الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قيس الزبيدي، مثالاً على عشق الحرية ومرارة الغربة

بواسطة azzaman

قيس الزبيدي، مثالاً على عشق الحرية ومرارة الغربة

نزار محمود

 

لا‭ ‬أدعي‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬المخرج‭ ‬والمصور‭ ‬السينمائي‭ ‬قيس‭ ‬الزبيدي‭ ‬كثيراً‭ ‬جداً‭. ‬عرفته‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬ولم‭ ‬التقيه‭ ‬كثيراً‭. ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬جرى‭ ‬نقل‭ ‬جثمانه‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭ ‬التي‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬حيث‭ ‬يوارى‭ ‬الثرى‭ ‬بعد‭ ‬غربة‭ ‬ناهزت‭ ‬الستين‭ ‬عاماً‭.‬

مقالي‭ ‬الذي‭ ‬سأتخذ‭ ‬من‭ ‬صديقنا‭ ‬الراحل‭ ‬قيس‭ ‬الزبيدي‭ ‬مناسبة‭ ‬له،‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬عشرات‭ ‬ومئات‭ ‬العراقيين‭ ‬من‭ ‬فنانين‭ ‬وكتاب‭ ‬ومفكرين‭ ‬ومثقفين‭ ‬وعلماء‭ ‬ضيعهم‭ ‬عنت‭ ‬السياسة‭ ‬وأرهبهم‭ ‬بوليسها،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وأضاعتهم‭ ‬أحلامهم‭ ‬وأوهامهم‭ ‬وعناداتهم‭ ‬في‭ ‬منافي‭ ‬أرض‭ ‬الله‭ ‬الواسعة‭ ‬مهاجرين‭ ‬غرباء‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

لو‭ ‬تصفحنا‭ ‬التاريخ‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هجرها‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬لوجدناها،‭ ‬منطقياً،‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬ديكتاتوريات‭ ‬أو‭ ‬أنظمة‭ ‬شمولية‭ ‬بوليسية‭ ‬وقمعية‭. ‬هذه‭ ‬الديكتاتوريات‭ ‬والأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬العيش‭ ‬أو‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وتجد‭ ‬فيه‭ ‬تهديداً‭ ‬وجودياً‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬معرقلاً‭ ‬لتحقيقها‭ ‬لما‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬دوغماتية‭ ‬أو‭ ‬نزوات‭ ‬حكام‭.‬

أعيش‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً،‭ ‬وقد‭ ‬تعرفت‭ ‬وزاملت‭ ‬وتصادقت‭ ‬مع‭ ‬ألوان‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬ممن‭ ‬هجر‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عهود‭ ‬مختلفة،‭ ‬حتى‭ ‬منذ‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭. ‬فهذا‭ ‬تقدمي‭ ‬وذاك‭ ‬رجعي،‭ ‬هذا‭ ‬بعثي‭ ‬وذاك‭ ‬شيوعي،‭ ‬هذا‭ ‬سلفي‭ ‬وذاك‭ ‬ليبرالي،‭ ‬وهذا‭ ‬سني‭ ‬وذاك‭ ‬شيعي‭. ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬تجمعات‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬تجمعهم‭ ‬لغات‭ ‬سياسية‭ ‬خاصة،‭ ‬وتدور‭ ‬على‭ ‬ألسنتهم‭ ‬تذمرات‭ ‬وآهات‭ ‬متميزة،‭ ‬وتعينهم‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الغربة‭ ‬أحلام‭ ‬وأوهام‭.‬

من‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تعرف‭ ‬على‭ ‬قيس‭ ‬الزبيدي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬ابداعات‭ ‬الرجل‭ ‬وعطاءه‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السينما‭ ‬وأدبها‭. ‬عندما‭ ‬انهى‭ ‬دراسته‭ ‬وتدريبه‭ ‬في‭ ‬المانيا‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬وسبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وقرر‭ ‬عدم‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬بسبب‭ ‬رؤيته‭ ‬ونشاطه‭ ‬السياسي‭ ‬المخالف،‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬والفلسطينية‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬وابداع‭ ‬فني‭ ‬وأدبي‭ ‬تميز‭ ‬بالنوعية‭ ‬والجودة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العمل‭ ‬الكم‭.‬

ما‭ ‬أريد‭ ‬مشاركة‭ ‬القارىء‭ ‬في‭ ‬تأمله‭ ‬هو‭ ‬حياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬ابنائنا‭ ‬الذين‭ ‬ابتعلتهم‭ ‬حياة‭ ‬الغربة‭ ‬بين‭ ‬قهر‭ ‬وتعسف‭ ‬وأمل‭ ‬ووهم،‭ ‬وموقف‭ ‬انظمتنا‭ ‬ومؤسساتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬والعربية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النزف‭ ‬والدم‭ ‬الضائع‭!‬


مشاهدات 34
الكاتب نزار محمود
أضيف 2025/01/15 - 9:38 PM
آخر تحديث 2025/01/16 - 5:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 226 الشهر 7226 الكلي 10197191
الوقت الآن
الخميس 2025/1/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير