الطريق نحو الهاوية
ثامر محمود مراد
لم ألمح الخطوة الأولى، كأنّها حدثت في زمنٍ لم أكن فيه. وكلّ ما أعرفه أنّ وهجًا مائلًا وُضع في يديّ بلا اسم، يلمع حين أغمض عيني ويختفي حين أحدّق فيه. تبعته… أو تظاهرْتُ بذلك، فالطرق التي تسير وحدها لا تعترف بمن يتبعها..
ومن تلافيف العتمة خرج صوتٌ لا يشبه وردًا ولا جرحًا؛ شيء نصفه نداء، ونصفه الآخر ذاكرة تتردّد قبل أن تظهر. مددت يدي، فارتدّت… لا خوفًا، بل كأنها تذكّرت فجأة أنّها لا تخصّني .
كانت الظلال تتحرّك ببطءٍ يشبه الاحتفال، كأنّ سقوط الضوء مناسبة قديمة تنتظر إعادتها. وفهمت—بطريقة لا أعرف كيف—أن بعض النُّقاء يولد بلا شهادة، وأنّ العالم لا يصمت احترامًا، بل جوعًا..
تابعت المشي وأنا أرى وجوهًا لم تحدث، وأخرى حدثت أكثر مما ينبغي. بعضها انطفأ بي، وبعضها أطفأني، وكلّها مرّت كأنّها تبحث عمّن يعتذر أولاً. عند حافةٍ لا أعرف إن كانت هاوية أم بداية، ظهرت كائنات لم أسمّها. لم تكن وحوشًا، ولم تكن أليفة؛ كانت احتمالًا ثالثًا بينهما، احتمالًا ينظر إليّ كما لو كان يعرفني من زمنٍ لا أتذكّره. يومها أدركت أنّ السقوط كان فينا، لا حولنا .
وأنت… صورتك جاءتني بلا ملامح ثابتة، تتبدّل بسرعة الضوء حين يفكر بالهروب. كيف تُشيّد ما لا جدران له؟ وكيف تحمل قمرًا لا يفصح عمّا يريده منك؟ ربما كان ينيرك، وربما كان يريك كيف يُرى ظلّك من بعيد..
أنا وأنت لا نُمسك أحلامنا بالطريقة ذاتها: أنت تُحكم عقدتها كي لا تهرب، وأنا أتركها تنفرط علّ خيطًا واحدًا منها يقودني إلى نفسي.
نمشي… لا نحو مكان، بل نحو سؤال لم يكتمل. وربما، في التواء ذلك الطريق، نجد شذرةً تُشبهنا، أو نجد نحن… كما كنّا قبل أن نختفي.