الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الغباء وراثي أم فيروس معد أم موهبة ؟

بواسطة azzaman

الغباء وراثي أم فيروس معد أم موهبة ؟

ضرغام الدباغ

 

الغباء، الحماقة، وربما مفردات أخرى متشابهة، متقاربة في المغزى ...

أتفق في الرأي مع جمهرة من العلماء والباحثين في مجال علم النفس وعلم الاجتماع، أن هناك من البشر من هو أكثر ذكاء من شخص آخر، وأكثر من ذلك أعتقد أن هناك مجتمعات فيها ذكاء جمعي (وإن ليس بدرجة واحدة بالطبع)، توصلوا إليه من خلال أنتشار مثالي للثقافة والعلوم والفنون، والصحة البدنية الممتازة، وبالتالي إلى فهم سريع وشامل للأحداث الحياتية.

عيون مبصرة

الأمر بتقديري ليس حكماً أو قراراً نهائياً، نعم ... هناك من البشر من يلتقطون بآذان  لاقطة وعقل مرهف وعيون مبصرة دقيقة، وهناك من هم أقل منهم، لذلك نجد الفرق في الأداء  في معطيات متماثلة لنماذج وعينات متشابهة بصفة  عامة. والذكاء يمكن أن يتطور نحو أداء أفضل. بوسيلتين رئيسيتين : التعليم، والعمل، وكلا هاتان الفعاليتان تقودان إلى تحسن الأداء وتطوير حياة البشر. وعن هذا الموضوع هناك نظريات وأعمال كثيرة، أبرزها أعمال العالم البريطاني تشارلز دارون وأثره العلمي الشهير « أصل الأنواع « في النشوء والارتقاء  (Evolution) وفيها دلائل مادية وعلمية، أن البشر قد خضعوا لعملية تطوير طويلة كان التطور الغذائي فيه حاسماً، فتناول اللحوم مشوية أو مطبوخة أدت إلى تحسن صحته وإطالة عمره، وتناول البيض قاد لتحسن موقف البلازما والبروتين في الدم، وتحسن أداء خلايا الدماغ.

أما العمل فأدى إلى أن تتخصص الأقدام والأرجل للتنقل والسير، ولا سيما حين صار البشر يتنقل في مساحات شاسعة، لأسباب معيشية / اقتصادية،  فقد وجدت تنقلات آثار الإنسان القديم في قارات متباعدة، بل ركب الانسان القديم البحر، ومعنى ذلك أنه نجح في صناعة سفن بدائية، وأتقن فن الملاحة ...! فقد أثبت العالم النرويجي (ثور هايردال /  Thor Heyerdahl) أن قدامى المصريون وسكان وادي الرافدين قد نجحوا بأكتشاف أعلي البحار قبل 5000 سنة، بواسطة سفن مصنوعة من البردي، قاطعاً مسافة  8000 كم في المحيط الهادئ وصولاً إلى سواحل أميركا الجنوبية.

وتحسن وضع (هيئة وأداء) الذراعين، واصابع اليدين ، وعقليا قاد كل ذلك إلى تحسن مستوى اللغة لدرجة تمكن في العصور المتقدمة، إلى توثيق أعماله، بل وأستطاع كتابة حتى الأدب والمسرح. ولكن هذه مسيرة امتدت لملايين من السنوات، لذلك يصعب التحديد الدقيق لمراحلها، لكن من المؤكد أن الإنسانية دخلت مرحلة حاسمة منذ بدأ الاجتماع البشري في مشتركات، حيث جرى تقسيم العمل لأول مرة في التاريخ وفي تقسيم العمل وظهور المجتمع الطبقي، وبتقديري هذا لم يكن قبل 25 ألف عام قبل الميلاد، ولكن منذ 10 ألاف عام ق.م بدينا شواهد مادية على اولى المشتركات البشرية، ووتأسيس علاقات فائمة على التقسيم الطبقي : الملك والحاشية، المعبد والكهنة، الفلاحين أو العبيد.العالم سبيرمان، الذي وضع درجات بين 13 و15 معامل في ذروتها المعامل (G) أعتبر ، أن نعم هناك بشر أذكياء جداً، وأذكياء، وطبيعيون، وأقل ذكاء، وربما حتى أغبياء. ولكنها غير متباعدة عن بعضها، ونصل إلى خلاصة، أن الذكاء والغباء ليس بأمر وراثي كلياً. ولا تلعب في مسيرة التطور،  إلا الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدور الحاسم للعمل، أما النظريات العرقية والمناخية فإن كان لها دوراً، فهو دور ثانوي الأهمية. ورغم أن نظرية سبيرمان قد أنشقت عنها عدة مدارس، إلا أن قوام النظرية واصل تأكيده على أن هناك بشر يتمتعون بقدرات عقلية غير اعتيادية (عباقرة / أذكياء) إلا أن التعليم والتدريب والحياة الاجتماعية والاقتصادية لها أهميتها الحاسمة.

