ستة آلاف يسدّون عين الشمس
فاتح عبدالسلام
غالباً، ليس بالضرورة أن ترى الفعالية من الداخل او ان تكون مشاركاً فيها، لكي ترى ملامحها، وحدود المعطيات التي ستسفر عنها. يقولون انها قمّة للإعلام العربي، يشارك فيها نحو 6000 من قادة الفكر والسياسة والإعلام.
وسيتضمن برنامجها على مدى ثلاثة ايام أكثر من 175 جلسة رئيسة، وأكثر من 35 ورشة عمل تقدمها كبرى المؤسسات الإعلامية والمنصّات الرقمية العالمية
يا لهول الرقم، وما أصغر الناتج الذي يمكن أن يكون في متناول المتلقي العربي للمادة الإعلامية. لو تواضعوا وجعلوا العنوان مرتبطا بجملة ”اعلام الحكومات والسلطات” لكان أقرب الى الواقع. ذلك انّ المتوافر في مواد القمة المعلنة من مناقشة التحولات المتسارعة بفعل الرقمنة وتغير سلوك الجمهور، ومواجهة المؤسسات الإعلامية تحديات التمويل، والتكيّف مع متطلبات العصر الرقمي، وصياغة نماذج عمل مستدامة قادرة على الصمود أمام المنافسة العالمية، انما هي مفردات عامة اشبعتها الندوات الاعلامية والسياسية والأكاديمية نقاشا في جامعات ومراكز بحوث ونقابات صحافية في بلدان عربية من دون ان تستطيع مواجهة “حقيقة” المعضلات الأساسية التي لا تستطيع الأموال المبذولة في ما تسمى «القمم الإعلامية” تزيينها وتجميلها، وهذه الحقيقة مرتبطة، بحرية الحصول على المعلومات وحرية تقديمها في متناول ملايين المتلقين العرب، الذين من الوهم تصديق انهم يبحثون في الاعلام العربي المنشغل بنسبة تسعين في المائة بمَن استقبل ومَن زار ومَن رعى ومَن حضر فعاليات محلية رسمية مستهلكة. ذلك انّ المواطنين العرب لايزالون يبحثون عن خبر من سطرين في موقع دولي ليكشف لهم من خفايا ما يجري حولهم وما تسهم السلطات الرسمية بأنواعها في تضليله وتزييفه.
أية قمة إعلامية عربية؟ واية تقنيات؟ واية تحديات؟ وعن اية رقمنة يتحدثون؟ وثلاثمائة مليون مواطن عربي مغيبون ، على سبيل المثال القريب، عن فهم مجموعة مذهلة من الرموز التي لم يفك أحد شفرتها ظهرت في القمة العربية للزعماء الذين تتبعهم بقية القمم كما يفترض. لم تكن هناك مادة إعلامية واحدة كاشفة لما جرى في قمة من المفترض انها تخص مصير الملايين في استقرارهم وارزاقهم ومسارات حياتهم العامة عبر علاقات دول وحكومات متآخية بالعناوين البرّاقة ليس إلا.
ماذا تغني الرقمنة إذا كانت مبنى شكليا لمحتوى لا يتصل بأية حقيقة من حقائق وجود الانسان العربي، الذي يذبح في مكان ويجوع في آخر، او انه يبيت انسانا شرعيَ الوثائق ويستيقظ وقد نزعوا عنه جنسيته ورموه مثل الكلاب السائبة لا يعرف اين يتجه والى مَن يلجأ، حتى بحار الهجرة الغادرة ضاقت وسدّت منافذها امامه، وتغيرت قوانين» الإنسانية الغربية» لصالح مزيد من التنكيل بهذا المواطن الذي يشعر انّ لا وطن له أو انهم ابلغوه رسميا انّ لا وطن له فعلاً.
ستة آلاف مشارك في “قمّة الاعلام العربي” يسدون عين الشمس اذا اصطفوا واحداً جنب الآخر ، لكنهم لن يسدوا عين الحقيقة الساطعة في انهم سيمرّون في الكلام العابر الى حيث الملايين غير المعنية بهم.