الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
واسيني الأعرج لـ (الزمان): كتبت (الأمير عبد القادر) تخليداً لبطولة شخصية عظيمة

بواسطة azzaman

جهاز التسجيل يخذل الصحفي فيعتمد على ذاكرته المثقلة

واسيني الأعرج لـ (الزمان): كتبت (الأمير عبد القادر) تخليداً لبطولة شخصية عظيمة

أحمد عبد المجيد

 

  الارهاب والعنف يتكرران بغياب ثقافة الحوار والتسامح في انتصاف الليل

  سطر واحد دفعني للبحث عن مذكرات مي زيادة وانتاج رواية استقصائية

  النقاد العرب يعالجون المنتج الأدبي برؤية القرن الماضي

 الأعرج يكشف تفاصيل المرحلة الظلامية في الجزائر ويسوّغ تكرار مظاهرها  في العراق.

 

لطالما حذرت طلبتي في الجامعة من استخدام أجهزة تسجيل المقابلات الصحفية، بالنظر لما تحمله المعدات الالية وبينها الرقمية من مفاجآت غير محسوبة أو خلل تقني، وأبقيت تحذيراتي في الدراسات الاولية والعليا، شارحاً لهم واقعة واحدة أو اكثر صادفتني خلال رحلتي الصحفية الممتدة لنحو 48 عاماً.

وها أنا اليوم أقع في الشرك الذي حذرتهم منه، فيما الندم والألم يحاصراني من جميع الاتجاهات. فقد أجريت حواراً صحفياً صريحاً مع الروائي الجزائري الكبير واسيني الاعرج، وكنت سعيداً جداً خلال الايام التي أمضيتها معه في السليمانية، لحضور مهرجان كلاويز الدولي، من منطلق النشوة بالانفراد بالحوار بعد نشره على صدر صفحات (الزمان)، وشعوري بالانسجام الخلاق مع الروائي الكبير الذي اظهر لي وداً ملحوظاً وصبراً نادراً، وأنا ألاحقه في استراحات الجلسات، أما لتأكيد موافقته على اجراء الحوار أولإقتناص الوقت للجلوس وجهاً لوجه لهذا الغرض. وعندما حانت لحظة تحرير الحوار واعداده للنشر صدمني جهاز الهاتف الذي اكتشفت انه مسح الملف.

كان الروائي الأعرج، الذي سبق ان قرأت له ثلاث روايات، قبل ان ألتقيه في السليمانية في الخامس والسادس والسابع من كانون الاول الجاري، قد شكل بالنسبة لي علامة فارقة. ففي روايته (ليالي ايزيس كوبيا) العصفورية التي تسرد قصة الأديبة مي زيادة ومحورها البحث عن مذكرات مفقودة للشاعرة الفلــــــــــــــــسطينية المغدورة، استوحيت مقاربة تجمع الرواية بالتحقيق الصحفي، تحت ممارسة آخذة بالانتشار في الصحافة هي الاستقصاء، واكتشفت ان القاسم المشترك الذي يجمع الأولى بالثانية، يكمن في البحث المعمق، الذي هو سمة لا غنى عنها في الصحافة الاستقصائية. ورأيت ان الاعرج مارس هذه المهمة، روائياً، من اجل الوصول الى (مذكرات) مفقودة أو مغيبة، كتبتها زيادة خلال عام من العزل في مستشفى (العصفورية) أو ما يعرف عندنا بـ(الامراض العقلية). وكان طبيعياً اني ابدأ اطراف الحوار معه بالسؤال عن دوافع كتابة هذه الرواية. وقد أجاب:

ان سطراً واحداً قرأه ذات مرة دفعه الى البحث عن هذه المذكرات وملاحقة مواقع عاشتها مي زيادة في فلسطين ومصر ولبنان، بحثاً عن وثيقة أو دليل مادي يثبتان الظلم الذي تعرضت له هذه المبدعة والاتهامات بالجنون التي سيقت ضدها، نتيجة تواطؤ اطراف من عائلتها مع طبيب في المستشفى.

مسؤولية اجتماعية

واكد الاعرج ان (الدافع هو انساني ينطلق من المسؤولية الاجتماعية للكاتب والصحفي)، وقد اثمرت جهود مضنية بذلها في كشف الحقائق والعثور على كراس المذكرات الذي كتبت مي زيادة صفحاته، شارحة بلغة موجعة أيامها ووحدتها التي امضتها داخل ردهات الموت البطيء وسوء المعاملة والغدر.

ومن وحي روايته (سيدة المقام)، التي قرأتها قبل نحو عشر سنوات، سألت واسيني الأعرج عن ظاهرة تكرار التجارب والتناص، التي مرت في كل من الجزائر ابان انتشار العنف الدموي عام 1993، والعراق حيث سادت مشاهد الموت الأعمى والقتل على الهوية خلال اعوام المحنة 2005-2008. وقد تحدث الروائي الكبير عن شواهد ووقائع عاشها في بلاده، خلال تلك المدة، ابان كان تدريسياً في الجامعة وشاهداً على ما جرى في أروقتها وفي حواري العاصمة، والمرحلة الظلامية التي تعامل خلالها المسلحون مع المدنيين العزل واصحاب الرأي الاخر. واكد الأعرج ان قصص الظلم والعنف قد تتكرر في جميع الدول اذا لم تعالج ظاهرة الارهاب ويتسع العمل للقضاء على دعاة الفكر التكفيري بالحوار والتربية الثقافية.

دوافع سياسي

ونفى الأعرج ان يكون أي دافع سياسي وراء كتابة روايته التاريخية (مسالك ابواب الحديد) التي توثق رحلة (الأمير عبد القادر)، مؤكداً اعجابه بشخصية هذا المجاهد المتنور الشجاع الذي جمع الجزائريين حول كلــــــــمته في مقــارعة الاحتـــلال الفرنسي، وقدراته الفكرية والانسانيـــــة الجامعة التـــــــي ارهقت المحتلين قبل ان يقع في الأسر، ويتم نفيه الى دمشق، حيث عاش العزلة لكنه حقق حلماً يأمل ان يستكمل على ايدي الاجيال اللاحقة. وهو ما اعلنه بقوة امام الحكام الفرنسيين الذين خص امبراطورهم، الامير عبد القادر بمنزلة خاصة مغدقاً عليه بعض امتيازات العيش الكريم.

ولم ينف الأعرج وجود انطباعات نقدية لموقف الأمير عن الامبراطورية الفرنسية، تتهمه بالمداهنة، في وقت يرى الروائي واسيني الأعرج هذا الموقف، طبيعياً وانسانياً، دالاً على حسن التصرف والتدبير من منطلق مقابلة الحسنى بالحسنى، لكنه يشدد في الاجابة التي استطرد فيها، مقدماً مسوغات سلوك الأمير عبد القادر، على اعجابه بالخصال التي يتمتع بها وقوة الحضور والاستقامة التي تنطوي عليها شخصيته وتجاوز الأمير الاستقطاب العشائري والاسلام المتشدد. وهو ما دعاه الى الاعلان لي عن صدور جزء ثان من الرواية تم انجازه ويتناول المرحلة التالية من (الدمشقيات) أو الحقبة التي عاشها الأمير في الشام. وقال (لقد تم عرض الكتاب في معرض الجزائر الدولي للكتاب مؤخراً). وسبق للروائي ان قال في حوار صحفي (لقد كتبت كتاب الأمير تخليدا ومحبة للأمير عبد القادر لأن هذه الشخصية العظيمة، المؤسسة للجزائر الحديثة، لم تكن محط أي اهتمام بالجزائر، بل كانت الاهتمامات شكلية أو سياسية أو موسمية، لكنها لم تضع الشخصية في سياقها الحضاري والفكري بوصفها شخصية عالمية وليست شخصية محلية، فقلت يجب أن أعطي الأمير حقه روائيا، وعندما نقول روائيا يعني إنزال الشخصية من القدسية نحو الحياة العامة، فالشخص الذي يقرأ هذا البطل يشعر أنه يشبهه أو يشبه والده أو هناك تقاطع معه، هكذا نحب الأبطال وليس من خلال تضخيمهم أو نفخهم.

