بين كتارا والمكتبتين الحسينية والعباسية
فيصل عبد الحسن
هل هو سوء الحظ أم لعبة من ألعاب الأقدار، أم أن زمننا زمن الغرائب ؟ كل هذه الأسئلة لم أجد لها جواباً شافياً، أكتب هنا عن روايتي قبل الأخيرة «الرحلة العجائبية» وظروف نشرها، لقد كتبتها في أربع سنوات من العمل المتواصل، وكنت وقت كتابتها أضع على صدر مكتبي عشرات المصادر التاريخية لتتبع أحداثها، وما أن أكملتها حتى وقعت أعياء، فتم نقلي إلى مستشفى زايد الخاص وسط مدينة الرباط، وأنا بين الحياة والموت.
قدمتْ مخطوطة الرواية بعد شفائي من مرضي لأكثر من عشرين دار نشر في لبنان ومصر والعراق، فرفضت جميعها نشرها، والمضحك المبكي أني شاركت بها في مسابقة كتارا القطرية، فأعادوا لي الخمس نسخ من الرواية التي أرسلتها لهم، والغريب أنهم أعادوها لي ببريد»الدي أج أل» المكلف ماديا علما أن الرواية كبيرة الحجم 546 صفحة من القطع الكبير وخمس نسخ مع غلاف كارتوني محترم الوزن لكل نسخة، وهذه أول مرة تحصل في تاريخ هذه الجائزة الأدبية السنوية أن تعيد الجهة المنظمة للمسابقة مشاركة مشارك بطريقة الإرسال عن طريق البريد السريع» الدي أج أل». وعندما سألت مدير شؤون الجائزة برسالة، عن سبب إعادة نسخ روايتي المشاركة في مسابقتهم، قال نعم يحصل هذا، فتعيد الكمارك القطرية من دون علمنا ما تراه غير مناسب دخوله إلى قطر من الكتب إلى أصحابها من دون علم الجهة المنظمة للمسابقة، وتمنع دخولها البلاد.
مجهولو الهوية
تخيلوا كتاباً يمنع من دخول قطر لأن ضابط الكمارك لم يعجبه الكتاب وأفكار كاتبه أو مجرد أسم كاتبه، وكل هذا الصدود لأن الرواية تميط اللثام عن أحداث القرن الأول الهجري الإسلامي، وتعيد رسم خارطة الأحداث بعيداً عن تدخلات مؤرخي الفترة الأموية والعباسية والعثمانية، وتتحدث عن أحوال البلدان الإسلامية في القرن الأول الهجري، وتحكي عن أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأنواع ملابسهم ومأكلهم وحيواناتهم التي يربونها ويعتاشون عليها، وعن الثورات التي حصلت خلال ذلك القرن المضرج بالدم وقطع رؤوس الضحايا وجعل جثثهم مجهولة الهوية، ومن بين تلك الأحداث المهمة ثورة الحسين عليه السلام وأصحابه في معركة الطف الشهيرة في 60 هجرية على أرض كربلاء.
الغريب بعد كل ذلك الصدود العام عن نشر الرواية من قبل دور النشر المختلفة اتصلت بالمكتبة الحسينية والعباسية في كربلاء لنشر الرواية، والمعروف للجميع إمكانيات الروضتين الحسينية والعباسية المكرمتين في نشر كل ما يخص أحداث لها علاقة بثورة الطف، ولكن المكتبتين رفضتا أي شكل من أشكال المساعدة لنشر الرواية، والغريب بعد نشرها بسنتين أخبرني مسؤول المكتبة العباسية الكاتب السيد علي حسين الخباز على البريد الخاص أن الإقبال على قراءة روايتي كبير، وأن صديقنا الكاتب والروائي شوقي كريم يريد كتابة مسرحية عن الهفهاف الراسبي فنصحه بقراءة روايتي الرحلة العجائبية، والاستفادة مما ورد فيها عن هذه الشخصية التاريخية المهمة الرئيسية في روايتي..
مرجع صادق
لاحظ هنا روايتي التي رفضت المكتبتان نشرها أو تعضيدها للنشر وصفت كمرجع صادق ومهم لمن يريد كتابة مسرحية عن الهفهاف الراسبي، ولأني غادرت العراق منذ ثلاثين سنة فلم تعد لي معرفة كافية بدور النشر في العراق، كما كنت في التسعينات حين كنت في وطني، فاستعنت بصديق لي هو الكاتب والروائي المعروف حميد المختار بعد أن بلغ بي اليأس مداه، وكدت أمزق المخطوطة، والمختار لم يقصر فاتصل بصديقنا المشترك القاص المبدع عبد الرضا الحميد، ويبدو أنه عمل على إنشاء دار نشر حديثاً ضمن صحيفته العربية، وتم الاتفاق بيني وبينه على نشر الرواية بداية سنة 2022 وأخيراً نشرت الراوية عن منشورات دار الصحيفة العربية واحتفلت الدار بتوقيعي الرواية في حفل بهيج سنة 2023 حضرته قادما من المغرب، وأحدث صدورها في المحيط العراقي والعربي صدى واسعاً واهتماما كبيرا من القراء والنقاد.
إظهار الحق من تاريخنا المزوّر ضرورة أدبية وأخلاقية على كل كاتب صادق يهمه وطنه وأهله لكي لا يضيعون في متاهات التاريخ وأكاذيب المنتفعين في روايته، مهما كان ذلك التاريخ مروعاً وعنيفاً، فلسنا الأمة الوحيدة التي قتلت ثوارها ومفكريها ومبتكري علومها، وبقراءة محايدة لتاريخنا الحقيقي، الذي لم تزوّره الأهواء السياسية وضرورات الحكم غير الرشيد، وغايات المعارضات السياسية في كل عهد، و لكي نستطيع أن نبني أجيالاً جديدة لا تعنيها عقد التاريخ ولا ملابساته المؤلمة، ولا تعتاش الحكومات الهزيلة والفاسدة على الترويج له مبتزه عواطفهم وعقائدهم لكي تبقى أطول فترة تمتص فيها ثروات بلادهم وتبذيرها هنا وهناك، وتشجع مواطنيها على التلذذ بأحزان الماضي وذكرياته الأليمة، كما يفعل الأجرب بحك جربه، وكأنها هي المصحح لذلك التاريخ، وأنها من يحمل لواء إعادة الحق لأصحابه الشرفاء، الذين ضحوا بحيواتهم منذ قرون من أجل الحقيقة وإصلاح أحوال العباد.
من المهم أن نصنع المستقبل وعلينا قبل كل شيء أن نعرف حقيقة ما حدث لأجدادنا وابائنا وكيف تصرفوا لمواجهة الأحداث الكبرى التي مرّوا بها، وننقد ما نراه غير مناسب بكل جرأة من دون أن نقفز على الواقع الذي عاشه هؤلاء الأجداد والظروف التي أحاطت بكل حدث على حدة .
□ كاتب مقيم بالمغرب