هستريا الأصوات في قاعات الأعراس
ماهر نصرت
لقد مررت باحداث هذه المقالة وعانيت ماعانيته لساعات طويلة عندما حضرت الى احدى حفلات الاعراس في احدى القاعات المغلقة حيث كنت احد المستدعين وظللت جالساً بين امواج الصوت الصاخبة يكاد ان يغمى عليا من هول الصوت العنيف الذي تلقته اسماعي لولا تماسكي وثباتي الى نهاية الحفل الذي كلفني الكثير من اتزاني النفسي وعانيت من صوت وشيش في رأسي ليوم كامل عند عودتي الى بيتي مترنحاً فاقداً للتركيز حتى ذهب الوشيش في اليوم التالي وحل محله صداع في الرأس ظلت اثاره قائمة ليومين متتاليين يهدأ تارة ويستعر تارة اخرى .
يقال أذا اردت ان تقيس ثقافة أي مجتمع فانظر الى مراسيم احتفالاته وطريقة دبكته واسلوب التعبير عن أفراحه واحزانه ، ولا بد من الاشارة هنا الى أحدى الطرق المتبعة في احتفالات مجتمعنا العراقي التي تعكس ثقافته وتكشف بوضوح مدى التزامه بالتقاليد الاجتماعية التي من المفترض أن تكون معتدلة ولاتتجاوز حدود العبث بمشاعر الغير او المساس بتحفظات المقابل وحريته طبعاً .
أن اكثر قاعات الاعراس التي تحتضن احتفالات الزواج وغير الزواج يحصل فيها ثمة خرق نفسي الذي أشرت اليه في سطوري الاولى ، فهناك مشكلة كبرى يتلقاها الحضور في تلك القاعات المغلقة بعد أن يستدعون بشكل رسمي من قبل اصحاب الاسرة القائمة بالحفل ( اصحاب الشأن ) أو ما يطلق عليه لدينا مصطلح ( معزوم ) لذلك كان ملزماً على كل معزوم ان يحضر في مكان عزيمته وهذا التزام تفرضه تقاليدنا الاجتماعية بل هو موروث جميل من آبائنا وأجدادنا وصار واحداً من اعرافنا الاجتماعية التي تحتم علينا الالتزام به..... في الحقيقة ان عدم حضور المعزوم من دون سبب وجيه يكون بمثابة أهانه لا صحاب الحفل فقد يعتبرها البعض منهم انتقاص واحتقار لشخصهم وتقزيم لقدرهم وهذا امر لايرضاه الكثير من افراد مجتمعنا وخاصة المتعندين منهم الذي مازالوا يحملون في عقولهم الباطنة التقاليد الصارمة التي ورثوها من اجدادهم البدو ومن غير المستبعد أن تبقى الاهانة عالقة في اذهانهم على مدى السنين وينتظرون المناسبة المؤاتية لرد الصاع بالمثل .
اين المشكلة ياترى ؟
أود ان أبين اولاً بأن اختراع مكبرات الصوت أو ما يسمونه مؤخراً أجهزة الــ ( دي جي ) وهي أختصار للكلمتين (Disc Jockey) على ما أعتقد لها فوائد ولها مضار ايضاً ومن أعظم مضارها ان يتم رفع منسوب اصوات السماعات الكبيرة المرتبطة بها الى اقصاها في قاعات الاعراس المغلقة وهي موجهة الى اسماع الحضور بشكل مباشر وان الاشخاص الفنيين القائمين على تشغيل وقيادة هذه الاجهزة يجلسون خلف تلك السماعات ولا تتأثر أسماعهم بشكل مباشر بأمواج الاصوات العنيفة الخارجة منها فلا يشعرون بها بشكل مباشر وهي تلاطم اذان المستمعين وخاصة الجالسين أمامها وبقربها .. أن الاصوات الرهيبة التي تعبث باسماع الحضور تتسبب في انقطاع المرء عن مايحيط حوله فلاتستطيع ان تسمع حديث صاحبك الجالس بقربك فتنقطع لغة الحديث بين جميع الحضور ليستعيضوا عنها بالاشارات والهمسات في التفاهم هذا بالاضافة الى ان الاصوات العنيفة التي تخرق اذن المستمع لساعات طويلة هو أمر بالغ الخطورة فمن الممكن ان تسبب خللاً دائماً أو مؤقتاً في العصب السمعي وهناك من يقول من ذوي الاختصاص الطبي أن البعض من طبلات الاذن تحتوي على غشاء رقيق من الممكن ان يصيبه التمزق عند الاصوات الجهورة العالية جداً كدوي المدفع القريب او ازيز طائرة حربية واطئة التحليق او اصوات مكبرات الصوت التي تكون سماعاتها كبيرة الحجم اي التي تتجاوز قدراتها الـ ( 300 واط ) كما في سماعات قاعات الاعراس ان اكثر الحضور في تلك القاعات ينزعجون بشكلٍ كبير من تلك الاصوات العنيفة التي تسلبهم فرحتهم ونشوتهم ولكنهم يحاولون كتم غيضهم من زعيق تلك الاصوات المصحوبة بالدبكات العنيفة والفوضى النغمية وذلك احتراماً لاصحاب الحفل وصوناً لقدسية وجودهم فتبقى معاناتهم النفسية من تلك الاصوات المدوية دفينة في نفوسهم ويمضون اوقاتهم على اسوء حال ..تصوروا مثلاً ان احدكم يجلس امام سماعتين من سماعات المساجد بمسافة عشرة امتار وان صوتها المدوي العنيف يصدح في اذنيك لساعات طويلة فكيف يكون الحال ، هذا ما يحدث بالضبط في قاعات الاعراس فهناك معاناة عظيمة تعصف بالحضور فبعضهم يصبر على مضض أي راضٍ وهو ( منزعج ) وبعضهم الاخر يتلوى من هول الصوت ولا يدري مايفعل سوى الصبر وهو مفتاح الفرج كما يقال ويحاول ان يشغل نفسه بالنظر الى من هو يرقص على المسرح مندمجاً مع انغام تلك الالحان المدوية واكثر هولاء الراقصون هائمون بهز اجسادهم وهم لايشعرون بما تأتي به تلك الاصوات العنيفة من أذى ولوعة للقاعدين وسط أو في جنبات القاعة .. لابد من أن تقوم مجالس المحافظات أو من ينوب عنهم بتبليغ اصحاب القاعات بشكل رسمي لتحديد مستوى الصوت في مكبراتهم الى رافعة مقبولة وعدم السماح لهم بأطلاق مناسيب الصوت بشكل مطلق فيكون خطراً على اسماع الحاضرين المغلوب على امرهم وخاصة الاطفال منهم أنه موضوع يخص المصلحة العامة حاله حال أي مخالفة تحصل في شوارع واحياء المدينة فيها ثمة تعدي على حقوق الغير .