الألم .. سردية وهوية
نوال الجراح
أكاد أن أجزِم أنه لايوجد إنسان على وجه البسيطة إلا وقد تعرّض إلى تَحديات كبيرة أو أزمات أو مر على صدمة من صدمات الطفولة . والسؤال المهم هنا الذي نطرحهُ على أنفسنا بَعد كل ما مررنا بهِ
ماذا بعد؟ ما الذي يتوجب علينا فعلهُ بعد كل هذهِ المعاناة؟
مِن قواعد التّعافي المهمة والتي إختبرتها في حالات عدّة خلال مسيرتي العملية في المحاماة وأهتمامي بعدها بالحياة الزوجية والأُسرية وخاصة الجانب النّفسي فيها، قاعدة مهمة قد يغفل عنها الكثير والتي تخلق تغييراً جذرياً وهذه القاعدة تقول :
الألم الذي لا يتحول إلى سردية يتحول إلى هوية .
بمعنى أن الألم الذي لاتعلم كيفَ ترويهِ في قصة ولا تعلم أين موقعك منه وما الحِكمة والرِسالة منه ولماذا حدث وماهي التبِعات والدَلالات وماهي تأثيراته وكيف تخرج منه بأقل الخسائر خاصةً على المستوى النفسي والفكري وتصبح نسخة أفضل من نفسك ورُبما يكون هذا الألم مُلهم لك في مجال جديد تبدع فيه او تكتشف ذاتك فيه .
إن لم تكن بهذا المسار ، ستكون أنت بطل القصة الحزين ويُصبح الألم هويَتك بحيث لا تستطيع أن تُعرّف نفسك إلا من خلاله ولا تستطيع الخروج منه وإن حدث و خَرجت وقُدمَّ لك أحدهُم الحب والإحترام والتقدير لشعرت بالغرابة ، بحيث تُكرر نفس القصص والسيناريو لأحداث حياتك بشكل غير واعي فتتحول إلى إنسان مُتألم وضحية الماضي، ولا تستطيع أن تُعرّف نفسك من خلال الشخص الناجح المحبوب المحترم ، لِذلك من المُهم لكل إنسان مهما كان الألم أو الصَدمات التي تلقّاها مُؤلمة أن يختار بين خِيارين لا ثالث لهما
إما أن تُدرك ما مررت بهِ وتسعى لفهمِ ماحدث وتخرج منه بنسخة أقوى وأنضج وأجمل أو تختار البقاء في القاع، قاع المعاناة والألم وتُمضي حياتك في سِجن الألم، وأنت مَن قرر البقاء فيه.
إجلس معَ ذاتك و حاورها، تحدّث معها بصدق وإختر ما يساعدك لتخرج من عُنق الزّجاجة لترى النور وتستشعر الحياة وكأنّك تعيشها من جديد بجمالها وروعتها.