ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة ثانية..أمريكا أولاً
لويس إقليمس
ماذا يعني فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالعودة الثانية لرئاسة أكبر وأقوى دولة في العالم. فهو الرئيس الثاني الذي عاد بقوّة إلى البيت الأبيض بفوزهِ بولايتين غير متتاليتين في تاريخ أميركا. سؤالٌ قد لا نجد له أجوبةً جاهزة ومتزنة تتسق مع ما يشهده العالم من تفاقم أزمات وتواصل صراعات واحتدام تحديات دولية وإقليمية وداخلية على حدٍّ سواء. فالعالم منهمكٌ في دوّامة صراعات سياسية واقتصادية وبيئية لا حدود لها كما لا حلولَ جاهزة ومستساغة للجميع بسبب تقاطع المصالح واشتداد النزاعات المباشرة وغير المباشرة بحثًا عن مواطئ قدم لتحقيق سلام هنا أو مصالحة هناك أو توافق واتفاق في غيرها. فهل سيكون الرئيس ترامب قادرًا على تخفيف حدّة التوترات وإنهاء الحروب والنزاعات في فترة رئاسته الجديدة لأربع سنوات مهمّات قادمات بفضل خبرته السابقة في البيت الأبيض وعمق علاقاته مع زعماء ورؤساء وملوك وأمراء وساسة ورجال أعمال وغيرهم من علّية القوم. هناك مَن يزعم ذلك أو في الأقلّ مَن يرى قدرتَه على تحقيق أكبر قدرٍ من هذه ومن غيرها. وأنا من هؤلاء المتكهّنين.
ممّا لا شكّ فيه، وبموجب وعود ترامب خلال حملته الانتخابية الصعبة قد اشار مرارًا إلى نيته الوطيدة باستعادة قدرة أميركا الفعلية عبر السيطرة على إدارة شؤون البلاد في جميع الميادين من خلال معالجة نقاط الضعف العديدة في إدارة سلفه المتضعضع والهزيل “جو بايدن” الذي يُنظَرُ إليه تقديمُه هو وفريقه الضعيف الكثير من التنازلات والتسهيلات لدول وزعامات وجهات دولية غير متزنة في سياساتها الدولية والإقليمية، ما كان لها الدور الأساسي في خراب دول وتهجير شعوب ونزوح جماعات من مواطن سكناها الأصلية علاوةً على تدهور الاقتصاد للعديد من الدول بسبب النفقات الجزيلة على حروبٍ كارثية لا طائلَ من وراء استعارها. فقد تخادمت الإدارات الديمقراطية المتعاقبة سياسيًا واقتصاديًا وإرهابيًا مع بعض أشكال هذه الأنظمة الطامعة وغير الديمقراطية منذ تولّي “باراك أوباما” وحليفته “هيلاري كلينتون” منافسته العنيدة بالترشيح الرئاسي آنذاك. وكلاهما مشكوك في أمرهما بتبنّي التأسيس واختلاق تنظيمات إرهابية مثل “داعش” ونظيراتها من أجل ترهيب دول وتهجير شعوب وخلق أزمات عالمية وإقليمية عبر إحداث تغييرات ديمغرافية في بعض مناطق من العالم، ومنها في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات في بلاد الرافدين عريق الحضارة والتاريخ. وبالتأكيد كان المقصد بكلّ هذه التغييرات تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسَّم في دول المنطقة المضطربة أصلاً بسبب زرع دولة “إسرائيل” وسط العالم العربي بالطريقة التي يعرفها الجميع. لقد وعد المرشح “ترامب” مناصريه بجملة وعود يريد من خلالها تعزيز قدرات بلده وتقوية شكيمة الجيش الأمريكي ليكون قادرًا على إحداث تغيير في خارطة الحروب القائمة منذ أشهر وسنوات ممّا لا فائدة من اضطرامها أصلاً. فهو إلى جانب رفعه شعارَ “أميركا أولاً” ضمن أحد أهدافه الرئيسية مثلاً، يبدو قادرًا أيضًا في التأثير على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء حربها العبثية مع أعدائها التقليديين بتحريضٍ من لاعبٍ أو طرفٍ دوليّ طالما حاربه وعانده ترامب إبّان رئاسته الأولى عندما فرضَ عليه عقوبات حدّت من أطماعه وطموحاته وتدخلاته في صفوف بلدان عربية اكتوت بنيران حروبٍ طائشة وقاسية طيلة عقودٍ وسنواتٍ لم يحصد منها العالم والمنطقة سوى الدمار والخراب والقتل والنهب وتشكيل زوايا وبؤر لا حصرَ لها من الفساد والطغيان والظلم والقسوة بين الإخوة أبناء الوطن الواحد. هذا إلى جانب قدرته بالتأثير السياسي على حلفائه الغربيين بطريقة المساومات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي اعتاد عليها في نهجه السياسي بتأمين الحماية مقابل المال.
ناهيك عن نظرته في تحدّي التنين الصيني الذي يخشى هيجانَه كما فعلَ في ولايته الأولى بسبب سياسة الحصار التي اتبعها في عدوانيته مع سياسة الصين. وقد يدخل ذات النهج مع دول خليجية ترى في أميركا خير حامٍ لها في أمنها وسلامة أراضيها واستثمار عائداتها العديدة.
توازن وخبرة
إنّ العالم ينتظر اليوم من الرئيس الفائز “ترامب” أن يتولى في منطقة الشرق الأوسط خاصةً، مسألة فرض شيءٍ من التوازن بين حالة الدفاع عن الوجود الإسرائيلي المزروع في جسم العالم العربي وبين التعايش المرتقب والمنتظَر مع أصحاب الأرض ومَن يدّعي نصرتَهم وحقهم في تشكيل دولتهم على حدودٍ أو توافقات أو تعهداتٍ مع جهاتٍ راعية دولية لإنهاء حالة الصراع العربي- الإسرائيلي المتزايد بفعل تدخلات خارجية ودخيلة من أطرافٍ تبحث لها عن مصالح ومكاسب ومنافع وسط أكوام الخراب والدمار والقتل التي يرزح تحتها المواطنون الأبرياء في فلسطين بجميع مكوّنات وأطياف وأديان مواطني هذا البلد الذبيح ظلمًا. فالوجود مطلوبٌ ولا بدَّ منه لجميع هذه الأطراف شاءت بعض الكيانات والدول والأطراف المعنية أم أبتْ. وهنا لا يسعنا إلاّ ملاحظة خفّة التسارع لعددٍ من الزعامات السياسية والرؤساء والملوك ومتولّي مسؤوليات مهمة في العالم لتهنئة الرئيس الفائز “ترامب”، إنْ تزلّفًا وتملّقًا أم حذرًا وخشيةً من فقدان بوصلة التأثير الداخلي في أوطانهم بسبب ما تحملُه حقيبة الرئيس القادم من مشاريع ومفاتيح وحلول وأوامر، إنْ صحّ التعبير، في مجمل السياسة الدولية التي تعهّدَ “ترامب” بمراجعة خارطتها السياسية مع اكتسابه خبرة طيلة السنوات الأربع المنصرمة التي فقد فيها كرئسيّ الرئاسة بالطريقة التي يعرفها الجميع آنذاك في 2021.
وهنا لا بدّ من التأكيد بتكهنات حقيقية في مسألة تشكيل خارطة سياسية في العلاقات الدولية مع توليه المنصب تنفيذيًا في 20 كانون ثاني القادم 2025. وهذا ما أعرب عنه العديد من رؤساء وزعماء العالم ومنهم روسيا التي أشار فيها قيصرُها العنيد “بوتين” إلى أمله بالمساعدة في تسهيل إنهاء الصراع مع أوكرانيا. في حين تمنى غيرُه وبحذر ملحوظ، ومنهم الرئيس الفرنسي “ماكرون” بالاستعداد للتعاون مجدّدًا مع رئيس البيت الأبيض كما اعتاد في سابق عهده من دون نسيان الإشارة إلى بلوغ بلده شيئًا من الطموح الأوربي في تقييمه لهذا الفوز الجديد غير المرحَّب به من قبل البعض في أوربا مثلاً.
