الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طريق التنمية .. هل يمكن عراقياً ؟

بواسطة azzaman

طريق التنمية .. هل يمكن عراقياً ؟

نصيف الخصاف

 

بتاريخ 22 ابريل/نيسان 2023 تم توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون في «مشروع طريق التنمية» ، بحضور رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والمشروع بالطريقة المعلنة (مشاركة وتمويل أطراف عربية وأجنبية) لن يكون مجدياً للعراق، خاصة وأن ما يتم تداوله هو أن العراق لن يحصل إلا على ما يقارب ربع الواردات المتحققة من المشروع عند إكماله، كما أن المعلومات المتوفرة عن المشروع  - يطلق عليه أحياناً- مشروع «القناة الجافة» يتضمن طريق نقل سككي وطريق نقل بري يبلغ طوله حوالي 1200 كم ، يبدأ من ميناء الفاو جنوبأً ، الى الحدود التركية في منطقة فيشخابور، وتشير هذه المعلومات، إلى أن المشروع سينفذ على ثلاث مراحل، تكتمل الأولى عام 2028، ثم المرحلة الثانية عام 2038، في حين ستكتمل المرحلة الثالثة عام 2050 عند اكتمال مشروع ميناء الفاو، لكن بطؤ تنفيذ المشروع وآلية تنفيذه ومشاركة أطراف أخرى في التمويل والتنفيذ يجعله غير ذي جدوى للعراق.

أما كيف يمكن أن يكون المشروع عراقياً خالصاً ، سواء بالتمويل أو التنفيذ، أو الإدارة، وبالتالي جني فوائده المتوخاة منه؟ هذا المقال هو للإجابة عن هذه التساؤلات.

كلفة المشروع

في مشاريع مد طرق النقل وسكك الحديد ، تمثل كلفة العمل (الأيدي العاملة، وأجور الآليات، والنقل) أكثر من 60 بالمئة من كلفة المشروع إن لم تزد على ذلك. والسؤال المهم هنا هو، هل يمكن توفير  60بالمئة من كلفة مشروع طريق التنمية، دون أية إضافة على الموازنة؟ الجواب بكل تأكيد نعم، وسأبين ذلك بالتفصيل.في قانون الموازنة لسنة 2023 تمت إضافة عدد يساوي (810,863) موظفاً على ملاك موظفي الدولة في القطاع العام، علماً أن أغلب الوزارات والمؤسسات الرسمية العراقية تعاني ترهلاً وظيفياً كثيراً ما صرح به أكثر من وزير وأكثر من مسؤول في الحكومات السابقة، كما أن إنتاجية الموظف العراقي قبل هذه الزيادة كانت 17 دقيقة باليوم، حسب تقديرات البنك الدولي ودراسات أكاديمية أخرى مستقلة، ما يعني أن إضافة هذا العدد لا مبرر له وسيقلل إنتاجية الموظف إلى نسبة أدنى من 17 دقيقة باليوم، وسيكون عبئاً مضافاً على ميزانية الدولة، خاصة إذا عرفنا أن معدل راتب كل موظف منهم حوالي (700 الف دينار) فيكون مجموع ما سيتقاضوه شهرياً (700*810,863 = 567،604،100 الف دينار) (خمسمائة وسبعة وستون مليار، وستمائة وأربعة ملاييين، ومائة الف دينار) فإذا ضربنا هذا الرقم بعدد أشهر السنة يكون المبلغ (6،811،249،200 الف دينار) (ستة ترليونات وثمانمائة وأحد عشر مليارومئتان وتسعة واربعون مليون ومئتا الف دينار) كل عام، وبما أن إضافة هذا العدد من الموظفين غير مبرر أصلاً، وغير منتج من كل النواحي، ما يعني إمكانية إستخدام هذا العدد من الموظفين خصيصاً لهذا المشروع، وبذلك لن نضيف أية أعباء إقتصادية على الموازنة ، وكل ما فعلناه هوإدارة الأيدي العاملة والموارد المالية بطريقة أكثر إنتاجية. وليس هذا فقط بل يمكن أن نأخذ عدداً إضافياً من كل وزارات الدولة التي تعاني ترهلاً وظيفياً، وإضافته إلى القوى العاملة في المشروع ما دمنا جادين في أن يكون المشروع عراقياً تمويلاً وتنفيذاً.

يمكن تقسيم القوى العاملة التي سيصل عددها أو يزيد على المليون، إلى ثلاث وجبات عمل متعاقبة في مواقع العمل ليستمر العمل فيها على مدار الساعة ما يختزل مدة اتنفيذ إلى ثلث المدة المحسوبة فيما لو تم تنفيذه بوجبة عمل واحدة.في كتابي (التنمية المضاعفة....ثورة بلا عنف) طرحت طريقة جديدة للتعاطي مع القوى العاملة والوقت بما يختزل وقت تنفيذ كافة مشاريع الدولة إلى الثلث، خاصة مشاريع البنى التحتية التي نحتاج إلى تسريع وتيرة العمل فيها، وبينت كيف يمكن أن يسهم ذلك في تقليص ما أسميه «الفجوة التنموية» بيننا وبين دول العالم المتقدمة لأن كل الدول تتقدم بوتيرة ثابتة، ولغرض اللحاق بها يجب التفكير بطريقة إستثنائية تختزل  الزمن وتستفيد إلى أقصى الحدود مما هو متوفر من قوى عاملة وموارد وإدارتها بطريقة منتجة، ومغادرة  الطريقة التقليدية في إدارة الوقت والموارد والأيدي العاملة. لذلك أحث القائمين على هذا المشروع على ترك الطريقة التقليدية في تنفيذ وتمويل هذا المشروع ليكون مشروعاً عراقياً خالصاً دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين الذين سيقدمون «مساعدتهم» للإستحواذ على الموارد المتوقعة منه على حساب ما يمكن أن يجنيه العراق.

مروجو فكرة التمويل من بعض دول الجوار يستندون في ترويج فكرتهم على عدم قدرة العراق على تمويل المشروع، وقد بينت أعلاه، كيف يمكن الإستفادة من القوى العاملة المتوفرة حالياً في الوزرارات ، خاصة ما تمت إضافته من قوى عاملة غير مبررة في قانون موازنة 2023 ما يوفر تقريباً 60 بالمئة  من كلفة المشروع، والسؤال الذي طرح من قبل عدد من الأصدقاء والمهتمين هو كيف يمكن تمويل ما تبقى من كلفة المشروع خاصة ما يتعلق منها بمشتريات المواد الداخلة بالعمل؟

ثمة تخصيصات مالية لبعض الوزارات في أغلب قوانين الموازنات في السنوات السابقة «ليس لها ما يبررها» وهو الطف وصف يمكن أن أصف به تلك التخصيصات، وسأثبت للقراء كيف يمكن أن نمول عشرة مشاريع بحجم مشروع طريق التنمية بمجرد أن تكون لدينا إدارة جيدة ورشيدة للأموال بالإضافة إلى الأيدي العاملة والوقت، كما بينت أعلاه.

قوى عاملة

الجدول التالي يبين التخصيصات المالية والقوى العاملة لوزارة الكهرباء للسنوات من 2005 ولغاية 2023 نلاحظ فيه أن النفقات التشغيلية للوزارة للسنوات من 2005 ولغاية 2007 تتراوح بين 106 -112 مليار الف دينار والقوى العاملة في حدود 590 موظف، ويرتفع عدد القوى العاملة فجأة ليصل في عام 2008 الى  11,719 موظف لكن التخصيصات المالية التشغيلية التي من المفترض أنها ترتفع لتغطي رواتب الزيادة بعدد الموظفين تبقى على حالها دون تغييرما يشير إلى وجود خلل في الموازنة التشغيلية لتلك السنة. لكن الأغرب أن القوى العاملة ترتفع في سنة 2009 لتصل إلى  18,290 موظف، لكن الغريب أن تخصيصات النفقات التشغيلية ترتفع إلى    2,726,151,626 الف دينار، أي ما يعادل 25 ضعف موازنة أي سنة من السنوات الخمس التي سبقتها مع أن رواتب الموظفين على رغم عددهم غير المنطقي في تلك السنة يساوي  ( 277,589,232  الف دينار) (مئتان وسبعة وسبعون ملياروخمسمائة وتسعة وثمانون مليون ومئتان وأثنان وثلاثون الف دينار) أي أن الزيادة في تخصيصات تلك السنة في الموازنة التشغيلية رغم التضخم غير المبررلعدد الموظفين فيها تبلغ حوالي (2,5 ترليون الف دينار).

والأشد غرابة أن عدد القوى العاملة في قانون موازنة 2010 يتقلص فجأة ليصل إلى 648 بينما تزداد تخصيصات الموازنة التشغيلية عن السنة التي سبقتها لتصل إلى (  2,806,892,157 الف دينار) رغم أن عدد القوى العاملة يساوي تقريباً 1/28 من عددهم في السنة التي سبقتها، أي أن تخصيصات النفقات التشغيلية التي من المفترض أنها تتناسب مع عدد القوى العاملة لتغطي رواتبهم توضع بطريقة ليس لها علاقة بالعدد الفعلي للقوى العاملة، ما يعني وجوب وجود فائض في التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية لهذه السنة يزيد على السنة التي سبقتها.

ومن الجدول أدناه نلاحظ أن التخصيصات للنفقات التشغيلية للسنوات بين 2011 و2016 تزداد بوتيرة معقولة، رغم أنها أكثر كثيراً من الحاجة لتغطية رواتب الموظفين في تلك السنوات، لكن الأمر الغريب أن النفقات التشغيلية في سنة 2017 تزداد تقريباً الى الضعف بينما يقل عدد القوى العاملة تقريباً الى النصف! وتبدأ النفقات التشغيلية بالإرتفاع سنوياً بمقدار 1 الى 2 ترليون الف دينار لتصل في سنة 2023 إلى 11,610,210,213الف دينار (أحد عشر ترليون وستمائة وعشرة مليارات ومئتان وعشرة ملايين ومئتان وثلاثة عشر الف دينار) مقابل عدد قوى عاملة يساوي 5390 موظف، ولو كان معدل راتب الموظفين خمسة ملايين دينار-وهو إفتراض غير واقعي- فسيكون مجمل تخصيصات رواتب الموظفين لتلك السنة 26,950,000 الف دينار شهرياً أي 323,400,000 الف دينار سنوياً ما يعني وجود زيادة في تخصيصات الموازنة التشغيلية عن تغطية الرواتب تزيد على أحد عشر ترليون الف دينار لسنة 2023 وحدها. ولو إعتبرنا أن الحسابات أعلاه خاطئة، ولنركن إلى المنطق في المقارنة، فنقول إذا كانت تخصيصات السنوات من 2011 ولغاية سنة 2016 قد غطت كل بنود الصرف التي تتضمنها الموازنة التشغيلية على مدى تلك السنوات السبع فما الحاجة إلى زيادتها في السنوات التالية لتصل إلى ما يزيد على خمسة أضعافها؟

 جدول يبين تخصيصات النفقات التشغيلية والإستثمارية والقى العاملة لوزارة الكهرباء

المثال أعلاه عن وزارة واحدة فقط ، والوزارات الأخرى تشبه إلى حد كبير ما يحدث في هذه الوزارة، وما يمكن أن توفره إدارة حكيمة من أموال لإنفاقها في مشاريع أخرى.

أعتذر من القارئ عن الإطالة في المثال أعلاه، لكني أردت أن أوضح أنه بمجرد أن تدار أموالنا بطريقة أكثر حرصاً على أن تذهب التخصيصات للأهم فالمهم وليس على أساس إدارة الوزارات وكأنها مغانم لهذا الحزب أو ذاك ما يوفربالنتيجة أموال هائلة تغطي عشرة مشاريع بحجم مشروع طريق الحرير.


مشاهدات 281
الكاتب نصيف الخصاف
أضيف 2024/04/30 - 6:43 PM
آخر تحديث 2024/05/16 - 6:25 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 83 الشهر 6554 الكلي 9244592
الوقت الآن
الجمعة 2024/5/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير