الأحجية الإيرانية في المفاوضات النووية
قتيبة آل غصيبة
قبل الدخول في تفاصيل المقال؛ استوقفتني هذه القصة ؛ التي تذكرها كتب التراث الفارسي القديم؛ «بأن رجلاً فارسيا كان يتحدث مع فارسياً آخر ؛ سائلاً إياه؛ من هو برأيك الفارسي الاصيل؟ فأجابه؛ أن الفارسي الأصيل؛ هو الذي يتحدث بشيء؛ وفي ذهنه شيء ثانٍ؛ وفي قلبه شيء ثالث؛ وفي جيبه شيء رابع؛ ولديه خطة بديلة كشيء خامس اذا فشلت كل هذه الاشياء»؛ والقصة هنا استعارة لأسلوب التفاوض الإيراني المعقد؛ الذي يجمع بين:» الذكاء التكتيكي (كسب الوقت)؛ والغموض الاستراتيجي؛ من خلال عدم الكشف عن الأوراق كاملة؛ والتمسك بالهوية الوطنية ورفض الظهور كطرف مستسلم، وإن هذا يفسر؛ لماذا تفشل المفاوضات الامريكية مع إيران غالبًا — لأن جميع الادارات الامريكية المتعاقبة تطلب؛ (عقدًا قانونيًّا واضحًا)؛ بينما إيران تقدم قصة يصعب تفسيرها؛ وعند الايرانيين؛ مَثَل دارج بينهم؛ يقول
«أن تكون كالثعلب ليس عيبًا ولا عاراً؛ إن كان ذلك يحفظ حياتك.»
في سياق هذه الاحجية والقصة التي يصعب تفسيرها؛ يكون من الضروري استعراض ما جرى من مفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية الدول الكبرى من جهة؛ وإيران من جهة أخرى؛ وصولا الى المحادثات الحالية التي عادت الى الحياة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية في 2025.
دول معروفة
في 14تموز/يوليو 2015؛ خلال فترة رئاسة الرئيس باراك أوباما للفترة (2009–2017 )؛ إذ
تم التوقيع على الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران؛ وشارك في الاتفاق أيضًا؛ «مجموعة الدول المعروفة بـ 5+1؛ وهي؛ (الولايات المتحدة؛ والمملكة المتحدة؛ فرنسا؛ وروسيا؛ والصين؛ وألمانيا)؛ وقد تم الاتفاق في العاصمة النمساوية فينا»؛ وكان الهدف من الاتفاق هو الحد من البرنامج النووي الإيراني؛ حيث وافقت ايران على بيع مخزونها النووي الذي وصل مستواه الى 20٪ الى روسيا؛ وعدم تخصيب اليورانيوم لنسبة تصل الى 3.67٪ كحد أعلى؛ مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران؛ واستمر هذا الاتفاق ساريا؛ حتى انتهاء رئاسة بارك اوباما للولايات المتحدة في 2017.
بعد تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة للفترة الاولى (2017-2021)؛انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران؛ في 8 آيار/ مايو 2018؛ وقد كانت أسباب الانسحاب وفقا لما أعلنته الإدارة الأمريكية آنذاك؛» عدم كفاية الاتفاق؛ إذ اعتبر الرئيس ترامب أن الاتفاق لا يمنع إيران من تطوير سلاح نووي على المدى الطويل؛ بل يؤجل ذلك فقط، وان الاتفاق لم يتضمن أي قيود على برنامج إيران لتطوير الصواريخ الباليستية؛ وهو ما اعتبرته الإدارة الأمريكية تهديدًا للأمن الإقليمي، واتهمت واشنطن إيران بدعم جماعات مسلحة في الشرق الأوسط مثل حزب الله والحوثيين والمليشيات المسلحة في العراق وسوريا؛ وقالت إن الأموال التي حصلت عليها إيران بعد رفع العقوبات تُستخدم في (زعزعة الاستقرار) بالمنطقة»، وأعلن الرئيس ترامب في حينها؛ أنه يفضل التفاوض على اتفاق جديد يشمل جميع هذه القضايا؛ وليس فقط البرنامج النووي»، وعادت الولايات المتحدة بعد الانسحاب؛ الى فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران؛ مما أدى إلى تصاعد التوتر بين البلدين.
