بغداد – جواد الرميثي
بعد ان تفشى مرض الطاعون في مدينة (تبريز) الايرانية منذ شهرتموز 1830وايام حكم المماليك لبغداد ، بدأت اصاباته تظهر في كركوك ، ثم في السليمانية بعد شهرين من ذلك، حتى اجتاح جميع مناطق كردستان العراق ، وبالرغم من ذلك فان التدابير الوقائية المتخذة لم تجدي نفعا من منع تقدمه نحوبغداد، فقد استمرت القوافل القادمة من ايران وكردستان تدخل بغداد بكل حرية، وظهرت في بغداد اواخر اذار، اولى الاصابات بهذا المرض المخيف، حيث توفى حتى اليوم العاشر من نيسان بعد مرور خمسة عشر يوما من اول اصابة، سبعة الاف نسمة، وخلال ذلك هجر الكثيرون من السكان المدينة.
لم تكن السفن النهرية تكفيهم، والطرق غدت غير امنة بسبب انتشار اعمال السلب والنهب. استمر الوباء يحصد النفوس حتى اهلك في اليوم الحادي عشر الف ومائتان شخص، وازداد معدل الوفيات خلال الستة عشرة يوما التي حلت بعد هذا ، فبلغ في كل يوم الف وخمسمائة الى ثلاثة الاف نسمة، خلت الشوارع من المارة وتكدست فيها جثث الموتى. وعجز الاحياء عن دفن الموتى، فحل الصمت المروع محل العويل على الموتى، وزاد الامر سوءا ندرة الطعام ووفاة معظم النقالين الذين يقومون بنقل الماء الى دور الاهالي، ومن بقي حيا منهم كان ياخذ الماء لغسل جثة احد الموتى.
فيضان دجلة
ثم جاء فيضان دجلة في الحادي والعشرين من نيسان ليتعاون مع هذا الوباء على بغداد المنكوبة. فقد احاطت المياه بها ولم يكن هناك من يحكم السداد الواقعة في الجهة الشمالية من المدينة، الحامية الوحيدة لها من خطر الفيضان، وفي ليلة السادس والعشرين اكتسح النهر سداده فاغرق الفي دار في بضع ساعات، وخلال اربع وعشرين ساعة، اجتاحت المياه السراي وسبعة الاف دار، وفي اوائل مايس انكسرت حدة مياه الفيضان وعنفوان الطاعون. واخذت مياه دجلة بالانخفاض، وتناقص الطاعون، حتى زال في نهاية الاسبوع الاول خطر الطاعون والفيضان معا، وسُمِع للمرة الاولى، منذ ثلاثة اسابيع ، اصوات المؤذنين للصلاة، وبدأت الحركة تدب من جديد في المدينة التي فقدت ثلثي سكانها تقريبا، غير ان جثث الموتى كانت ما تزال ملقاة في الشوارع والازقة والاسواق، تعبث بها الكلاب ، ما حدا بالناس الى دفن قسما منهم والقاء القسم الاخر في النهر، اما الوالي (داود باشا) فقد اهتم بتنظيف بغداد، ودفَع مبالغ كبيرة لنقل الجثث، وبدأت بعض المواد الغذائية تظهر في الاسواق المهدمة.