الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة

يوميات الحرب على لبنان.. صخرة الروشة..وطن العشاق والنازحين

إضاءات
بواسطة azzaman

يوميات الحرب على لبنان.. صخرة الروشة..وطن العشاق والنازحين

 

بيروت- غفران حداد

مع بدء غارات العدو الإسرائيلي على مدن بيروت وضواحيها، بإستهداف عناصر حزب الله وضرب بنيته التحتية وما تبعه من نزوح مدني فاق المليون مواطن ، توزعوا بين مدارس رسمية ومراكز إيواء لهم ،فيما البعض الآخر لا يزال مفترشاً الطرقات ولم يجد له مكان يؤيه، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات لنازحين في خيامٍ بلاستيكية على طول الخط البحري ،ومقابل صخرة الروشة ، مشهد آلم الكثيرين كيف تتحول فجأة بيروت من قبلِة السياح الى مدينة معزولة عن العالم لتصبح مدينة أشباح ترى فيها مشاهد الموت والخراب وسماع أزيز الطائرات الحربية التي تقدم لنا الخسائر المجانية في الممتلكات والأرواح وبشكل يومي .

أتذكر أول مرة رأيت فيها صخرة الروشة عندما كنت بمرحلة المراهقة من خلال فيلم “أبي فوق الشجرة” (إنتاج سنة 1969) وعلى إيقاع أغنية “جانا الهوى جانا ”،كانت صخرة الروشة نقطة مركزيّة في ختام مشاهد الأغنية، حيث يستلقي البطلان عبد الحليم حافظ، وناديا لطفي على طرف القارب العابر سريعًا من فتحة الصخرة، بتوزيع متعدّد الجهات للكاميرا، فمرّة هي على القارب، أو في قارب مجاور، ومرّة العدسة تواكب المشهد من الكورنيش، لنشاهد الصخرتين، في أفضل حلّتهما.

جمال صخرة الروشة" وواجهتها البحرية واحدة من أبرز المعالم السياحية في بيروت، حيث تحولت مزاراً مهماً لكل السياح، خصوصاً للإستمتاع برؤيتها ومشاهدتها عن قرب وأخذ الصور التذكارية على خلفية الصخرة،

لكن اليوم مع تعليق جميع شركات الطيران رحلاتها من وإلى لبنان، غادر جميع السيّاح ،بل حتى سكان الكثير من المدن التي كانت آمنة قبل توسع الغارات الجوية الإسرائيلية وبدء الحرب البرية في الجنوب .

الخط البحري

كيف لنا كمواطنين ان نمارس هواياتنا من المشي وركوب الدراجات الهوائية على طول الخط البحري للترفيه عن النفس ونحن نرى منظر الأطفال والنساء والمسنين يفترشون الطرقات وبعضهم تحت الخيام؟ أشعر بالخجل من ممارسة حقوقي المتواضعة  ، أبسط تفاصيل حياتي اليومية ،أن أعود إلى بيتي في العاصمة، لدي سقف يحميني على الأقل في الوقت الحاضر ، وغيري من المئات الآلاف أجبروا قسرا على مغادرة منازلهم ؟ ، فجأة أخذوا حقائبهم على حين غفلة ورحلوا، تركوا الصباحات المشتركة وشرب القهوة حول ورد الجوري وشجر الزيتون والعنب ، لم يكن لديهم الوقت للملمة الصور المعلقة على الجدران ، تركوا كل شيء وتغربوا داخل الوطن. منذ أسابيع قريبة كان الخط البحري وصخرة الروشة مقصد للنزهات وعنوان للسعادة اليومية والأسبوعية المتجددة، فهو مكان ترفيهي مجاني لأصحاب الميزانيات المتواضعة، ومصدر رزق للباعة الجوالون لبيع الورد ، غزل البنات ،القهوة والعصائر ، الكعك، الذرة المسلوقة، الفول والترمس، وترى هنا وهناك المصورين وهم يحملون" كاميرات فورية " ،تجذب الأصدقاء والسائحين والعشاق على حد سواء .

كانت صخرة الروشة " إحدى المحطات الأساسية لمستشرقي القرنين الثامن والتاسع عشر الذين وفدوا لإستكشاف الشرق الأوسط في ظل الحكم العثماني وتتكون من صخرتين، إحداهما أكبر من الثانية، والكبيرة مجوفة الوسط ويبلغ ارتفاعها 70 مترًا، أما الصخرة الصغيرة فتأثرت بعوامل التعرية ،وأصبحت مُدببة الشكل ،و على مدى السنين أصبحت مكاناً لإجراء النشاطات الوطنية والاجتماعية والرياضية وغيرها، إذ قام بتسلقها بعض المغامرين والهواة، واعتلت صخرتها أعلام ولافتات لها دلالات ومناسبات، حتى إن بعض المرشحين للانتخابات النيابية اللبنانية وضعوا خلال فترة الحرب الأهلية صورهم عليها

العملة اللبنانية

بل إن رسمها موجوداً على العملة اللبنانيّة الورقيّة، فئة عشر ليرات (كان آخر إصدار منها سنة 1986) وعلى ورقة نقديّة من فئة مئة ألف ليرة لبنانيّة صدرت بتاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2020، في مناسبة مرور مئة عام على إعلان دولة لبنان الكبير .

فيا أيقونة بحر بيروت الشامخة ، أيتها الشمس التي علمتنا كيف تشرق فوق انقاض الحروب، يا صخرة العشاق والأبطال ،التي تُقتَل فتولد من جديد وتحلّق مثل طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الأنقاض والرماد، يا إبنة بيروت ،ايتها الثائرة المقاومة، العصية على الموت، إنهضي من جديد ‏، يليق بكِ أن تكون ضوءًا لا ينطفئ، أن تكوني وردًا لا يموت، و ماءٌ لا يجُفّ، يليق بكِ أن تكوني كل الأشياء السعيدة التي لا يمكن أن يعبرها الحزن يومًا ما.


مشاهدات 288
الكاتب
أضيف 2024/10/09 - 6:08 PM
آخر تحديث 2024/12/13 - 2:50 PM

طباعة
www.Azzaman-Iraq.com