يوم الشجرة .. مرّ بلا زراعة شجرة
قاسم حسين صالح
في عام 2012، إعلنت الجمعية العامة يوم( 21 آذار/مارس ) يوما دوليا للغابات، لإذكاء الوعي بأهمية جميع أنواع الغابات . ففي كل احتفال باليوم الدولي للغابات، تُشجع الدول على بذل مزيد الجهود المحلية والوطنية والدولية لتنظيم أنشطة ذات علاقة بالغابات والأشجار، من مثل حملات التشجير..ادراكا منها بأن الشجرة تعدّ رمزاً للخُضرة والأمن الغذائي، لذلك خُصص يومُ للاحتفال بزراعة الأشجار وسمي( يوم الشجرة ) الذي أعتبر يوما ٌ عالميا تحتفل به معظم دول العالم، ليُشكلُ رمزاً لزراعة الشجرة والعناية بها والحفاظ عليها ومنع جميع الإساءات التي من الممكن أن تحصل لها.
وفي ( 28 /2/ 2023) دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الى زراعة الاشجار وقال بالنص(لنستغل هذه الفرصة معا بانقاذ العراق من التصحر، والتقليل من اثار العواصف الترابية والتلوث البيئي بزراعة شجرة او نخلة او زهرة او متسلق او اشجار ضخمة لصد الرياح، والتعهد باستدامتها.
زراعة أشجار
داعيا الى عدم التقصير بذلك).وتوقعت (بغداد اليوم) ان يشارك الملايين لزراعة الأشجار تلبية لدعوته،فيما اطلقت حكومة السيد محمد شياع السوداني قبل عام حملة لزراعة خمسة ملايين شجرة باستخدام طرق مقاومة الجفاف لتحقيق الأمن الغذائي،ولا نعلم كم شجرة تم زراعتها من تلك الملايين الخمسة، فالمعروف عن حكام العراق انهم لا يجاريهم أحد في اطلاق الوعود التي تحمل البشرى للناس ،ولا يجاريهم أحد في الخذلان.
الشجرة في العراق..تقتل في يوم عيدها!
ما يحصل في العراق يذكرنا بلوحة بليغة المعنى للفنان جواد سليم ..في مفارقة بليغة المعنى ، ذلك ان الفنان المبدع حين يلتقط حادثة عادية ،فانه يعالجها معالجة غير عادية..في التضمين والأسلوب ،وهذا ما حصل لجواد سليم في (الشجرة القتيلة). فالحادثة عادية جدا يمكن ان تقع في كل يوم،ولكن زمن وقوع الحادثة ولّد سخرية لفتت انتباه جواد..فزمن وقوع الحادثة هو(عيد الشجرة- 21 آذار) ويوم العيد هو يوم الفرح ، اليوم الذي تزرع فيه نباتات جديدة لتصبح أشجارا،وتكرّم فيه أشجار مزروعة لتنعم على الناس بفضائلها الكثيرة ..غير أن ما حصل هو ان الشجرة أهينت وذبحت حين رأى فلاحا يقطّع اغصانها ويرميها أرضا في يوم عيدها وتكريمها،وهذه هي السخرية التي لفتت انتباه جواد ،ومنها التقط الفكرة.
والفنان المبدع لا يبدأ بتنفيذ الفكرة بعد التقاطها مباشرة،بل يتركها تتخمر في ذهنه ،وتبدأ حالة الفنان ووعيه لواقعه ومجتمعه الأنساني تصب (أنزيماتها) على الفكرة لتلد موضوعا وأفكارا.
والموضوع الذي تضمنته الشجرة القتيلة هو هذا الموضوع الازلي (استلاب الانسان) او (الانسان المستلب)، وكان جواد واضحا كل الموضوح في تجسيده لهذا الموضوع الذي نكشف عنه الان.
جسم الانسان
يمثل جذع الشجرة (انظر التفصيل) تجسيدا واضحا لجسم انسان محزوز الرأس،فيما الغصن الذي يخرج من صدر الجذع (الجسم) فهو يحمل رأس انسان..قطع الآن!-الزمن المطلق- فهناك شريط دموي ينزف من الرقبة المحزوزة باتجاه الرأس، وقطرات دم لم تتخثر بعد.
هذا هو الموضوع اذن (استلاب الأنسان). فما هي الأفكار التي يطرحها هذا الموضوع؟
يمكننا أن نطرح افكارا كثيرة ،ما دام الموضوع أزليا وغزير الأفكار ،الا أن الفكرة الأصل فيه تتمثل بالآتي:
يمثل جذع الشجرة تجسيدا لجسم المرأة..المرأة الأصل، ويمثل الغصن – الرأس،رأس رجل- الرجل الفرع. والمرأة شجرة طيبة تنبت ثمرا طيبا،ولا أطيب من الأنسان حين يكون طيبا. ولكن الطيبة والطيب مستلبان دائما من بني جنسهما..البشر الوحوش. فالرجلان يحملان أدوات القطع والذبح هما شخصان يمثلان القوة الجسدية والخواء الفكري..وقد أجاد جواد اجادة تامة بتجسيد هذين التعبيرين في الرجلين.
أليس هذا هو الموضوع الأزلي؟.فحين يمسك الأغبياء والمتوحشون بالسلطة..بدءا من سلطة البيت الى سلطة الدولة..فماذا يكون مصير الطيبين والمثقفين غير الخوف والقلق والأضطهاد والقتل والأغتراب؟
ان (الشجرة القتيلة) ،في تقديري، هي أبلغ لوحة انتجها جواد سليم في التعبير عن قضية الأنسان. وتتجلى روعته في كونه التقط فكرة ذكية من حادثة عادية وحولها الى موضوع أزلي بمعالجة فنية تنطق بلغات كل الحضارات!