وربما كان خلافي أيضا مع حفيدة الأمير عبد القادر على هذا السبب، إذ بدا الأمير في النص إنسانا عاديا) ولذلك قال رداً على تعليقها (لك اميرك ولي أميري).

وصادف ان هذا الحوار مع الأعرج تم في اعقاب جلسة رائعة، تضمنها برنامج مهرجان كلاويز تمثلت بتوقيع روايته (ليليات رمادا) الذي ترجمته فينوس موفق الى اللغة الكردية. وقد أبدى فيه رأياً مثيراً يتعلق بقصور النقد الادبي العربي عن اللحاق بالتطور التقني والاتصالي العالمي، ما أدى الى مراوحة الرواية العربية في مكانها وعزلها عن اجواء التطور الهائل، الذي لحق بكتابها ومحتواها في العالم الغربي.

وكان ضرورياً ان أسأله عن أسباب هذه الهجمة على حركة النقد الأدبي العربي. وأكد انه ليس في وارد الاساءة للنقاد العرب ولا التقليل من أهمية دورهم، لكنه شدد على انهم يعالجون المنتج الأدبي، في الغالب برؤية القرن السابق أو آليات الحقب الماضية، بمعنى انهم، حتى فيما يتعلق بالبنيوية لم يقدموا الاجتهادات، التي توصل اليها سواهم واكتفوا بالركون الى التفكيك دون التحليل، والمراجعة دون المراوحة.

ولا انكر ان اعجابي بالأعرج لم يقف عند حد ابداعه الروائي، بل ازداد بسبب قدراته على الاقناع والامتاع، فهو يتحلى بالظرافة وسرعة البديهة وحسن الاصغاء واحترام الاخر، الى درجة اني اغبطته على اتساع مساحة صبره، وهو يتلقى بالابتسامة والهمة طلبات المعجبين، سواء بالوقوف للحديث معهم أو التقاط الصور التذكارية. والحق انه حاز على الاولوية في الكسب والتعاطف والاعجاب. ويمكن فهم أهمية ذلك بوسط ثقافي كردي وليس عربياً، لكنه بدا أوسع انتشاراً في الفضاء الثقافي العام، ما ينسجم تماماً مع فكرة التسامح ومبدأ التعايش السلمي الذي يؤمن به، كمبدع ومرب وصانع حياة.

وفي السياق.. سألت الأعرج الذي بلغ السبعين من العمر:

 متى زار العراق للمرة الأولى؟

- واجاب بسعادة بالغة انه زار العراق مرتين. الأولى ضمن ضيوف مهرجان بابل للثقاقات وهو ما فسر لي العلاقة الطيبة التي تربطه بالشاعر علي الشلاه، المدعو معنا الى المهرجان، والثانية لحضور معرض دولي للكتاب قبل نحو عام. ثم اردفت سؤالي السابق بآخر لاحق:

 وهل زرت السليمانية من قبل؟

- واكد الروائي الكبير انه يزورها للمرة الاولى لحضور مهرجان كلاويز، وكان سعيداً بهذه الفرصة.

 وكيف وجدتها؟

- مدينة جميلة خلابة وأهلها مثقفون وكرماء، أحاطوني بالتقدير وسعدت بلقاءات لن أنساها جمعتني معهم.

وكنت اتوقع ان تصادف الضيف، اكثر من فكرة لصياغتها رواية جديدة، وسألته مازحاً: هل ستكون احدى مدن العراق مسرحاً لعمل روائي جديد لك؟ ورد بضحكة مجلجلة: ربما فكل المدن تصلح قصصاً وروايات.

 وسألت الأعرج عن آخر انشغالاته، فأبلغني خبراً يصلح ان يكون سبقاً أدبياً بحسب وصفه مفاده:

- انشغاله حالياً بكتابة وقائع رواية موضوعها علاقة عاطفية تنمو بين نحات، ناهز السبعين من عمره وشابة ذات 25 ربيعاً، تعمل موديلاً لديه. انها قصة حب تتخللها كثير من الحكايات والمفاجآت، وتنطوي على شحنات نفسية مرهفة.

 وفاجأته بالسؤال مقاطعاً:

- يعني تشبه الى حد ما علاقة استاذ الجامعة بالشابة، عازفة البيانو في روايتك (سيدة المقام).

وبين الجد والهزل قال:

- ربما من بعض الوجوه.

      

 

في مطعم 360 الشاهق الواقع بالطابق 29، انهيت جلستي صحبة المحامي الصديق يحيى الواجد عند انتصاف الليل، ففوجئت بالروائي الكبير الأعرج يجلس الى طاولة تضم زوجته الراقية الاستاذة الجامعية زينب لعوج ومواطنته رئيسة المنظمة العربية للترجمة الدكتورة انعام بيوض.

وكان قد خلع قمصلة سوداء يرتديها طيلة أيام المهرجان، مكتفياً بقميص نصف كم، فحييته معجباً بلياقته البدنية.

وداعبته مشيداً بقامته الرياضية الشبيهة بقوام عمالقة رفع الاثقال، ثم طبعت قبلة عراقية على وجنته، فيما قابلني بابتسامة معبرة عن عنفوانه الابداعي. ومن جديد صورني صديقي معه في لقطة تظهرانا لا ننفك ونحن نتعامل مع القلم والورقة.

 

 

سيرة حافلة

 

يتحدر من قبيلة بني واسين، حيث رأت والدته التي كانت تنجب البنات فقط، الولي الصوفي سيد محمد الواسيني في الحلم يرتدي الزي الأبيض، ويقول لها: ستنجبين ذكرا ولكن عليك أن تسميه باسمي وإلا سآخذه، وانصاعت الوالدة لذلك وسمي واسيني، وهي تسمية أمازيغية في الأصل وتعني الاستقامة. ويعد واسيني الأعرج، الروائي الجزائري والأستاذ الجامعي، واحداً من الأقلام الروائية العربية المهمة على امتداد القرنين الماضي والجاري، ولد عام 1954 من أصول أندلسية، في قرية سيدي بوجنان الحدودية في مدينة تلمسان الجزائرية، فعاصر في طفولته آخر فترات الاستعمار الفرنسي ، كما أنه شب يتيما، حيث فقد والده الذي استشهد عام 1959 بسبب مقاومته للاستعمار الفرنسي. حصل الأعرج على الليسانس من كلية الآداب واللغات من جامعة وهران الجزائرية، كما حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة دمشق، يشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، ويكتب باللغتين الفرنسية والعربية. ومن أبرز رواياته وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر (1980)، وكتاب الأمير (2005)، وطوق الياسمين (2006)، وحارسة الظلال (2006)، والليلة السابعة بعد الألف (2002)، والبيت الأندلسي (2010)، وشرفات بحر الشمال (2015)، ورواية أنثى السراب (2009)، وعازفة البيكاديلي (2022).

وترجمت أعماله إلى لغات عديدة، منها الإيطالية والسويدية والإنجليزية والدانماركية والعبرية والإسبانية.

 

  عن موقع الكتروني


مشاهدات 1038
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2024/12/11 - 5:01 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 3:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 331 الشهر 10266 الكلي 10200231
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير