويتم خصمها بالفائدة المقررة مع الأجور الأخرى التي ترافق عملية الخصم.

صياح الوزير

‏وكان من الصدف أن تعتمدني الادارة بأن أستحصل توقيع وزير المالية على الكمبيالات ووصلت مكتب الوزير واستقبلني مدير المكتب وأطلعته على مهمتي وطلب مني أن أسلمه الكمبيالات ليوقعها الوزير إلا أنني امتنعت قائلا بأن التعليمات أبلغتني أن يتم التوقيع أمامي وسمعت صياح الوزير عليه رحمة الله يناديني باسمي قائلا ألا تثق بالوزير واجبته يا سيادة الوزير إننا مصرف تجاري وهذه أموال المودعين التي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من أية مخاطر.

‏إن مصرف الرافدين تأسس وباشر أعماله يوم 2/5/1941 بموجب قانون خاص نصت مواده على أن المصرف يعمل وفق قواعد الصيرفة العالمية ويديره مجلس إدارة فيه اثنان أو ثلاثة أعضاء من القطاع الخاص وتعرض قرارات المجلس التي يصدرها ضمن صلاحياته على وزارة المالية بصفتها المالك للمصرف للاطلاع وعندما يكون أحد قرارات المجلس فوق صلاحياته فإنه يطلب من الوزارة المصادقة على هذا القرار فإن اعترضت الوزارة يعرض القرار ثانية على مجلس الإدارة الذي إن اصر على قرار يعيده للوزارة طالبا المصادقة فأن اصرت الوزارة على موقفها فإنها تحتكم إلى مجلس الوزراء الذي يقرر ما يراه وهذا يعني أن المصرف يعمل بأموال الجمهور وعليه مسؤولية ابعاد المخاطر عنها ولا يجب أن تتدخل أية سلطة في أعماله.

‏وفي هذه الأجواء باشر المصرف أعماله بعد أن استعان بخبرة بنك مدلند البريطاني وتوسعت أعماله ليكتسح السوق بشبكة فروعه في الالوية الأربعة عشر إضافة إلى التوجه إلى مواقع عبر الحدود بافتتاح فروع خارجية في بيروت وعمان دمشق وليقفز إلى مركز المال العالمي في لندن بافتتاح فرع هناك هو البنك العربي الأول في ذلك الموقع بتاريخ 2‏/11‏/1951.

ولاستكمال الصورة فإن ظهور مصرف الرافدين في تلك الفترة كان عليه مواجهة لتحديات إذ كانت الساحة تعج بالبنوك الأجنبية المصرف الشرقي والبنك العثماني والبنك البريطاني للشرق الاوسط ومع غياب البنك المركزي الذي لم يكن قد ظهر للوجود الا العام 1947 إلا أن الرقابة على أعمال المصارف تناولها قانون (مراقبة المصارف) الذي صدر العام 1939 أوكلت مهمة تنفيذه إلى المديرية العامة لضريبة الدخل.

‏والان تتردد في وسائل الإعلام أخبار عن نوايا أو خطط حكومية تحت منهاج الإصلاح المصرفي وتتضمن هذه الأخبار بعض التضارب والخلط في جدوى وجود مصارف مملوكة للحكومة والتوجه إلى الخصخصة باعتبار أن هذه المصارف تحتكر نسبة 85 من المائة من العمل المصرفي الذي لا يبقي إلا نسبة ضئيلة للمصارف الخاصة التي تروج الآن إن من حقها الحصول على الودائع الحكومية وهذا التوجه بحاجة ضرورية لدراسته بعناية بعد أن بقيت المصارف الخاصة ولثلاث وثلاثين عاما غير قادر على استقطاب ودائع الجمهور بعد أن تقنعه بمصداقيتها. والتداعيات أمامنا واضحة بعد غضت السلطة النقدية النظر عن توجيه المصارف الخاصة لترويج منتجاتها وكسب ثقة الجمهور بعد ان بقيت الودائع لدى بعض هذه المصارف أقل كثيرا من رؤوس اموالها.

حسابات التوفير

وبنظرة أكثر دقة فإن ودائع الدوائر الحكومية لا تشبه ودائع القطاع الخاص حيث لا يسمح للدوائر أن تودع أموالها في حسابات التوفير أو الودائع الثابتة لتحقق منافعا إذ أن إطلاق الخزينة لمستحقات الدوائر يتم كما هو معروف في ضوء ومقادير تلك المستحقات التي لا يطول بقائها مودعة في الحساب.

‏وفي كل ما تقدم فإن هناك إشارات علينا أن لا نتجاهلها وهي أن وجود بنك حكومي ليس فيه غرابة إذ ان تجارب الدول تؤكد أن الحاجة أحيانا تفرض ذلك كذلك فإنه مقارنة المصارف الحكومية بالمصارف الخاصة غير مناسبة بسبب أن هذه الملكية تعزز ثقة الجمهور حيث يرى أن الحكومة هي التي تغطي أعمال المصرف وتعتبر ضامنه لأمواله. ‏وإذا ما عدنا إلى العام 1956 عندما تغير اسم المصرف الوطني العراقي إلى البنك المركزي العراقي الذي بدأ بفتح حسابات للوزارات ولمؤسسات الدولة لتمر تخصيصاتها من خلاله بعد إن كانت هذه التخصصات تطلق من الخزينة المركزية في مواعيد الاستحقاق وحدثت ضجة كبيرة عندما قررت وزارة المالية سحب أرصدة المؤسسات الحكومية المودعة في مصرف الرافدين باعتباره وكيلا للبنك المركزي مما تسبب في هزة قوية نتيجة انخفاض الودائع لدى المصرف.  ومما يستوجب الملاحظة هو أن المداخلات الحكومية في أعمال المصارف المملوكة لها وصلت إلى حدود بعيدة آخرها أن يتم الإعلان عن توجيهات السلطة لأن تتوقف المصارف عن استيفاء أقساط القروض التي قدمتها وذلك بمناسبة شهر رمضان الفضيل وإطلالة عيد الفطر السعيد دون الإشارة إلى ما سيترتب على هذا الإجراء من تكاليف الفوائد التأخيرية.

 ومن المفيد أن ننوه إلى واقع المصارف الحكومية التي لم تنشر ميزانياتها السنوية منذ سنوات وفي ذلك خلل كبير في الأداء والإدارة.

 

 


مشاهدات 150
أضيف 2024/04/27 - 12:23 AM
آخر تحديث 2024/05/07 - 6:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 309 الشهر 2732 الكلي 9140770
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/5/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير