إستتباب الأمن .. شجع عودة نحو 20 عائلة صابئية للعراق
(الزمان) تواكب إحتفال المندائيين بيوم التعميد الذهبي
أربيل - أمجاد ناصر
آيلا سعد عبد الواحد. من بغداد اول مرة يتم تعميدها، وبعد خروجها من الماء و قبل ما ابادرها السؤال اجابتني بأبتسامة مرسومة على وجهها الطفولي البريء و هي ترتجف ( عمو الماء بارد, صرت مثل ايس كريم ) وينتهي اللقاء بصورة تجمعنا بعدسة الزميل سفين حميد , ومن ثما أكمل جولتي بأجراء اللقاءات مع التصوير في الطبيعة الخلابة بعد ان اكملت السيدة أم طفلة آيلا حديثها لـ الزمان: منذ عام 2010، جئنا من بغداد الى اربيل، ربما كانت البداية صعبة بمغادرة الاهل والمدينة والاصدقاء, لكن نحمد الله على كل شيء، والحياة تسير والفرح متواصل و نحرص على إبقاء و مزاولة طقوسنا ومنها اليوم التعميد الذهبي للصابئة المندائية .
عودة المغتربين للوطن
ويشير, الشيخ ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم, القادم من بغداد لأداء طقوس التعميد: عيد التعميد الذهبي, أو ما يُعرف أيضًا بـ»عيد النبي يحيى بن زكريا عليه السلام, احتفاء بالنقاء الروحي وتاريخ الأنبياء عند الصابئة المندائيين, و هو طقس مهيب تتجلى فيه الروحانية والنقاء، وتُعاد فيه صباغة المؤمنين في المياه الجارية، استذكارًا لتعميد النبي يحيى عليه السلام في نهر الأردن عندما بلغ الثلاثين يوما من عمره, و هذا العيد ليس كسائر الأعياد، إنه عيد كبير عظيم في طقوسه ومعانيه، فقد تعمد فيه آباؤنا الروحانيون واخرهم النبي يحيى عليه السلام، لذلك نسميه التعميد الذهبي، فهو يحمل رمزية التجديد الروحي والطهارة, وتشمل الطقوس لهذا العيد ما يُعرف بـ»الصباغة»، وهي عملية التعميد في المياه الجارية، و تُعد من أسمى الطقوس لدى المندائيين، حيث يغتسل الإنسان جسدًا وروحًا، سعيًا للنقاء والتقرب من الله, ودعواتنا الصادقة أن يحفظ الله العراق، ويحمي كل مكوناته الدينية والإنسانية, و رسالتنا أن يعم الأمن والسلام عل ربوع البلاد، وأن يعيش الجميع بأمان ومحبة وسلام.»
مضيفا : بدأت بعض العائلات بالعودة إلى العراق, من يملك بيتًا أو مصدر رزق، لكن العودة ما زالت محدودة بسبب غياب فرص السكن’ من لا يملك فكيف له أن يعيش؟ لا تزال سبل المعيشة غير متوفرة للجميع.
كما يؤكد رئيس مجلس شؤون الصابئة المندائيين في أربيل, حافظ نظم: التعميد الذهبي, طقس النقاء والسلام عند الصابئة المندائيين, ويُعد من أقدس وأهم الطقوس الدينية لدى الصابئة المندائيين، وهو الركن الثاني من أركان الدين بعد توحيد الله سبحانه وتعالى. هذا الطقوس تجسد مفاهيم الطهارة الروحية والجسدية، وتمارس على مختلف الفئات العمرية، من الطفل بعد مرور ثلاثين يومًا على ولادته، وحتى كبار السن من الرجال والنساء, التعميد الذهبي ليس مجرد طقس ديني، بل هو ممارسة روحانية بحتة، تهدف إلى تطهير الجسد والروح من الذنوب والنميمة، وتنقية الداخل الإنساني. هو دعوة إلى الصفاء الداخلي والتسامح والنقاء، ما يؤمن به ديننا بأن الإنسان يجب ألا يكون نقي الجسد فقط، بل نقي القلب والنظرة أيضًا, حيث يتسم التعميد الذهبي بجو من الألفة والسلام، تجتمع العائلات المندائية في طقس موحد يجسد التواصل الروحي والاجتماعي بين أفراد الطائفة. ويُعتبر هذا الحدث فرصة للتأمل والتجديد الديني، وتأكيد الانتماء إلى القيم الروحية التي يؤمن بها الصابئة المندائيون.
مضيفا: في السنوات الأخيرة، شهدت محاظة أربيل هجرة عكسية لعدد من العائلات المندائية من مختلف دول العالم, لتعامل الحكومة والشعب الكردي معنا بشكل ممتاز لممارس طقوسنا الدينية بحرية كاملة، هذا شجع على العودة من دول مثل أستراليا، السويد، ألمانيا، وهولندا, وحاليًا توجد نحو 16 عائلة مستقرة هنا، والعدد مرشح للزيادة, بعد ان واجهت الطائفة المندائية تحديات كبيرة في العقود الماضية، خاصة منذ التسعينات وما تلاها من أحداث طائفية أثرت سلبًا على استقرارنا في بغداد والجنوب ، ما أدى إلى موجات هجرة كبيرة كادت أن تؤدي إلى انقراض الطائفة لولا تمسك أهلها بدينهم واحتضان مناطق آمنة مثل كردستان العراق فضلا الى توفير الحماية في المحافظات الجنوبية لهم, والتعايش والتجانس بين المكونات في العراق وخاصة في الإقليم و جعل منه بيئة مثالية للعيش وممارسة الشعائر الدينية.
كما يقارن العائد من المهجر, المهندس نسيب عادل حطاب : عشرون عامًا مضت مهاجرًا إلى تورنتو في كندا, و لم تمحُ في قلبي و عقلي ملامح ولادتي في شارع النهر في بغداد، ولا روائح دجلة، و دفء لقاءات الأقارب والأحبة في مناسبات التعميد, ومشهد اللقاء مع الأهل والأجواء الآمنة والمستقرة في كردستان العراق، بدأ يُشجعني على التفكيرالجاد بالعودة وأُشجع أولادي أيضًا لكن العودة ليست سهلة, والغربة ليست ترفًا بل خيار قسري فرضته ظروف طائفية وأمنية واقتصادية صعبة، دفعت بالكثير من العراقيين من مختلف الديانات والطوائف إلى الهروب بأرواحهم وأحلامهم., في كندا لا يوجد مندي للصابئة ولا طقوس مثل ما نعيشها بالعراق, و حتى الموت يدفن غريبا، طبيعة الحياة هناك قاسية والتواصل بين الناس ضعيف، كل واحد مشغول بلقمة العيش. الغربة تكسبك أشياء، لكن تسلبك أشياء أعز، تسلبك دفء المجتمع، الترابط، الحنين هذا الحنين لا يفارقنا.
الطائفة المندائية... عراقية الأصل والبقاء
مضيفا: المندائيون ليسوا فقط عراقيي الأصل، بل عراقيي البقاء, نحن من نسيج حضارة الرافدين لا نستطيع العيش بعيدًا عن بيئتنا. هذه الأرض تحمل روحنا، وهويتنا ورغم استقراري في كندا، حيث لا أحد يسأله عن طائفته أو انتمائه، إلا أن الوطن بقي محفورًا في ذاكرتي كجزء لا يتجزأ من هويتي, في كندا تمارس طقوسك بحرية أكثر مما قد يُسمح لك في بعض مناطق الوطن العربي، لكن ذلك لا يغني عن الوطن الحقيقي. العراق يجب أن يكون دولة مواطنة، تُعامل فيها على أساس انتمائك الوطني لا الطائفي أو الديني كثير فقدوا منازلهم وماضيهم، لكن الحنين حي، والرغبة بالعودة موجودة، أتمنى اليوم اللي يرجع فيه كل عراقي، من أي طائفة أو ديانة، يعيش بسلام في وطنه. من من جميع ابناء البلد حتى اليهودي و ليس الصهيوني متشوق لاسم العراق، هذا الوطن يسع الجميع إذا تخلصنا من التقسيمات الضيقة، وصار الانتماء للعراق أولاً.
التكافل الاجتماعي و توزيع الثواب
من جهته بين عضو مجلس شؤون الطائفة, علاء ذياب سرحان: خلال المناسبات الدينية والاجتماعية يوجد صندوق التبرعات تم إنشاؤه لخدمة أبناء الطائفة ومساندة المعوزين والمحتاجين وصيانةٌ المكان، وحتى من لديه القليل يمكنه أن يساهم، وهذا يعكس روح التكافل الاجتماعي الحقيقي بين أبناء الطائفة سواء من داخل العراق أو من المقيمين في الخارج, ويُستخدم الصندوق أيضًا لأغراض متعددة داخل المندي، من بينها أعمال الصيانة والتأهيل، وهذا المكان بحاجة دائمة للرعاية والتجديد، وبعض التبرعات تأتي من رجال لا يرغبون حتى في ذكر أسمائهم. أحدهم تكفّل بسفر الشيخ وتكاليفه بالكامل، دون أن يُعلن عن نفسه. هذا هو جوهر العطاء الحقيقي, هذه المبادرات تُعدّ نموذجًا للتلاحم المجتمعي والتراحم الذي تتميز به الطائفة المندائية، حيث يعمل الجميع بروح الأسرة الواحدة للحفاظ على استمرارية المكان والطقوس.
الاسم الديني و الاسم الرسمي
كما اشار رئيس جمعية الثقافة المندائية نزار شنيشل زامل: ضمن الطقوس الدينية (توزيع الثواب) وهو تقليد يهدف إلى إحياء ذكرى المتوفين عبر تقديم الطعام، وقراءة الأدعية، وتلاوة الاسم الديني للراحل, والاسم الديني هو الهوية روحانية تلازم الإنسان من الولادة حتى الوفاة الذي يُمنح للطفل منذ ولادته بناءً على يوم ولادته وساعته واسم والدته, هذا الاسم لا يُستعمل في الدوائر الرسمية، بل هو اسم روحي يُستخدم في جميع المناسبات الدينية مثل التعميد والزواج والوفاة، مثلاً، اسمي الرسمي نزار شنيشل، لكن اسمي الديني هو سام برها وسيمة، وهو الذي يُستعمل في الطقوس الدينية، وعند وفاتي يُذكر اسمي هذا في الثواب, و الاسم الديني هو جسر دائم بين الإنسان وربه، يرافقه في الحياة وبعد الرحيل, في هذه المناسبات، يُوزع الثواب من الطعام والمشروبات والحلويات والفواكه، ويُفضل شوي السمك بشكل خاص، إلى جانب نحر الذبائح، وهي من الطقوس المتأصلة لدينا كجزء من التكريم الروحي للمتوفين, ويُقرأ خلال هذه الطقوس نصوص دينية وتتلى صلوات على أرواح المتوفين طلبًا للغفران والرحمة, بعض الفترات يمتد الثواب لستة أيام متتالية لا تُفرَّق فيها بين ليل ونهار، وتُقام فيها الطقوس بلا انقطاع, وهذا ما يُعرف باسم أيام البرونايا ، والثواب في الثقافة المندائية ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو فعل عبادي وروحاني يعكس الإيمان بأن الخير والطعام المقدم في الدنيا يمكن أن يصل أثره إلى أرواح الأحبة الراحلين.