الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نحو سوق مثالي.. دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق المنافسة الكاملة

بواسطة azzaman

نحو سوق مثالي.. دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق المنافسة الكاملة
عزالدين خالد حمزة

 

باحث في شؤون الاستثماركان الكلاسيكيون أول من طرح مفهوم المنافسة الكاملة، وتبعهم في ذلك أنصار المدرسة النيوكلاسيكية، إذ رأوا ضرورة تطبيق هذا المفهوم في مختلف الأسواق والمجالات الاقتصادية، من منطلق ترك السوق يعمل بحرية تحت تأثير قوى العرض والطلب، مع تجنب التدخل المفرط من جانب الدولة، الأمر الذي يؤدي تلقائيًا إلى نشوء المنافسة داخل السوق. فإذا أردنا مناقشة أثر الـ AI في مسألة تحقق المنافسة التامة، لا بد من الإحاطة بجوانب هذه المنافسة، فالوصول إلى هذا النموذج المثالي من التنافس يتطلب توافر عدة شروط صارمة يصعب تحققها في الواقع العملي، ومن أبرزها: وضوح المعلومات ومصداقيتها عند جميع المتعاملين حول الأوراق المالية، وتوفر عدد لا محدود من البائعين والمشترين، دون خضوع السوق لاحتكار جزئي أو كلي تفرضه شركة واحدة أو قلة من الشركات، إلى جانب وجود لجنة مختصة بإدارة السوق والرقابة عليه لضمان نزاهة وشفافية التعاملات. على الرغم من اعتبار المنافسة التامة على أنها مفهوم نسبي لا يمكن تطبيقه بالكامل على أرض الواقع، كما هو الحال في الفكر الاشتراكي لكارل ماركس، إلا أن ظهور الثورة الصناعية الرابعة، المتمثلة بالذكاء الاصطناعي، وما رافقه من تطورات تقنية وبرمجية، قد أثار نقاشًا جديدًا حول إمكانية هذا الجزء من علوم الكمبيوتر على أن يخلق الشكل المثالي من السوق. فلو نظرنا إلى ما يقدمه الذكاء الاصطناعي من ميزات متمثلة بقدرته على الأتمتة السريعة في عمليات جمع البيانات وتحليلها، من خلال الاستعانة بأدوات وخوارزميات إحصائية متطورة تمت برمجتها مسبقًا، فإن هذا التطور يسمح بفرز البيانات ومعالجتها في وقت أقصر وجهد أقل مقارنة بالطرق التقليدية اليدوية. فضلًا عن دوره الإشرافي أو الرقابي في نظم الشركات من خلال )* التكنولوجيا الإشرافية (SubTech
كما يساهم في حماية المؤسسات المالية ومساعدتها رقميًا في تسريع اتخاذ القرارات الدقيقة فيما يتعلق بوضعها الحالي أو آفاقها المستقبلية، وهو ما يُعرف بـ)* التكنولوجيا المالية ( FinTech وتصبّ هذه الإمكانات جميعها في تحقيق ميزة تنافسية للمؤسسات، وتعزيز موقعها واستمراريتها في النطاق السوقي، بما يقرّبها أكثر من بيئة المنافسة التامة.

علاوة على ذلك، سهلت التطورات الحاصلة في الذكاء الاصطناعي وصول المتعاملين إلى ما يحتاجونه من معلومات حول الأسهم والسندات المتداولة في السوق، مما ساهم في تقريب أسعار تلك الأوراق إلى قيمتها الاقتصادية أو الفعلية، وهو ما يحقق (نظرية السوق المالي الكفؤ)، التي تفترض أن الأسعار تعكس كافة المعلومات المتاحة.
استنادًا إلى أبرز النقاط التي تم تناولها أعلاه، يمكن القول إن الـAI سهّل نظريًا عملية تطبيق النموذج المثالي للسوق، إذ تمثل دوره كمستشار استراتيجي يوفر لمدراء المؤسسات رؤى وتحليلات معمقة تساعدهم على رسم خارطة طريق ترشدهم إلى إدارة عملياتهم التشغيلية والرأسمالية. فضلًا عن وظيفته في تحصين البيانات ومعالجتها، وهو ما يعزز مستوى شفافية السوق، ويزيد من عدد البائعين والمشترين النشطين، مما يحد بمرور الوقت من فرص تشكل الاحتكار أو استمراره.

لكن على أرض الواقع، سنجد أن العملية ستتسم بقدر عالٍ من التعقيد، كون أن السوق تحكمه المشاعر والسلوكيات الفردية المتغيرة، الناجمة عن تنوع حاجات الأفراد عبر الأجيال المتعاقبة.
كما أن الـ
AI لم يصل بعد إلى المستوى الذي يمكنه من مواكبة (التعامل البشري) في السوق، لكونه يعتمد بالأساس على نماذج مبرمجة مسبقًا لا تأخذ دائمًا في الاعتبار البُعد الإنساني المعقّد في سلوك المستهلكين.
إضافة إلى أن استبدال العنصر البشري بالوسائل الآلية قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين أصحاب المهن المتوسطة والمتدنية، الذين يُحتمل أن تُستبدل وظائفهم بسبب قدرة التقنيات المؤتمتة على إتمام عملهم بالجودة والسرعة المطلوبة مقارنة بالقدرات البشرية . نتيجة لذلك، ينخفض الطلب الفعّال السوقي، حيث يقل عدد الأفراد الذين يمتلكون دخلًا كافيًا للشراء، وهو ما يُعد إخلالًا بأحد أهم شروط المنافسة الكاملة، والتي تفترض وجود عدد كبير من المستثمرين والمتداولين النشطين.

كخلاصة، نستنتج بأن، رغم الميزات والخصائص التي تتمتع بها الأنظمة الذكية ، إلا أن في الوضع الحالي لم تصل بعد للنطاق الذي يؤهلها إلى قيادة السوق والتعامل بفاعلية مع الحاجات البشرية المعقدة، حيث انها لا زالت تعتمد على التدخل البشري في تطويرها، فضلًا عن برمجتها المسبقة من خلال مبرمجين مختصين. غير أن التطور المتسارع الحاصل في مجال التكنولوجيا التقنية الحديثة، سيعجل من ظهور أنظمة ذكاء اصطناعي مستقلة نسبيًا، تستطيع مجاراة المشاعر البشرية وفهمها بصورة منطقية، دون خضوعها إلى ممارسات تمييزية تعيق اتخاذ القرار الرشيد.
وبناءً على ذلك، فإن ولادة منافسة تامة سوقية قائمة على الذكاء الاصطناعي قد تكون ممكنة في المستقبل القريب.
المراجع :
1_
 عبدالسلام محمد رائد. تطورات الاستخدام الاقتصادي للذكاء الاصطناعي. دار الأهرام، الطبعة الأولى، 2022.

2_   "إيجابيات الذكاء الاصطناعي" مركز المعرفة - شركة بكه،
https://bakkah.com/ar/knowledge-center/إيجابيات-الذكاء-الاصطناعي

3_  بول أ. سامويلسون، وويليام د. نوردهاوس. عالم الاقتصاد ، مكتبة لبنان ،الطبعة الأولى .

 

 


مشاهدات 132
الكاتب عزالدين خالد حمزة
أضيف 2025/08/16 - 3:38 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 2:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 409 الشهر 12811 الكلي 11407897
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير