تزايد حوادث الطائرات في العالم وتأثير العوامل الإقتصادية بعد كورونا
عدي عبدالصمد
شهدت صناعة الطيران في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد حوادث الطائرات، بعضها كان كارثيًا وأدى إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة. وعلى الرغم من التحقيقات التي تجريها هيئات مختصة في هذه الحوادث، إلا أن المعلومات التي تصل إلى الجمهور غالبًا ما تكون محدودة وغير موثوقة، مما يترك الغموض حول الأسباب الحقيقية للحوادث.
بصفتي متخصصًا ومتابعًا لعالم الطيران، أود أن أتناول هذا الموضوع من منظور تحليلي لتسليط الضوء على العوامل المؤثرة في زيادة الحوادث الجوية، وتقديم توصيات من شأنها الحد من هذه الظاهرة.
أولًا: تأثير جائحة كورونا على صناعة الطيران
جائحة كورونا تسببت في أزمة غير مسبوقة أثرت على شركات الطيران والشركات المصنعة للطائرات. يمكن تلخيص أبرز التأثيرات كما يلي:
1. تراجع الأرباح
عانت شركات الطيران من خسائر فادحة بسبب تراجع حركة السفر الجوي، مما أثر على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المسافرين والموردين.
2. تسريح الموظفين
قامت العديد من الشركات بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين في مجالات متعددة ضمن هذه الصناعة الحساسة.
3. تأثر الشركات المصنعة للطائرات
بعض الشركات المصنعة للطائرات واجهت مشكلات تقنية خطيرة، مثل مشاكل في أجهزة قياس زاوية الهجوم (Angle of Attack Sensors)، مما أدى إلى توقف إنتاج بعض الطرازات وتضرر سمعة الشركات المصنعة.
ثانيًا: العوامل التي ساهمت في تزايد حوادث الطائرات
1. ضعف التدريب
أدى التحول إلى التعليم الإلكتروني خلال الجائحة إلى ضعف في المستوى التدريبي للكوادر الجديدة، حيث اكتفى الكثيرون بالحصول على شهادات دون الخبرة العملية الكافية.
2. تأجيل الصيانة وتجاهل إجراءاتها
لجأت بعض شركات الطيران إلى تأجيل أعمال الصيانة بسبب الأزمات المالية، مما أدى إلى إهمال الإجراءات المعتمدة في أدلة الصيانة، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على السلامة الجوية.
3. تراجع مستوى تدريب الطيارين
بعد انحسار الجائحة وعودة الحركة الجوية، شهد العالم إقبالًا متزايدًا على مجال الطيران، مما دفع بعض الجهات إلى تسهيل إجراءات التدريب على حساب المعايير السابقة.
جودة العمل
4. تدهور جودة التصنيع والرقابة
أدى تقليص عدد العاملين في شركات تصنيع الطائرات إلى ضعف ملحوظ في الرقابة على جودة العمل، مما أسفر عن حدوث أخطاء غير مقصودة نتيجة ضعف التفتيش.
ثالثًا: التحديات والحلول المقترحة
للخروج من هذه الأزمة والحد من حوادث الطائرات، يجب اتخاذ الإجراءات التالية:
1. التدريب المكثف والمستمر
يجب تنفيذ برامج تدريبية مكثفة ومستدامة لضمان كفاءة الكوادر العاملة في مجال الطيران، مع التركيز على التدريب العملي في بيئات واقعية.
2. تعزيز الرقابة الداخلية
من الضروري دعم فرق التفتيش والمراجعة الداخلية، سواء على مستوى السلطات الرقابية أو الشركات المشغلة، لضمان الالتزام التام بإجراءات السلامة والصيانة.
3. تحسين إجراءات الصيانة
يجب إعادة النظر في سياسات الصيانة وإلزام الشركات بتنفيذ الفحوصات الدورية دون تأجيل، مع توفير الموارد اللازمة لفِرق الصيانة.
4. دعم القوى العاملة
تحسين بيئة العمل للعاملين في مجال الطيران من خلال زيادة الرواتب وتقديم الحوافز لضمان استمرارية الأداء بجودة عالية.
5. تعزيز ثقافة السلامة والجودة
يجب نشر ثقافة السلامة والجودة بين جميع العاملين في صناعة الطيران من خلال حملات توعية ودورات تدريبية مكثفة. تعزيز ثقافة الإبلاغ عن المخاطر وتطبيق سياسة “اللا عقاب” ( non punitive policy ) وعدم القاء اللوم ( no blame policy ) عند الإبلاغ عن الأخطاء يسهم في تحسين الأداء وتقليل المخاطر.
رابعًا: أهمية الشفافية في صناعة الطيران
الشفافية في التحقيقات المتعلقة بحوادث الطائرات ضرورية لتعزيز ثقة المسافرين وتقليل الغموض الذي يحيط بهذه الحوادث.
نتائج التحقيقات
يجب أن تعتمد الشركات سياسة واضحة لنشر نتائج التحقيقات وتوصيات السلامة للكوادر العاملة دون المساس بالتسميات والشخصيات المتسببة لان العامل البشري مهم كان تأثيره الا ان اسبابه دوماً تكون ادارية ومالية، و ما من شأنه رفع مستوى الوعي وتحسين الأداء في القطاع الجوي.
خامسًا: الخلاصة والتوصيات النهائية
تزايد حوادث الطائرات في الآونة الأخيرة يعكس تحديات كبيرة تواجهها صناعة الطيران. ولكي نتجاوز هذه الأزمة، لا بد من العمل على:
1. إعادة تأهيل الكوادر البشرية من خلال برامج تدريبية مكثفة ومستدامة.
2. تعزيز الرقابة والإشراف لضمان الامتثال الكامل لمعايير السلامة والصيانة.
3. الاستثمار في تحسين جودة التصنيع ورفع كفاءة المفتشين والمراجعين الفنيين.
4. نشر ثقافة السلامة والجودة بين جميع العاملين.
5. تبني سياسة الشفافية في نشر تقارير الحوادث والتحقيقات.
العمل على تحقيق هذه التوصيات سيؤدي إلى رفع مستوى السلامة الجوية وتقليل الحوادث، مما يسهم في تعزيز ثقة المسافرين وحماية الأرواح والممتلكات.
المراجع والتوثيق
لتحقيق الفائدة القصوى، يمكن الاستعانة بتقارير المنظمات التالية:
• منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)
• وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)
• الإدارة الفيدرالية للطيران (FAA)
• تقارير لجنة التحقيق في حوادث الطيران (NTSB)
من وجهة نظري وكمختص في مجال الطيران ارى ان تطبيق هذه التوصيات والتحليلات سيساعد في خلق صناعة طيران أكثر أمانًا واستدامة للجميع.
مهندس طائرات