في الثمانينات، كنت قد كتبت مسرحيتي الرابعة  ( أيها السادة .. الرجاء الأنتباه )، لو شاهدها الناس (إن قيض لها ذات يوم أن تمثل على خشبة المسرح)  سيعتقد البعض، أن الخيال والفنتازيا قد شطحت بي بعيداً، ولكن آخرين سيقتنعون أني قد اكتشفت فيروساً خطيراً،

سألني صديق مثقف، « د. ضرغام، أحقاً أنك تشير إلى أكتشافك لفيروس الغباء ..؟»وحين لم أجبه، أعاد طرح السؤال .. فشعرت أني ملزم بتقديم إجابة ما ... أجبته ضاحكاً « أعتقد أن الغباء موهبة ...! « ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

المتنبي الكبير قائل هذه الأبيات، حين يعاني من أحكامه وأفكاره، يعتبر الغبي يعيش في نعمة،، أما أنا فقد لاحظت رؤيتي في مسرحيتي « أنتباه ... أيها السادة نرجوكم الانتباه «. وهذه مقدمة المسرحية المنشورة في عمان / المملكة الأردنية الهاشمية، الطبعة الأولى، بتاريخ  / 2017.

جاء في مقدمة المؤلف ....

أعتقد أن الإشكالية التي تطرحها هذه المسرحية صالح للتعميم على نحو استثنائي. الأمر ليس دائماً في ملعب السياسة، بل سيلاحظ القارئ، وربما المشاهد، إن موضوعة المسرحية فكرية وأغلب الظن سيتناقش المشاهدون بعد خروجهم من المسرحية، وأني أعتقد أن فكرة المسرحية وإشكاليتها ستبقى في نفوس القراء والمشاهدين.

تجربة التعذيب

وعمل كهذا لا بد أن يكون كاتبه قد خاض غمار تجربة، تجربة التعذيب حتى الموت، ولكنه بالصدفة المطلقة .. لم يمت، وهو إنسان حقيقي قبل أن يكون كاتباً أو فناناً .. ومن أجل إخراجها على المسرح .. ينبغي أن يكون هناك ممثلون يحتملون حرارة الحريق، وجمهور يدرك قيمة العذاب النبيل ..

نحن نتعذب في كل مكان .. في الشوارع والدوائر وفي بيوتنا بل وفي مخادع الزوجية .. وربما نمارس الخداع بشعور أو دون شعور منا.. لقد طغت الأنا كثيراً، وأصبحت مفردة أساسية في حياتنا، والحديث عن المثال قد أصبح خرافة، وحتى السينما العالمية لم تعد تطرح موضوعات قائمة على احترام الفرد للمجتمع، بل أن العلاقة أصبحت قائمة أساسا على الحيطة والريبة والتحسب، وانتهاز الفرص.إن أحداث هذه المسرحية ليس بالضرورة أنها في هذا البلد أو ذاك، وملك/ سلطان/حاكم/ رئيس دولة تاهاري هو شخصية متوفرة بكثرة في رأس الدولة وفي المجتمع وفي كل مكان، ونظام دولة تاهاري قد تسلل ربما إلى الأحزاب التي تدعي أنها ديمقراطية.إن هذا العمل هو محاولة بإيقاظ الوعي، ودعوة إلى أن نتفهم بعضنا بعضاً ..  لقد تعمد كاتب المسرحية أن لا يكون لشخوص المسرحية أسماء، فهم حالات صالحة للتعميم في حياتنا، إنهم موجودون في كل مكان، بل قد نكون حتى أننا نلعب هذه الأدوار بصفة تبادلية..!

إذن .. إلى الناس جميعاً .. إلى جيلنا والأجيال القادمة

انتباه .. انتباه

لنتقدم صفاً واحداً إلى الأمام .. لا تتراجعوا .. تماسكوا بالأيدي والأذرع

 


مشاهدات 209
الكاتب ضرغام الدباغ
أضيف 2025/10/11 - 12:41 AM
آخر تحديث 2025/10/13 - 6:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 145 الشهر 8325 الكلي 12148180
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير