تنبيهات لغوية صوتية

لطيف القصاب 

لا يخفى على أحدٍ أنّ الصوت هو أهم عناصر اللغة؛ بل هو حجر الزاوية في أوّل تعريف جامع مانع وردنا من طريق كتب التراث المعتبرة، ويُنسَب إلى عبقري زمانه أبي الفتح عثمان بن جِنّيّ -المتوفى 392 هجرية- فاللغة عند ابن جنّي رحمه الله تعالى هي: ((أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم)).

وقد تعرّضت (بعض) أصوات العربيّة إلى تبدّلات صوتيّة عبر العصور، من ذلك ما أصاب صوت ( الضاد) في بيئات عربيّة مختلفة منها منطقة العراق والخليج؛ إذ يُنطق الضاد فيها ظاءً حتى على مستوى (قرّاء) القرآن الكريم، وليس في هذا (المزج) الصوتي مدعاة لأي استهجان أو استغراب، فمن العرب الأقحاح مَن كان لا يميّز بينهما (نُطْقًا) منذ حقب طويلة، وفقًا لإفادات بعض معاجم الأولين.  وما حدث للضاد لدينا حدث ما يضارعه للقاف، والسين، والثاء، وغيرها لدى المصريين مثلًا لا سيّما على مستوى اللهجة الدارجة، ولكن ما يُلاحظ عندنا خاصّة في نطاق بعض الإعلاميين الشباب أنّهم ينطقون الضاد بهيئة ( الدال المفخّمة) تشبّها بالسوريين، ونحوهم، وهذا خطأ محض إذا ما احتكمنا لمخرج الضاد عند سيبويه... وثمة خطأ صوتي آخر يلحق النطق بصوت الجيم هذه المرّة لدى بعض الإعلاميين العراقيين الذين يُحيلونه إلى (حرف شمسي) فيقولون: (أجّبل) بدلًا من (الجبل)، و(أجّيل) بدلا من (الجيل)، و(أجّولانيّ) بدلا من (الجولانيّ)، وهكذا... وقد لاحظتُ قبل أيّام أنّ مذيعًا في إحدى إذاعتنا المحليّة ينطق كلمة (الاتِّجار)، وهي على وزن الافتعال، ينطقها بتسكين التاء لا بتشديدها مع الكسر! فيقول: (الاتْجَار) بدلًا من (الاتِّجار). و(المصيبة) أنّ المذيع الألمعي هذا يردّد هذه الكلمة، أي (الاتَّجار)، يرددها  بنطقها المشوّه يوميًّا مرارًا وتكرارًا؛ وكأنّ القائمين على إدارة تلك الإذاعة – كما يبدو- لم يجدوا غير هذا الشخص تحديدًا لقراءة إعلان مهم للغاية، وضروري للغاية يهمّ شريحة واسعة جدًا من المواطنين، ويتضمن ذكر تلك الكلمة التي عرضنا توًا لطبيعة نطقها (الغريب العجيب)، وذلك في سياق التنبيه من خطر الاتِّجار بالمخدرات... 

ملاحظة: تنبعث القوّة اللغوية التي تميّز الأجيال السابقة قياسًا بالجيل الحاضر من مصادر شتى؛ منها أّنّهم كانوا يقرأون كتبًا، ومجلّات، وجرائد لم تكن لتصدر قبل أن تُفحص فحصًّا لغويًّا صارمًا، كما أنّهم كانوا ينتظرون (المذيع) ليتعلموا منه النطق السليم للكلمات الأكثر صعوبة بحسب تعبير الأكاديمي الأديب حسن الخاقاني.