بقدر علّو الأصوات المستهجنة إسراف الكثير من الشابات والشبان متابعتهم لما يُحرص على نشره والترويج له عبر صفحاته الفيس بوك والانستكرام، وباقي وسائل التواصل الاجتماعي على الموبايلات الشخصية من استوريات واعلانات لمعارض الازياء وكذلك صفحات الترويج للمطاعم أو برامج إعداد الطبخات غريبها وما هو شائع منها. وهنا لا أريد أن أكون كمثل من يَنكر كل ذلك على فئة الشباب وحتى الكبار، ويفند ما قد تكون عليه هذه البرامج من محدودية فائدتها وحتى الألعاب منها. ولكن ما ينتج عن ذلك من إدمان واستنزاف لأغلب الوقت والجهد والمال يجعلنا كلّنا حتى المدمن على متابعتها يصرح بعبارات فيها لوم قد تختلف وتيرتها وحدتها وفق تنوع الثقافة والأرضية التي تربى عليها، وفي المقابل لم تتوقف ردود الأفعال عند الاستهجان والاقصاء بل ذهبت باحثة عن بدائل، منها ما انبثق عن المجتمع من دعوات وتجمعات وملتقيات تدعو للقراءة والحوار ومراجعة الماضي املاً ببناء المستقبل. خاصة بعد أن استطاعت فكرة تحدي القراءة التي تبنتها دولة الامارات العربية، وحرصت على استدامتها لنقف اليوم على عتبات نسختها الثامنة، والتي استطاعت أن تجعلها بمتناول فئات عمرية مختلفة، فألهبت الحماس بعد أن ربطتها بجائزة مادية ومعنوية أراها أكثر أهمية لما تشيعه في أنفس المتبارين من إحساس بالتفرد الحقيقي مما دعانا إلى استقصاء ما للقراءة من أهمية في ذهن هؤلاء المترشحين والساعين للترشح عبر ما ظهر في المجتمع من تجمعات أو منظمات تحث على تقليد التجربة الاماراتية. أو تعد لها مرشحين للتهيؤ لخوض غمار التجربة عبر هكذا منافسات، وقد تصدت هذه التجمعات لعناوين اختارتها ولم تترك الحبل على الغارب بغية ربطها بالواقع الذي تشعر أن المجتمع بحاجة لسبر اغواره عبر ما طرأ عليه من اراء وخلل على مستوى السلوكيات والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وصولا إلى المنظومة الاخلاقية المحافظة. خاصة وأن المجتمع بفئاته الشابة يرى أنه على أبواب تغيير حتمي لكثير من المفاهيم بعد أن استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تقلص المسافات والحواجز ما بينها وبين المجتمعات التي باتت جميعها بوضع متوازي، لأن مفهوم القرية الواحدة بات قادراً على أن يُذيب كثيراً من المفاهيم التي بدت الآن ووفق وجهات نظر الأجيال المعاصرة ممكنة التبني. لكون ما يُمثل الضد منها بات بالياً أو مقيداً لحرية حركة المجتمع والتاريخ.
ولقد قدر لي أن أحظى بفرصة المشاركة بملتقيات عدة ناقشتُ فيها فئات عمرية مختلفة لكتب لا يمكن أن تكون عابرة، قدر ما هي تحاول الإجابة عن أسئلة تحتاج إلى إجابة ملّحة منها كتاب ( قراءة في طبيعة المجتمع العراقي) للدكتور علي الوردي وكذلك كتاب الاخلاق للكاتب نفسه، والكتاب الثالث ( حديقة الحيوان ) للكاتب جورج أوريل، والمطلع على هذه الكتب يدرك بسرعة ما الذي هدف اليه منظم هذه المراجعة لمثل هذه العناوين بالنسبة للمجتمع العراقي الذي تعرض وما زال لما عُرِفَ بزلزال الاحتلال، وتأثير ذلك على سلوك الفرد والجماعة، خاصة بعد أن تم تفكيك البنية الاجتماعية وفق رؤية كاتب ذي شهرة وشعبية واسعة مثل علي الوردي بمضمون كتابيه آنفا الذكر. مما يجعلنا نشعر بما يمر به المجتمع العراقي من إحساس مؤلم بجلد الذات والذي ربما أسرف في توصيفها الدكتور علي اللوردي.. وكذلك الحال مع جورج أوريل الذي يمعن بالنيل من الطبقة الحاكمة في روايته ( حديقة الحيوان). وهي مقاربة لا يمكن إغفالها إذا ما نظرنا للواقع السياسي العراقي بعد الإحتلال.
على كل حال مثل هكذا ردود أفعال تبدو طبيعية خاصة وأن المجتمع العراقي يتعرض للاهتزاز العنيف في بنيته بعد الاحتلال ولحد الان. لكن الكل يعرف أن الماء لا بد وأن يصل مستواه بعد كل ارتجاج مهما كان عنيفا ومهما هيّج من كدر كما تقول قاعدة الاواني المستطرقة، وعندها لا بد أن تهدأ النفوس وتذهب باتجاه التفاعل الهادئ الذي يتولد نتيجة القراءة الواعية فيترسب خبرة ومعرفة وقدرة على التحليل والتفكيك الناتج عن التأمل والتفكير المقترن بمبدأ الاخذ بالأسباب والنتائج والذي هو بالنتيجة لم يتأت الا بعد الوصول إلى المتحكم بالأشياء ليبقى غير مغادر لفكرة التحدي والاستجابة، وهذا فعل القراءة لكونها أفقاً مفتوحاً يتعاظم مداه كلما أوغلنا فيها، حتى ليبدو تأثيرها وما هي عليه من اتساع رؤية، كمثل ما يراه من يقف على ذرى جبل يستشرف من علّوه الافاق، وهو في واقع الحال يتربع موقعاً له داخل قبوٍ، هنا تتحرك البصيرة وتفعل فعلها في وضوح الرؤية/ الحكمة والتي لا يمكن التحصل عليها عبر أيّ وسيلة أخرى سوى القراءة وكما قال الامام علي ( كل وعاء يضيق بما فيه الا وعاء العلم فإنه يتسع).
الكتاب يشحننا بالمعرفة ، والمعرفة تدفعنا نحو التفكير، والتفكير بقدر ما هو معول هدم فهو أحجار لإعادة البناء، ليس الهدف من الكتاب هو تخديرنا أو تسليتنا، بل هو تجربة لا بد أن تضع فينا شيئاً جديداً أو تصنع منا أنساناً أفضل، وتجنبنا الانسياق وراء العواطف والانفعالات التي لا يذكيها إلا قلة التبصر وضيق الأُفق ومحدوديته.