النملة والمارثون
نعيم عبد مهلهل
كان الاغريق وكما سمعت عندما تسكنهم سفن الرحيل في غزو او تجارة أو مغامرة يحرص كل واحد منهم أن يجلب معه نملة في كيسه ، ويطحن حبة قمح ويضعها قربها قوتا لها في الطريق ، وربما حتى يولسيس في سفرته الاسطورية اصطحب معه نملة ، واظن انها عادت معه الى آثاكا ، ولكن ما الغاية من هذا ؟
الغاية ان وجودها يلهمه الصبر ويذكره ان الوصول ليس بعدد الخطوات بل بالتدبير ، فهو معها يؤسطر الحلم وفي وقت راحته يخرجها من الكيس ويسألها عبر خواطر المناجاة فيعتقد انها تحدثه عن حياتها وتخبره ان التسرع والخطوات السريعة في اغلبها مهلكة.
وهذا يذكرني بما يشعره الاسكندر في شعوره بالمنية ليقول :اتيت الى بابل ومنيتي لأنني كنت اسرع من النملة .
حين اتذكر النملة اتذكر الصبر والقناعة والعزلة التي قد تنتج حكمة . واقارنها بالمارثون الذي يريد فيه البعض كي يصلوا الى خط النهاية مستعجلين وبأي ثمة ،وهذا الاستعجال قد يؤدي الى نهايات بائسة قد ينتظرك فيه القبر او السجن او لجنة من هيئة النزاهة ، لهذا يفضل من يود الأمان لروحه وتأريخه ونسبه ان يكون نملة ولايكون نمرا او ذئبا او عداء مارثون . وقد يقول البعض أن الغزال يعدو ايضا وبسرعة ،ولن يكون شريرا او طماعا او مفترسا كما النمر والذئب وابو الحصين .؟
اقول : أن الغزال في سرعته فهو يتجه الى نبع الماء ليشرب ، أما الذئب فهو يسرع صوب الغنم القاصية. وأبي الحصين يتجه بخبثٍ الى الدجاج الذي لاحول له ولا قوة.
من خلال النملة وايقاع سيرها واختيارها فصلا كاملا من السبات افكر بتواريخ البلاد التي اسكن اليها في مودة الحلم ، واتذكر ما كانت ترويه احدى نصوص كتاب المطالعة عن حكاية القائد المهزوم مع النملة التي كانت واحدة من الدروس ليعود الى جادة الانتصار . ومع القصة وحلم اهل الاغريق في رفقة السفر مع النملة أعيد ما كان يحدث في المارثون ومن نتائجه الصخب والهستيريا ونشوة الجيوش المنتصرة على حساب الضحايا ، فأشعر ان تلك النملة الطيبة لن تحب المارثون ابدا. والذي تحبه هو السير الصحيح على جادة الصواب حتى لو كان بطيئا . فقد كان تشرشل يفكر ببطيء مع الطائرات الالمانية السريعة التي تقصف لندن ،وفي النهاية من انتصر هو تشرشل.
