الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬6‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬6‭)‬

حسن‭ ‬النواب‭ ‬

 

في‭ ‬مطلع‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬نشر‭ ‬الشاعر‭ ‬عدنان‭ ‬الصائغ‭ ‬بيان‭ ‬الجيل‭ ‬الثمانيني‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬حراس‭ ‬الوطن‭ ‬وكان‭ ‬بعنوان‭ ‬بيان‭ ‬أول‭ ‬للجيل‭ ‬بيان‭ ‬أول‭ ‬للحداثة‭ ‬مع‭ ‬صرخةٍ‭ ‬استفزازيةٍ‭: ‬انتبهوا‭ ‬الثمانينيون‭ ‬قادمون‭. ‬لم‭ ‬يتردَّد‭ ‬الصائغ‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬تذمره‭ ‬وتهكمه‭ ‬على‭ ‬القصيدة‭ ‬العامودية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتصدَّر‭ ‬الصفحات‭ ‬الثقافية‭ ‬بمدائحها‭ ‬للقائد‭ ‬الضرورة؛‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬معظم‭ ‬شعراء‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬الموت؛‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬والأغلبية‭ ‬يكتبون‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬وقد‭ ‬ضاقت‭ ‬بهم‭ ‬دروب‭ ‬النشر،‭ ‬فغامر‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬قصائدهم‭ ‬الموزونة‭ ‬بدواوين‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬حسابهم‭ ‬الخاص‭ ‬أذكر‭ ‬منهم‭ ‬حميد‭ ‬كاظم‭ ‬الصائح‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬المكوث‭ ‬هناك‭ ‬بغلافه‭ ‬الوديع‭ ‬الذي‭ ‬احتوى‭ ‬على‭ ‬فانوس‭ ‬أخضر؛‭ ‬وسعد‭ ‬جاسم‭ ‬بديوانه‭ ‬فضاءات‭ ‬طفل‭ ‬الكلام،‭ ‬وعبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الربيعي‭ ‬بديوانه‭ ‬إلحاقا‭ ‬بالموت‭ ‬السابق،‭ ‬وريم‭ ‬قيس‭ ‬كبه‭ ‬بنوارس‭ ‬تقترف‭ ‬التحليق‭ ‬وأمل‭ ‬الجبوري‭ ‬بديوانها‭ ‬خمر‭ ‬الجراح‭ ‬وحتى‭ ‬عدنان‭ ‬الصائغ‭ ‬بديوانه‭ ‬البكر‭ ‬أغاني‭ ‬على‭ ‬جسر‭ ‬الكوفة‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬أنَّ‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الثمانينات‭ ‬الذين‭ ‬نشروا‭ ‬مجاميعهم‭ ‬الشعرية‭ ‬من‭ ‬جيوبهم‭ ‬الفارغة؛‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬التفعيلة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ولعلَّ‭ ‬باكورة‭ ‬دواوين‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحكومة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬الشعراء‭ ‬السبعينين،‭ ‬ومنها‭ ‬ديوان‭ ‬الشاعر‭ ‬زاهر‭ ‬الجيزاني‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬مسائه‭ ‬الشخصي‭ ‬والشاعر‭ ‬كمال‭ ‬سبتي‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬لبقايا‭ ‬العائلة‭ ‬والشاعر‭ ‬المتجدد‭ ‬خزعل‭ ‬الماجدي‭ ‬بديوانه‭ ‬خزائيل‭ ‬وعادل‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بمؤونة‭ ‬الرحيل‭ ‬الى‭ ‬الفراغ،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬نشر‭ ‬تلك‭ ‬الدواوين‭ ‬النثرية‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬فلقد‭ ‬تشاجروا‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬حتى‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬إرغام‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬أشعارهم‭ ‬النثرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُطلق‭ ‬عليها‭ ‬تسمية‭ ‬مريبة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الثقافية‭ ‬بوصفها‭ ‬جاءت‭ ‬بدعة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭. ‬وهكذا‭ ‬فتح‭ ‬شعراء‭ ‬السبعينيات‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬بنصوص‭ ‬شعراء‭ ‬الثمانينيات‭ ‬ملاذها‭ ‬الحقيقي‭. ‬وحين‭ ‬أدرك‭ “‬السبعينين‭” ‬بفطنتهم‭ ‬الذكية‭ ‬أنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذي‭ ‬تشبَّعتْ‭ ‬أنوفهم‭ ‬ببارود‭ ‬الجبهات‭ ‬وهلعهم‭ ‬في‭ ‬السيطرات‭ ‬قد‭ ‬أحكموا‭ ‬الوثاق‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاستجابة‭ ‬لنصوصهم‭ ‬والاعتراف‭ ‬بهم؛‭ ‬فظهر‭ ‬كتاب‭ ‬الطليعة‭ ‬الأدبية‭ ‬والذي‭ ‬ضمَّ‭ ‬رأس‭ ‬النفيضة‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الثمانينيات‭ ‬مع‭ ‬شعراء‭ ‬خليط؛‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬مبادرة‭ ‬الشاعر‭ ‬زاهر‭ ‬الجيزاني‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬محرراً‭ ‬في‭ ‬الطليعة‭ ‬الأدبية‭ ‬فغامر‭ ‬بنشر‭ ‬فضاء‭ ‬شعري‭ ‬مبكر‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬الثمانينية؛‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نصيب‭ ‬الشعراء‭ ‬محمد‭ ‬تركي‭ ‬النصار‭ ‬والغجري‭ ‬نصيف‭ ‬الناصري‭ ‬وباسم‭ ‬المرعبي‭ ‬وأحمد‭ ‬عبد‭ ‬الحسين‭. ‬لم‭ ‬تمض‭ ‬سوى‭ ‬أيام‭ ‬عل‭ ‬نشر‭ ‬نصوصهم‭ ‬حتى‭ ‬قامت‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬إذْ‭ ‬انبرى‭ ‬شعراء‭ ‬العامودي‭ ‬وحتى‭ ‬التفعيلة‭ ‬على‭ ‬استهجان‭ ‬وشتم‭ ‬الملف‭ ‬في‭ ‬الصحف؛‭ ‬ولعلَّ‭ ‬مقالة‭ ‬الشاعر‭ ‬فاضل‭ ‬عزيز‭ ‬فرمان‭ ‬الطويلة‭ ‬والعريضة‭ ‬والتي‭ ‬نشرتها‭ ‬جريدة‭ ‬العراق‭ ‬بعنوان‭ “‬الدادائيون‭ ‬يشربون‭ ‬الشاي‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬حسن‭ ‬عجمي‭” ‬قد‭ ‬أثارت‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متباينة،‭ ‬فيما‭ ‬اتَّضحتْ‭ ‬بجلاء‭ ‬نظرة‭ ‬السلطة‭ ‬الثقافية‭ ‬الناقمة‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر؛‭ ‬ولما‭ ‬حاول‭ ‬بعض‭ ‬المتحمسين‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬الرد‭ ‬المناسب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬القاسي‭ ‬بحق‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّهُ‭ ‬كان‭ ‬مرتَّباً؛‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬أية‭ ‬صحيفة‭ ‬تستقبل‭ ‬ردودهم‭ ‬فآثروا‭ ‬الاحتجاج‭ ‬في‭ ‬جلساتهم‭ ‬الصاخبة،‭ ‬وحين‭ ‬وصلت‭ ‬لهم‭ ‬التهديدات‭ ‬المبطنة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬موظفي‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء؛‭ ‬لزموا‭ ‬الصمت‭ ‬خشية‭ ‬على‭ ‬أعناقهم‭ ‬الطرية‭ ‬مع‭ ‬الإشاعات‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬هيمنت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬هدفه‭ ‬تخريب‭ ‬الثقافة‭ ‬السلطوية‭ ‬والتعبوية؛‭ ‬انتقاماً‭ ‬من‭ ‬وضعهم‭ ‬المأساوي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬هكذا‭ ‬عاش‭ ‬شعراء‭ ‬الثمانينات‭ ‬تحت‭ ‬هواجس‭ ‬فظيعة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والهلع؛‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬مهرجان‭ ‬المربد‭ ‬يشكل‭ ‬لهم‭ ‬رافداً‭ ‬حيوياً‭ ‬للالتقاء‭ ‬مع‭ ‬شعراء‭ ‬عرب،‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬طرح‭ ‬مشروعهم‭ ‬الحداثي‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬الأوامر‭ ‬العسكرية‭ ‬ومعارك‭ ‬الجبهات‭ ‬كانت‭ ‬تحول‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يتوقون‭ ‬إليه،‭ ‬فانبرى‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬بالخفاء‭ ‬وقام‭ ‬بدعوة‭ ‬شعراء‭ ‬الثمانينات‭ ‬إلى‭ ‬المربد‭ ‬بمغامرة‭ ‬محفوفة‭ ‬بالمخاطر؛‭ ‬إذْ‭ ‬خوَّل‭ ‬لنفسه‭ ‬مهمة‭ ‬دعوة‭ ‬الشعراء‭ ‬الجنود‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علم‭ ‬الوزارة‭ ‬واتحاد‭ ‬الأدباء؛‭ ‬وأخذ‭ ‬يطبع‭ ‬الدعوات‭ ‬لهم‭ ‬سرَّاً‭ ‬ليسهل‭ ‬مهمة‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬مهرجان‭ ‬المربد‭ ‬وكان‭ ‬الشاعر‭ ‬عدنان‭ ‬الصائغ‭ ‬من‭ ‬يوزع‭ ‬تلك‭ ‬الدعوات؛‭ ‬مما‭ ‬سببَّ‭ ‬ضيقاً‭ ‬واضحاً‭ ‬لشعراء‭ ‬الصالونات‭ ‬الأنيقة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يغرفون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الثمانينيون‭ ‬يجوبون‭ ‬أروقة‭ ‬المهرجان‭ ‬ببطون‭ ‬خاوية‭ ‬وجيوب‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬الإفلاس‭. ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬مغامرة‭ ‬الشاعر‭ ‬سلام‭ ‬كاظم‭ ‬عندما‭ ‬نظَّمَ‭ ‬مع‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬مظلوم‭ ‬مهرجاناً‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المربد‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬بناية‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح؛‭ ‬فأتيحت‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬لشعراء‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬نصوصهم،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬صعودهم‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬المربد؛‭ ‬فيما‭ ‬أدرك‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬قصيدة‭ ‬نثر‭ ‬جامحة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬الحرب‭ ‬وتتوهج‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬السلطة‭ ‬الثقافية‭.‬

 


مشاهدات 301
أضيف 2024/03/18 - 2:01 PM
آخر تحديث 2024/05/20 - 7:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 142 الشهر 7819 الكلي 9345857
الوقت الآن
الإثنين 2024/5/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير