نقطة ضوء
المكتحلون بالتراب
محمد صاحب سلطان
من حين لآخر، يجب على المرء مهما كان موقعه ،ان يعود لإصول تكونه،وبدايات نشأته ولإعوام دراسته ،وللمراحل الأول لعمله، بأي قطاع وظيفي كان،ويتذكر،كيف كان الآخرون يعاملونه ويرعونه،حتى صلب عوده وتفتقت (مهاراته) المشروعة وغير المشروعة التي أوصلته الى ما هو عليه من منصب،جعله يتحكم بأحوال الناس وموظفيه، وليتعظ من التاريخ الذي يعلمنا إن الامبراطوريات دائما ما تذهب وتأتي غيرها، وكذا الحكومات والمناصب والسلطات النافذة عند البشر، ومهما علا الفرد بموقع ما،عليه أن يضع نصب عينيه، إن هذه المواقع و(الهيلمان) الذي هو فيه،لا بد يوما أن يغادره مهما طال الزمن أو قصر، ولذا عليه أن ينتبه الى سلوكه وتعامله مع الآخرين، ولا يصيبه الغرور فيما هو فيه من جاه أو سلطة، وأن يبتعد عن العجرفة والتعالي على الناس، وليتذكر دائمأ، بأن البساطة في التعامل والرقي فيه ولا سيما مع الذين أسهموا بشكل أو بآخر،في تربيته وتوجيهه،دراسيا او وظيفيا أو تدريبيا ،ومن لهم الفضل فيما هو عليه الآن، وليتذكر، ان من يطعم وحش الجحود في داخله ،يعاني دوما من عسر هضم!.. ما دفعني لما ذكرت ،شكوى نشرها صديق عزيز، مضطرا، بعد ان ضاقت به السبل في مقابلة من كان أدنى مرتبة منه ومن تلاميذه، ويبدو إن ظاهرة الجحود أضحت عامة التي يواجهها المتقاعدون في زماننا العجيب هذا، وأولئك برغم معاناتهم المعيشية والصحية وعسر الحال، لا يريدون سوى حسن التعامل في الاستقبال والتقييم المعنوي لما قدموه، لا أن يركنوا لساعات أو ربما لأيام بانتظار (رحمة) من يساعدهم في الحصول على حق لهم،وتحت صلافة مدير المكتب أو السكرتير، ان وصلوا اليهم!. ممن يسمعونهم سمفونية الاعتذار المتكررة بانشغال (السيد العام) بكثرة الاجتماعات وحجج أخرى لقنها لهم سيدهم، حتى وان كان المتقاعد قد أخذ موعدا مسبقا!.. على أية حال ما الفائدة من متابعة شخص يحاول الهرب؟ لنقص في تربيته السلوكية والوظيفية، لإن الإنسان برأي المختصين،أشبه ما يكون بالماء، لانه يأخذ شكل الإناء الذي يصب فيه.. لذا لا نطلب من صاحب المنصب أن يكتحل بالتراب الذي يطأه أستاذه،ولكن على الأقل احترامه وتقديره، والاستماع الى نصائحه إن رغب، وهذا يأتي من حسن التربية والمعرفة، كونها الاداة الأولى في تطهير الذات.
فلا يتصور صاحب أي منصب ،ان من سبقوه من المتقاعدين هم (اكسباير)، لا فائدة منهم، لأنه سيلتحق بهم آجلا أم عاجلا، وتلك هي سنة الحياة التي لا راد لها، فكن طيبا أيها المسؤول، كي تبقى اعمالك تذكر، وترفق بمن سبقوك!.