إن الخبرة المتراكمة للرئيس “ترامب” من فترة رئاسته الأولى 2107-2020، عندما اصبح الرئيس 45 لبلاده وأدار دفّة الحكم طيلة تلك الفترة بشيءٍ من الحدّة والجدّية وبعض القسوة والاستغلال في تعامله مع ملفات ساخنة في أفغانستان والصين وروسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وشبه القارة الكورية خاصة، يمكن لها أن تلاقي ترحيبًا دوليًا إذا حصلت في أجواء التوافق والتاثير الكاريزمي المقبول الذي يتمتع به “ترامب”، خصوصًا عندما لاحظنا على شاشات القنوات الدولية المتنوعة هدوءَه الحذر وقدرتَه على التحاور والإقناع وفرض الرأي بالأسلوب الذي ظهر عليه على الملأ ونال استحسان الكثيرين. فهو يجيد اختراق دهاليز الطرف المتحاور وقادرٌ على إقناع المقابل بوجهة نظره بضرورة ديمومة قوة بلاده وسيادتها على غيرها من دول العالم. وهذا ما يمنحه شكيمة وعزيمة يستلهمُها من تشجيع ناخبيه والمندهشين من قدرته وكاريزميته السياسية المنبعثة أساسًا من خلفيته التجارية والاقتصادية كرجل أعمال ناجح في مجال الاقتصاد والتجارة، ما أكسبَه قدرةً سياسية كبيرة في مواجهة المقابل وإقناعه بتبادل المصالح عبر صفقات ورفض أية علامات للخسارة في أي مشروع أو تعامل سياسي أو اقتصادي. فمنطق رجال الإعمال من شأنه دومًا إيجاد الحلول لأصعب المواقف وترميم المكسور بأقصر الطرق وأقلّ الخسائر. وهذا ديدن السياسي المخضرم في مدرسة الحياة صاحب الخبرة والمراس والمواقف. ولعلّ ما منحه قوةً أكبر في اختياره بهذه الشاكلة أن معظم الذين صوّتوا لصالحه كانوا يقصدون فوزَه هو وليسَ نكاية بمنافسته الديمقراطية. في حين أنّ مَن صوَّتَ لهذه الأخيرة كان من منطلق العداء له ولسياسته ولجمهوره وحزبه، بحسب البعض من التحليلات والتقارير الدولية. وهذا صحيحٌ إلى حدٍّ بعيد. وشتّان ما بين الرؤيتين!
منهج السلام من خلال القوة
المهمّ في نهاية المطاف، أن يفي الرئيس “دونالد ترامب” في أول يومٍ لتوليه منصبه التنفيذي رسميًا في 20 كانون ثاني 2025، بجُلِّ ما وعد به في مسعاه لإنهاء الحروب الكارثية في مناطق عديدة من العالم، ومنها حرب غزّة ولبنان التي مضى على اضطرامها مع إسرائيل أكثر من عامٍ وراح ضحيتها الكثير من الأبرياء بسبب الخطأ الفادح في نشوبها من دون وعي أو إدراك ما حصدته من خيبات وخذلان وتراجع دعم وإسناد من أطرافٍ دولية تحريضية كانت تهدف للحفاظ أصلاً على مكاسب ومنافع ومصالح إقليمية ضيقة. ناهيك عن الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا التي لا طائل من اندلاعها أصلاً بسبب طموحات خاوية سعت بها روسيا لاستعادة مجدها القيصري باطلاً في مشهدٍ لاستعراض القوة مع أميركا وحلفائها الغربيين في حلف الناتو. ومن الحكمة أن نقول كما قالها أحد الحكماء:” ليس هناك أعداء دائميون كما ليس هناك أصدقاء دائميون” لأنّ لغة المصالح هي سيّد المواقف التي يتحدث بها الجميع. ولا شيءَ أصلح وأكثر نفعًا ومنطقًا إلاّ في تحقيق منهج السلام من خلال فرض القوّة بطريقة الحكماء.