كان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؛ نقطة تحول كبرى في العلاقات مع إيران، وأدى إلى سلسلة من النتائج المباشرة والطويلة المدى؛ وكانت له نتائج وتداعيات كبيرة على إيران والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، إذ تضمنت نتائج الانسحاب على إيران: تدهور اقتصادي كبير؛ بعد ان أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية صارمة؛ خاصة على قطاع النفط والبنوك.
عملة ايرانية
وانخفضت صادرات النفط الإيرانية بشكل حاد؛ ما تسبب في نقص كبير بالعملة الصعبة وتدهور العملة الإيرانية، وواجهت الحكومة الإيرانية ضغوطاً داخلية؛ وانتقادات من التيارات المحافظة التي رأت أن الاتفاق كان فاشلاً؛ واندلعت احتجاجات داخل إيران بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وبدأت إيران تدريجياً في تقليص التزاماتها ضمن الاتفاق؛ من خلال زيادة تخصيب اليورانيوم؛ إذ وصلت نسبة التخصيب الى 60٪؛ وتوسيع أنشطة أجهزة الطرد المركزي وزيادة أعدادها، أما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية: فقد تراجعت الثقة الدولية بها؛ واعتُبِر الانسحاب من الاتفاق تقويضاً للجهود الدبلوماسية المتعددة الأطراف؛ مما أثّر على مصداقية أمريكا في التفاوض؛ وتوترت العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) ، وتصاعدت حدة التوترات الأمنية في الشرق الاوسط؛ فوقعت هجمات على ناقلات نفط ومرافق نفطية في الخليج بالهجوم على بعض منشآت شركة أرامكو النفطية في السعودية 2019 واتُّهمت إيران بتنفيذها؛ وزادت فرص المواجهة العسكرية المباشرة بين أمريكا وإيران، خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني في 2020، اما تداعيات الانسحاب على الشرق الأوسط؛ فقد تضمن: زيادة التوترات الإقليمية؛ من خلال توسع النفوذ الإيراني في دول مثل العراق وسوريا ولبنان؛ إذ أصبح هذا التوسع محور قلق متزايد لدول الخليج؛ وكذلك دعم إيران لوكلائها في المنطقة (الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا والعراق)؛ وتصاعدت مخاوف من احتمال سعي دول أخرى (مثل السعودية) للحصول على تكنولوجيا نووية لموازنة النفوذ الإيراني، من جهة أخرى فقد ساهم الانسحاب الامريكي من هذا الاتفاق؛ بشكل غير مباشر؛ في تعزيز علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل تحت مظلة مواجهة «التهديد الإيراني»؛ مما مهّد لتطبيع العلاقات وفقا «للاتفاقيات الإبراهيمية في 2020.»
خلال فترة رئاسة جو بايدن (2021-2025)؛ عادت المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بهدف إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني؛ وتحسين العلاقات بين البلدين؛ وتمت في» العاصمة النمساوية فينا»؛ إذ سعت إدارة بايدن إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني؛ الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018، وطلبت من إيران الالتزام بالاتفاق النووي وضمانات نووية أخرى، في حين طالبت إيران برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة عليها، وقد شهدت المفاوضات تقدما في بعض النقاط؛ ولكنها واجهت أيضًا تحديات بسبب الخلافات بين الطرفين؛ وتوقفت المفاوضات؛ في آب/أغسطس 2022؛ بسبب الخلافات، «حول؛ رفع العقوبات عن إيران؛ والضغوط الداخلية التي واجهت إدارة بايدن من قبل الكونغرس والجمهوريين، والتوترات الإقليمية؛ وإستمرار ايران بدعم نظام بشار الاسد؛ والمليشيات المسلحة في المنطقة، والتفاوت في المواقف بين الطرفين حول قضايا البرنامج النووي الإيراني والضمانات النووية،» فقد أدت هذه الاسباب مجتمعة الى عدم التوصل إلى اتفاق نهائي.
بعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب ولايته الثانية في 2025؛ أعلن عن استئناف المفاوضات مع ايران بما يتعلق بمشروعها النووي؛ مدعياً برغبته إنهاء الحروب والنزاعات في الشرق الاوسط؛ وبأنه سيكون رجل السلام في العالم؛ وطموحه في الحصول على جائزة نوبل للسلام؛ وحقيقية الامر؛ فإنه ومنذ فترة الانتخابات؛ أكد مرارًا أنه «يريد إبرام اتفاق جديد مع إيران» وليس لديه «نية لخوض حرب مع إيران»، إلا أنه بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة؛ وقبل الشروع بالمفاوضات قام بتنفيذ عدة إجراءآت بهدف تحقيق ما يسمى (المفاوضات بالقوة)؛ فقد أعلن عن توقيعه على الأمر التنفيذي لإعادة تنفيذ سياسة «الضغط الأقصى على إيران»؛ مُصرِّحاً بأنه «غير سعيد بالتوقيع عليه»؛ وأصدر أوامره بتعزيز انتشار القوات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط والمحيط الهندي ؛ وابرزها حاملة الطائرات هاري ترومان؛ والطائرات القاذفة بي-2 ووصولها الى القاعدة الأمريكية في دييغو غارسيا في المحيط الهندي .
وطائرات الاسناد الجوي التعرضي A-10؛ وتنفيذ عدد من الضربات الجوية المكثفة على الحوثيين في اليمن؛ ملوحاً بأن الخيار العسكري ضد ايران سيدخل حيز التنفيذ في حال عدم التوصل الى الاتفاق النووي الجديد معها؛ محددا فترة شهرين للمفاوضات؛ بدأت مع اول جولة محادثات بين الطرفين في عُمان في 12 نيسان/ابريل الجاري، يقابله في ذلك اعلان ايران عن رغبتها في إجراء المفاوضات النووية بصورة متكافئة وان
لا تُظهِرها هذه المفاوضات بموقف الضعيف، ويبدو ان ترامب حقق نجاحا ملموساً في سياسته هذه؛ من خلال تقديم ايران عروضاً استثمارية للولايات المتحدة الأمريكية؛ تصل الى مبلغ 2 ترليون دولار؛ كما صرح به مسؤول حكومي إيراني مطلع على ملف المفاوضات الإيرانية الأمريكية لـ(عربي بوست) : «بعد أوقات عصيبة وعناد من الجانبين؛ التي دفعت بالمفاوضات إلى الانتهاء قبل بدئها؛ وصلنا إلى حل الصفقة الاقتصادية؛ والتعامل مع ترامب على أنه رجل أعمال وتاجر وليس سياسياً؛ والإيرانيون أيضاً تجار جيدون»، على حد قوله.
يُمثل استئناف المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وايران بجولتيها الاولى في مسقط عُمان بتاريخ 12 نيسان/أبريل الجاري؛ والثانية في 19 منه؛ والتي تم عقدها في السفارة العُمانية» بالعاصمة الايطالية روما»؛ تطوراً هاماً؛ في العلاقات الامريكية الايرانية؛ منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018؛ وقد جرت في أجواء بناءة؛ ووصف الجانبان المحادثات بأنها «إيجابية وبناءة»، واتفقا على مواصلة الحوار بجولة ثالثة؛ الاسبوع القادم في مسقط؛ إلا ان هذه المفاوضات رغم التصريحات بإيجابيتها؛ لاتزال يشوبها الكثير من الشكوك بجدواها؛ فقد أبدى المبعوث الأمريكي الخاص «ستيف ويتكوف» في البداية استعداده لقبول اتفاق يحد من تخصيب اليورانيوم الإيراني عند مستوى منخفض (3.67%)؛ على غرار الاتفاق النووي السابق؛ إلا أنه صرّح لاحقاً؛ بأن أي اتفاق سيتطلب من إيران؛ «وقف برنامجها للتخصيب والتسليح النووي والقضاء عليه»، في الوقت الذي صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي؛ أن طهران مستعدة لمعالجة المخاوف الأمريكية؛ مؤكدا أن «مبدأ التخصيب بحد ذاته غير قابل للتفاوض»؛ وأكد أن لإيران حقها في الطاقة النووية السلمية؛ ولن تقبل بشروط تمس سيادتها.
ومن المؤكد فإن هدف الولايات المتحدة يركز على منع إيران من الحصول على سلاح نووي؛ وقد صرح «المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف» بأن المحادثات المستقبلية ستركز على التحقق من البرنامج النووي الإيراني؛ عزز ذلك وصول رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ «رافائيل غروسي»؛ إلى طهران في
16 نيسان/ أبريل 2025؛ لإجراء محادثات من المرجح أن تشمل مناقشات حول وصول مفتشي الوكالة إلى المنشآت النووية الإيرانية بموجب أي اتفاق محتمل؛ بعد ان أشارت بعض المعلومات إلى أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج العديد من الأجهزة المتفجرة النووية إذا اختارت القيام بذلك، في الوقت الذي تسعى إيران إلى تخفيف العقوبات والاعتراف بحقها في برنامج نووي سلمي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
من المؤكد انه لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الأهداف المعلنة لواشنطن وطهران؛ فالولايات المتحدة، في ظل الإدارة الحالية تؤكد على؛ «التفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية؛ ووقف تطوير الصواريخ الباليستية؛ وإنهاء الدعم لأذرع إيران ومليشياتها في المنطقة، «، في الوقت الذي ترفض إيران باستمرار هذه المطالب الأوسع؛ مما ادى الى انعدام الثقة المتبادل؛ في ظل ضغوطاً داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي؛ فإن المتشددون في إيران حذرون من أي تنازلات للولايات المتحدة، بينما في واشنطن؛ توجد شكوك حول؛ «الدخول في اتفاق لا يلغي تمامًا قدرات إيران على التخصيب، وعلى الصعيد الخارجي فإن هذا الوضع المتأرجح والقلق يزيد من التوترات بين واشنطن وحلفائها الاوربيين ؛ نتيجة استبعاد الادارة الامريكية الجديدة لكل من ( بريطانيا وفرنسا والمانيا) بعد ان كانوا لاعبين مؤثرين في الاتفاق النووي السابق عام 2015؛ والتي عبّرت عن استيائها من استبعادها؛ واعتبرت أن ذلك يضعف الجهود الدولية لإعادة ضبط العلاقة مع إيران ويزيد خطر التصعيد؛ ولم تتمكن أوروبا في اقناع واشنطن على تغيير هذا النهج، ولا شك فإن هذا التغير الامريكي يعكس تحولًا في تكتيكها؛ ويرتكز على أولويات جديدة، لأن إدارة ترامب تؤمن؛ «بأن المفاوضات متعددة الأطراف تُضعف موقف الولايات المتحدة؛ وتؤدي إلى مساومات غير مجدية؛ لهذا السبب؛ فضّلت واشنطن إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة (أو غير مباشرة عبر وسطاء مثل سلطنة عُمان)؛ لتفادي الضغوط الأوروبية أو التباينات بينهم؛ ويرى ترامب وفريقه أن الأوروبيين يميلون إلى التهدئة والتطبيع مع طهران ما يتعارض مع سياسة «الضغط الأقصى» التي يتبناها؛ كما ان استبعاد الأوروبيين سمح بإبقاء المباحثات في إطار مغلق؛ والتحكم الكامل في توقيت وشروط الإعلان عن النتائج؛ بالاضافة الى ان المفاوضات لم تعد تشمل الملف النووي فقط؛ بل تشمل ملفات أخرى؛ مثل
النفوذ الإقليمي لإيران (في العراق وسوريا ولبنان واليمن)؛ وتهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر؛ إن أهم ما يؤمن به ترامب وإدارته هو التنسيق الاقتصادي للصفقات الاستثمارية مع إيران بعد توقيع الاتفاق، وبطبيعة الحال؛ فإن هذه الملفات تمس المصالح الأمريكية المباشرة؛ ولا ترى واشنطن ضرورة لإشراك الأوروبيين فيها.
ومع ذلك؛ لا يزال الوصول إلى اتفاق شامل طريقه صعبًا نظراً للاختلافات الجوهرية في الأهداف وانعدام الثقة المتجذر؛ ستكون الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة؛ في تفسير هذه القصة وحل أُحجيتها؛ وتحديد ما إذا كانت هذه الإشارات الإيجابية الأولية ستُترجم إلى تقدم ملموس في الحد من البرنامج النووي الإيراني؛ وضمان الاستقرار الإقليمي في المنطقة؛ فالسيناريو الأقرب حتى الآن: استمرار الدوران في حلقة مفرغة؛ وذلك لانعدام الثقة العميق بين الطرفين؛ فإيران لا تثق بأي إدارة أمريكية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي 2018 حتى لو وقّعت واشنطن اتفاقًا جديداً وإن طهران تخشى أن تنسحب أي إدارة امريكية لاحقة من الاتفاق في حالة إبرامه؛ كما إن واشنطن لا تثق بإيران بسبب استمرارها في تخصيب اليورانيوم وتهديداتها الإقليمية، بالاضافة الى تباعد الاهداف بين الطرفين، فأمريكا تريد (صفقة شاملة)؛ «تشمل الملف النووي والصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي؛ بينما ايران تريد رفع العقوبات مقابل التزامات نووية فقط دون التطرق لبقية الملفات» ، كما إن دونالد ترامب؛ يسعى لصفقات تظهره قويًا داخلياً لا لتسويات تُفسَّر على أنها تنازل؛ في حين أن إيران تمر بأزمات اقتصادية داخلية تجعلها حذرة في تقديم تنازلات قد تثير الداخل ضد نظامها الحاكم ، بالاضافة الى ضغوط الحلفاء الإقليميين؛ فإسرائيل ودول الخليج تعارض أي اتفاق لا يشمل برنامج إيران الصاروخي وتدخلاتها الإقليمية مما يصعّب على واشنطن تقديم «صفقة مخففة».
إن عدم نجاح هذه المفاوضات سيبقي دول الشرق الأوسط غارقة في دوامة عدم الاستقرار؛ لان ترامب اعلن بأن الخيار العسكري سيكون جاهزاً إذا لم يتم التوصل الى اتفاق مع ايران بشأن ملفها النووي؛ بعد انتهاء مدة الشهرين التي حددها لحسم هذا الاتفاق؛ متزامناً ذلك مع أعلان الكيان الصهيوني استعداده لتنفيذ هجمات تستهدف المنشآت النووية الايرانية والتي تأجلت بطلب من واشنطن، بالمقابل فإن إيران تهدد باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في دول «مثل قطر والبحرين والكويت والإمارات والعراق؛ بالاضافة إلى إمكانية استهداف منشآت اقتصادية واستراتيجية؛ مثل حقول النفط والمطارات والموانئ،
إن هذه التهديدات ستكون انعكاساتها خطيرة على دول المنطقة وشعوبها، وستؤدي كذلك الى أزمة عالمية سياسية وأقتصادية بتهديد ألابار والمنشآت النفطية في المنطقة؛ بالتزامن مع الأزمات الاقتصادية المتفاقمة عالمياً... ونحن بإنتظار ما ستؤول اليه جولة المحادثات الثالثة المزمع إنعقادها في مسقط مرة ثانية..
والله المستعان.