عيد المرأة ليس يوما يتيماً
إيناس البدران
لم تتعرض شريحة مجتمعية للقهر والاستغلال كما تعرضت النساء اللائي مازلن يراوحن ما بين مدّ وجزر..لتصارع المرأة بمفردها الوان الظلم والاضطهاد محكومة بأعراف بائدة ونظم سياسية متخلفة، فما تحصل عليه من فتات الحقوق في صحوات شحيحة من الزمن سرعان ما تفقدها وتسلب منها تحت اية مسميات او ذرائع لتبدأ من جديد رحلتها السيزيفية .كل هذا لم يحل دون استمرارية كفاحها من اجل المشاركة في صنع الحياة واجتراح معجزتها..ظهرت فكرة اليوم العالمي للمرأة بداية القرن الماضي بعد ان شهد العالم الصناعي توسعا ونموا سكانيا وإضطرابات عديدة افرزتها المتغيرات السياسية والاقتصادية ..والحق ان الاحتفاء بهذا اليوم لم يأت من فراغ انما جاء ثمرة لكفاح طويل ليس اوله تظاهرة عاملات النسيج في الولايات المتحدة الامريكية احتجاجا على حرق زميلات لهن من قبل رب العمل!! لمطالبتهن بحقوقهن،وحتى خروج الاف العاملات في مسيرة اخترقت شوارع نيويورك في الثامن من آذار من عام 1908 وما اعقبه من اضراب 1909 لما يقرب من ثلاثة عشر اسبوعا،ووفقا لاعلان الحزب الاشتراكي الامريكي جرى في العام ذاته الاحتفال بأول يوم وطني للمرأة في الولايات المتحدة الامريكية ،ثم شهد عام 1910 يوما للمرأة ذا طابع دولي اذ تم اعلانه من قبل الاشتراكية الدولية بكوبنهاكن تشريفا للحركة الداعية لحق المرأة بالمساواة وحق الاقتراع..منذ تلك السنوات اخذ اليوم العالمي للمرأة بعدا عالميا وانسانيا جديدا في البلدان المتقدمة والنامية على السواء حتى عدّ الثامن من آذار عيدا لكل نساء الارض على اختلاف الاديان والاجناس والقوميات.وتحول هذا اليوم الى رمز للمرأة والعدالة والسلام لاسيما بعد ان تبنته هيئة الامم المتحدة في ميثاقها التأسيسي عام 1945 الذي كان اول اتفاق عالمي ينص على ضرورة المساواة بين الجنسين كونها جزءا لايتجزأ من حقوق الانسان.وبمقارنة بسيطة مع العالم نجد ان نصيب المرأة العربية من التعليم هو الادنى .
معاناة مزمنة
كما ان مشاركتها في الاقتصاد والعمل لاتتجاوز 20 بالمئة اضافة الى ما يترتب عليه من معاناة مزمنة من الثالوث المعرّف بالفقر والمرض والجهل..والامية بأشكالها و بنسب اعلى ليشمل ذلك العنف الاسري والمجتمعي والوظيفي والدولي المتمثل بالحروب والصراعات المسلحة التي تطال بجحيمها قطاعا واسعا من النساء ..يقاس رقي اي مجتمع بمقدار ما تتمتع به المرأة فضلا عن الطفل من حقوق وضمانات وتقدير ،ذلك ان مشكلات المرأة هي انعكاس لاوضاع المجتمع وجزء من اشكاليته ،لذا لايمكن النهوض به من دون النهوض بواقعها عبر تمكينها وتوفير فرص التعليم واكتساب المهارات والخبرات التي تأهلها للعمل بصورة متكافئة مع الرجل،مع الاخذ بنظر الاعتبار حاجة العديد من النساء لضمان اجتماعي شامل يضمن لهن الحد الادنى من الحياة الكريمة و التأكيد على اهمية مشاركة المرأة بمختلف مناحي الحياة وعلى الصعد كافة بما في ذلك الاسهام الفاعل في عملية صنع القرارات وعلى كل المستويات لضمان وتنمية حقيقية مستدامة..مازال اليوم العالمي للمرأة يمثل مناسبة لتقويم التقدم المنجز في اي بلد على صعيد اوضاع المراة ودعوة للتغير البناء ومراجعة ما انجزته في شتى المجالات بفضل شجاعتها وإصرارها وحبها للحياة..وهو ايضا مناسبة للتذكير بضرورة تبني برامج واستراتيجيات تسعى للنهوض بواقعها وعدم اقتصارها على شعارات جوفاء واختزالها بيوم يتيم في السنة.