الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تحدي‭ ‬القراءة‭

بواسطة azzaman

تحدي‭ ‬القراءة‭

فارس السردار

 

بقدر‭ ‬علّو‭ ‬الأصوات‭ ‬المستهجنة‭ ‬إسراف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشابات‭ ‬والشبان‭ ‬متابعتهم‭ ‬لما‭ ‬يُحرص‭ ‬على‭ ‬نشره‭ ‬والترويج‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬صفحاته‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬والانستكرام،‭ ‬وباقي‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬الموبايلات‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ ‬استوريات‭ ‬واعلانات‭ ‬لمعارض‭ ‬الازياء‭ ‬وكذلك‭ ‬صفحات‭ ‬الترويج‭ ‬للمطاعم‭ ‬أو‭ ‬برامج‭ ‬إعداد‭ ‬الطبخات‭ ‬غريبها‭  ‬وما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬منها‭. ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬كمثل‭  ‬من‭ ‬يَنكر‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬وحتى‭ ‬الكبار،‭ ‬ويفند‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬من‭ ‬محدودية‭ ‬فائدتها‭ ‬وحتى‭ ‬الألعاب‭ ‬منها‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إدمان‭ ‬واستنزاف‭ ‬لأغلب‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬والمال‭ ‬يجعلنا‭ ‬كلّنا‭ ‬حتى‭ ‬المدمن‭ ‬على‭ ‬متابعتها‭ ‬يصرح‭ ‬بعبارات‭ ‬فيها‭ ‬لوم‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬وتيرتها‭ ‬وحدتها‭ ‬وفق‭ ‬تنوع‭ ‬الثقافة‭ ‬والأرضية‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬عند‭ ‬الاستهجان‭ ‬والاقصاء‭ ‬بل‭ ‬ذهبت‭ ‬باحثة‭ ‬عن‭ ‬بدائل،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬انبثق‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭  ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬وتجمعات‭ ‬وملتقيات‭ ‬تدعو‭ ‬للقراءة‭ ‬والحوار‭ ‬ومراجعة‭ ‬الماضي‭ ‬املاً‭ ‬ببناء‭ ‬المستقبل‭. ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استطاعت‭ ‬فكرة‭ ‬تحدي‭ ‬القراءة‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬العربية،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬استدامتها‭ ‬لنقف‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬نسختها‭ ‬الثامنة،‭ ‬والتي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تجعلها‭ ‬بمتناول‭ ‬فئات‭ ‬عمرية‭ ‬مختلفة،‭ ‬فألهبت‭ ‬الحماس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ربطتها‭ ‬بجائزة‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬أراها‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬لما‭ ‬تشيعه‭ ‬في‭ ‬أنفس‭ ‬المتبارين‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬بالتفرد‭ ‬الحقيقي‭ ‬مما‭ ‬دعانا‭ ‬إلى‭ ‬استقصاء‭ ‬ما‭ ‬للقراءة‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المترشحين‭ ‬والساعين‭ ‬للترشح‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬تجمعات‭ ‬أو‭ ‬منظمات‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬تقليد‭ ‬التجربة‭ ‬الاماراتية‭.‬‭ ‬أو‭ ‬تعد‭ ‬لها‭ ‬مرشحين‭ ‬للتهيؤ‭ ‬لخوض‭ ‬غمار‭ ‬التجربة‭ ‬عبر‭ ‬هكذا‭ ‬منافسات،‭ ‬وقد‭ ‬تصدت‭ ‬هذه‭ ‬التجمعات‭ ‬لعناوين‭ ‬اختارتها‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭  ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬بغية‭ ‬ربطها‭ ‬بالواقع‭ ‬الذي‭ ‬تشعر‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬بحاجة‭ ‬لسبر‭ ‬اغواره‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬طرأ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬اراء‭ ‬وخلل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السلوكيات‭  ‬والعلاقات‭  ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬المنظومة‭ ‬الاخلاقية‭ ‬المحافظة‭. ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المجتمع‭ ‬بفئاته‭ ‬الشابة‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬تغيير‭ ‬حتمي‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استطاعت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬تقلص‭ ‬المسافات‭ ‬والحواجز‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬جميعها‭ ‬بوضع‭ ‬متوازي،‭ ‬لأن‭ ‬مفهوم‭ ‬القرية‭ ‬الواحدة‭ ‬بات‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُذيب‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬الآن‭ ‬ووفق‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬الأجيال‭ ‬المعاصرة‭ ‬ممكنة‭ ‬التبني‭. ‬لكون‭ ‬ما‭ ‬يُمثل‭ ‬الضد‭ ‬منها‭ ‬بات‭ ‬بالياً‭ ‬أو‭ ‬مقيداً‭ ‬لحرية‭ ‬حركة‭ ‬المجتمع‭ ‬والتاريخ‭. ‬

ولقد‭ ‬قدر‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أحظى‭ ‬بفرصة‭ ‬المشاركة‭ ‬بملتقيات‭ ‬عدة‭  ‬ناقشتُ‭ ‬فيها‭  ‬فئات‭ ‬عمرية‭ ‬مختلفة‭  ‬لكتب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عابرة،‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تحاول‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إجابة‭ ‬ملّحة‭ ‬منها‭ ‬كتاب‭ ( ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭) ‬للدكتور‭ ‬علي‭ ‬الوردي‭ ‬وكذلك‭ ‬كتاب‭ ‬الاخلاق‭ ‬للكاتب‭ ‬نفسه،‭ ‬والكتاب‭ ‬الثالث‭ ( ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭ ) ‬للكاتب‭ ‬جورج‭ ‬أوريل،‭ ‬والمطلع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬يدرك‭ ‬بسرعة‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬هدف‭ ‬اليه‭ ‬منظم‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬العناوين‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬لما‭ ‬عُرِفَ‭ ‬بزلزال‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تفكيك‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬كاتب‭  ‬ذي‭ ‬شهرة‭  ‬وشعبية‭ ‬واسعة‭ ‬مثل‭ ‬علي‭ ‬الوردي‭ ‬بمضمون‭ ‬كتابيه‭ ‬آنفا‭ ‬الذكر‭. ‬مما‭ ‬يجعلنا‭  ‬نشعر‭ ‬بما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬مؤلم‭ ‬بجلد‭ ‬الذات‭ ‬والذي‭  ‬ربما‭ ‬أسرف‭ ‬في‭ ‬توصيفها‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬اللوردي‭.. ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬جورج‭ ‬أوريل‭ ‬الذي‭ ‬يمعن‭ ‬بالنيل‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ( ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭). ‬وهي‭ ‬مقاربة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفالها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬للواقع‭ ‬السياسي‭ ‬العراقي‭ ‬بعد‭ ‬الإحتلال‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭  ‬تبدو‭ ‬طبيعية‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭  ‬يتعرض‭ ‬للاهتزاز‭ ‬العنيف‭ ‬في‭ ‬بنيته‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬ولحد‭ ‬الان‭. ‬لكن‭ ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الماء‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يصل‭ ‬مستواه‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ارتجاج‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬عنيفا‭ ‬ومهما‭ ‬هيّج‭ ‬من‭ ‬كدر‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬قاعدة‭ ‬الاواني‭ ‬المستطرقة،‭ ‬وعندها‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تهدأ‭ ‬النفوس‭ ‬وتذهب‭ ‬باتجاه‭  ‬التفاعل‭ ‬الهادئ‭ ‬الذي‭ ‬يتولد‭ ‬نتيجة‭ ‬القراءة‭ ‬الواعية‭ ‬فيترسب‭ ‬خبرة‭ ‬ومعرفة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬والتفكيك‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التأمل‭ ‬والتفكير‭ ‬المقترن‭  ‬بمبدأ‭ ‬الاخذ‭ ‬بالأسباب‭ ‬والنتائج‭  ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬بالنتيجة‭ ‬لم‭ ‬يتأت‭ ‬الا‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المتحكم‭ ‬بالأشياء‭ ‬ليبقى‭ ‬غير‭ ‬مغادر‭ ‬لفكرة‭ ‬التحدي‭ ‬والاستجابة،‭ ‬وهذا‭ ‬فعل‭ ‬القراءة‭ ‬لكونها‭ ‬أفقاً‭ ‬مفتوحاً‭ ‬يتعاظم‭ ‬مداه‭ ‬كلما‭ ‬أوغلنا‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬ليبدو‭ ‬تأثيرها‭  ‬وما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬رؤية،‭ ‬كمثل‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬ذرى‭ ‬جبل‭ ‬يستشرف‭ ‬من‭ ‬علّوه‭ ‬الافاق،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭  ‬يتربع‭ ‬موقعاً‭ ‬له‭ ‬داخل‭ ‬قبوٍ،‭ ‬هنا‭ ‬تتحرك‭ ‬البصيرة‭ ‬وتفعل‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬وضوح‭ ‬الرؤية‭/ ‬الحكمة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحصل‭ ‬عليها‭ ‬عبر‭ ‬أيّ‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬سوى‭ ‬القراءة‭  ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الامام‭ ‬علي‭ ( ‬كل‭ ‬وعاء‭ ‬يضيق‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الا‭ ‬وعاء‭ ‬العلم‭ ‬فإنه‭ ‬يتسع‭).‬

الكتاب‭ ‬يشحننا‭ ‬بالمعرفة‭ ‬،‭ ‬والمعرفة‭ ‬تدفعنا‭  ‬نحو‭ ‬التفكير،‭ ‬والتفكير‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معول‭ ‬هدم‭ ‬فهو‭ ‬أحجار‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء،‭ ‬ليس‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬تخديرنا‭ ‬أو‭ ‬تسليتنا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬فينا‭ ‬شيئاً‭ ‬جديداً‭ ‬أو‭ ‬تصنع‭ ‬منا‭ ‬أنساناً‭ ‬أفضل،‭ ‬وتجنبنا‭  ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬العواطف‭ ‬والانفعالات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يذكيها‭ ‬إلا‭ ‬قلة‭ ‬التبصر‭ ‬وضيق‭ ‬الأُفق‭ ‬ومحدوديته‭.‬


مشاهدات 317
الكاتب فارس السردار
أضيف 2024/02/14 - 3:37 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 11:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 11445 الكلي 9361982
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير