رسالة سائق تك تك
نوزاد حسن
منذ سنوات قرأت كتاب غاندي قصة تجاربي مع الحقيقة. ما أثار انتباهي في كتاب غاندي هو مراقبته لنفسه خوفا عليها من فساد السياسة. نعم كانت هذه مشكلة غاندي الحقيقية. نعرف جميعا أزمات البلد، وما يهمني وأنا وريث قراءات شخصية جدا أن رجل السياسة يتمتع بقدرة كبيرة على تقديم الوعود والإغراءات وتغيير المواقف، تبعا للمصلحة التي تجعل الحزب مرنا وقادرا على التأثير. هذه هي قواعد اللعبة السياسية التي نشاهدها عند كل انتخابات. لنقل هي قواعد تضمن للسياسيين بقاءهم
واستمرارهم. تشبه هذه القواعد عملية تلقين قصيدة لشخص لا يقرأ ولا يكتب.
ما اكتشفته في مذكرات غاندي هو ذلك الصراع الداخلي العنيف بين مبادئ غاندي وبين واقع السياسة. المبادئ تعني هنا نظرة صافية إلى واقع الناس دون تزييف. وما يحدث دائما هو جعل المبدأ أهم من المواطن، ومن عذاب الشعب. وهذا ما لم يفعله غاندي.
مثلا: لم تسكر كلمة استقلال الهند غاندي، ولم يرقص لهذا الاستقلال وقد حدثت مجازر للمسلمين. لو كانت روح غاندي مصابة بالعمى لابتهج وبرر كل ما يقع، ولعوض المسملين واعتبرهم شهداء مرحلة. اما في مجتمع كمجتمعنا تصبح سيارة الاجرة أو التك تك وسيلة لايصال رسالة ما لمن يقرأ تلك الكتابات التي تخط وتلصق في خلفية سيارة أو «تك تك».حكم وأبيات شعرية بالعامية، وأقوال، وأمثال شعبية، كل هذا نقرأه ونحن نقف في أوقات الازدحام أو نلمحه بدافع الفضول، حين يعبر سائق «تك تك» مسرعا من قربنا.في الحقيقة استوقفتني عبارة مكتوبة على غطاء الـ»تك تك» الجلدي الاحمر، وجعلتني أفكر بفوضى حياتنا، وحجم العذاب الذي نعاني منه.
تقول العبارة «اذا لم تقدم الحكومة لنا نظاما عادلا فستخسرني كمواطن صالح».
أعرف بالتأكيد أن صاحب الـ»تك تك» عثر على هذه العبارة من تصفحه اليومي لمواقع كثيرة في النت. لكن اختياره لها يدل على أن هذا الشاب يعرف المشكلة التي تتفاقم يوما بعد اخر دون ان يوضع لها حلا جذريا.
ترى ما هي مشكلتنا الرئيسة التي جعلت سائق الـ»تك تك» هذا يعلن رأيه من خلال عبارة تحذرية. أظن ان مشكلتنا هي في تلك الفجوة بين النظام السياسي وبين الشعب. وربما يكون أخطر ما يواجهنا هو شعورنا اننا نتعرض كل يوم لنوعٍ من الخداع، لا يمكننا فضحه بسهولة. وأكثر ما يحزننا هو لا مبالاة السياسيين بكل ما يجري من أحداث.