الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
في اطار الأمن الإقليمي.. فرص التعاون والتنسيق لمواجهة كوارث الشرق الأوسط

بواسطة azzaman

في اطار الأمن الإقليمي.. فرص التعاون والتنسيق لمواجهة كوارث الشرق الأوسط

عماد علوّ

 

المقدمة والغرض

     تعتبر منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم وأكثر المناطق عالميًا عُرضة للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الرملية والزلازل، والغير طبيعية (من صنع الإنسان مثل الحروب). ويتفاقم هذا الوضع مع تهديد آثار تغير المناخ للنظم البيئية الهشة والإدارات الحكومية، غير المستعدة لمواجهة هذه التغيرات والتداعيات الناجمة عنها. ويتأثر الوضع أيضًا بالاستقطاب المتزايد والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتقاربة المتعددة والتفتت السياسي والحروب (الأهلية) الدولية والتوترات الإقليمية. واستنادا” لكل ذلك، فقد اكتسبت آليات مواجهة الكوارث في الشرق الأوسط أهمية كبيرة، في وقت تواجه المنطقة مستويات منخفضة من الاستعداد وتفتقر العديد من الدول في الشرق الاوسط إلى القدرة على التعامل مع التكرار المتزايد وكثافة هذه الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية.

      ونظرًا للطبيعة العابرة للحدود السائدة للكوارث الطبيعية ومن صنع الإنسان، فإن التعاون عبر الوطني والإقليمي يوفر فرصة كبيرة لمواجهة والحد من تأثير وتداعيات الكوارث الطبيعية والغير طبيعية (من صنع الانسان)، كما أنه من شأن هذا التعاون الإقليمي أن يعزز القدرات الوطنية ويخلق تآزرات من الصعب تحقيقها من خلال الاستجابات الوطنية للدول وحدها. لأمن الإقليمي وسوف نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على الآليات والقدرات الوطنية لدول منطقة الشرق الأوسط لمواجهة الكوارث الطبيعية، والتي يمكن أن تشكل الأساس والمنطلق لحشد القدرات لدول منطقة الشرق الأوسط لمواجهة تداعيات الكوارث الطبيعية ومن صنع الانسان في طار الأمن الإقليمي الذي تنشده دول منطقة الشرق الأوسط.

 القدرات الوطنية لمواجهة الكوارث

   ان المقصود بالقدرات الوطنية لمواجهة الكوارث، الوزارات وآليات التنسيق وأنظمة الإنذار المبكر واستراتيجيات إدارة المخاطر، التي تتوافر عليها دول منطقة الشرق الاوسط للعمل في مجال إدارة جهود مواجهة تداعيات ومخاطر الكوارث في دول الشرق الأوسط.  ان الوقوف على هياكل مؤسسات وقدرات مواجهة الكوارث في منطقة الشرق الأوسط، سيمكننا من تعزيز الثقة بضرورة التآزر من أجل تقليل مخاطر وتداعيات الكوارث الطبيعية ومن صنع الانسان العابرة للحدود. أن المعلومات عن هذه القدرات الإقليمية في منطقة الشرق الاوسط، تم جمعها من خلال البحث المكتبي للمواقع الإلكترونية الوطنية والإقليمية ذات الصلة، فضلاً عن تحليلات محتوى الدراسات/الوثائق التي أعدتها كيانات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحوث بشأن إدارة مخاطر الكوارث في المنطقة. والتي يوضحها الجدول:

يتضح من الجدول أعلاه، أن القدرات الإقليمية لمواجهة مخاطر وتداعيات الكوارث والحالات الطارئة، في منطقة الشرق الأوسط، تتفاوت من بلد الى آخر من حيث الهياكل التنظيمية، والتجهيزات والآليات والمعدات ووسائل الاسناد والدعم اللوجستي ومستوى الاعداد والتدريب للكوادر العاملة والمتخصصة في مجال الاستعداد والتخطيط والإنقاذ ومواجهة التداعيات، وذلك بسبب عدة عوامل منها المستوى والحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وكذلك الطبيعة الجغرافية والمناخية، وطبيعة النظام السياسي أيضا»، كل ذلك قد يشكل معاضل وتحديات حقيقية أمام فرص التعاون والتنسيق بين دول المنطقة لمواجهة ودرء مخاطر الكوارث والحالات الطارئة.

التعاون الاقليمي

       أن التعاون بين دول منطقة الشرق الاوسط في إدارة مخاطر الكوارث، بات يحظى باهتمام متزايد من قبل حكومات ودول المنطقة. وهذا ما ذكره تقرير البنك الدولي في تقريره الصادر عام 2014 بعنوان “الكوارث الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، والذي أبرز فيه أن حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ركزت اهتمامها بشكل متزايد على إدارة مخاطر الكوارث الوقائية بالنظر إلى ارتفاع الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية. كما تبرز هذه الأهمية المتزايدة المنسوبة إلى مبادرات إدارة مخاطر الكوارث الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال سلسلة من الاتفاقيات والإعلانات التي نُشرت في السنوات الأخيرة مثل الإعلان الوزاري العربي لعام 2007 بشأن تغير المناخ الذي يدعو إلى دمج الحد من مخاطر الكوارث في إدارة البيئة وسياسات تغير المناخ، والاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2020، والتي تركز على تعزيز المعرفة والقدرات في مجال الحد من المخاطر لتعزيز المرونة الإقليمية. وبناءً على ذلك، تم إطلاق الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث في عام 2015. تم اعتماد استراتيجية الحد من المخاطر 2030 من قبل جامعة الدول العربية في الرياض في عام 2018، مع الاعتراف بأن المخاطر لا يمكن منعها وتقليل تأثيرها إلا من خلال العمل الجماعي، عبر أطر التعاون الاقليمي في مجال إدارة مخاطر الكوارث وكما يلي:

مجلس التعاون الخليجي (GCC): أنشأ مجلس التعاون الخليجي مركز إدارة الطوارئ (EMC) في عام 2013 في الكويت بهدف تعزيز تنسيق الاستعداد للطوارئ والاستجابة لها بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويسعى المركز إلى تعزيز إدارة المخاطر الإقليمية ودعم الاستجابة الإقليمية للحوادث وتعزيز التكامل الإقليمي والتشغيل البيني من خلال تطوير وتنفيذ خطط إقليمية لإدارة أنواع مختلفة من حالات الطوارئ (مثل الحوادث النووية والإشعاعية). وعلى هذا النحو، يعمل مركز إدارة الطوارئ على تعزيز الجهود نحو استجابة موحدة وفعالة للكوارث الطبيعية والبشرية بين دول مجلس التعاون الخليجي. ولتحقيق هذه الغاية، ينسق مركز إدارة الطوارئ مع هيئات إدارة الطوارئ الوطنية والمنظمات الأخرى ذات الصلة لتبسيط الجهود ومشاركة الموارد. على سبيل المثال، يشرف على تطوير وتنفيذ خطة التأهب والاستجابة الإقليمية للطوارئ الإشعاعية والنووية (RRNEPR) التي تم تطويرها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

جامعة الدول العربية: أنشأت جامعة الدول العربية في عام 2007 آلية التنسيق العربية للحد من مخاطر الكوارث كإطار تنظيمي رسمي لإدارة مخاطر الكوارث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويهدف إنشاء هذه الآلية، على أساس إطار عمل هيوغو (2005 - 2015)، إلى دعم الدول العربية في مواجهة الكوارث الطبيعية. ويتمثل هدف آلية التنسيق في الحد من الآثار السلبية للكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ في المنطقة. وتم تنظيم الاجتماع الأول لآلية التنسيق العربية للحد من مخاطر الكوارث في يناير 2018 في تونس بالتعاون مع المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لاستراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث (UNISDR) وركز على تنفيذ إطار سينداي (2015). ناقش الاجتماع تنفيذ الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2030 وفي عام 2022 في القاهرة ناقشت المجموعة تنفيذ شبكة عربية للرصد الإشعاعي البيئي والإنذار المبكر. كما أنشأت جامعة الدول العربية في عام (2008)، المركز العربي للوقاية من الزلازل والمخاطر الطبيعية (ACPENH)، الذي يهدف الى تعزيز البحث في الحلول التقنية للحد من مخاطر الزلازل، ومنع الكوارث الطبيعية، وتشجيع التعاون العلمي والتقني بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.

مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، المكتب الإقليمي للدول العربية (UNDRR ROAS): ويسعى المكتب الإقليمي للدول العربية للحد من مخاطر الكوارث، من خلال تنظيم مؤتمر اقليمي نصف سنوي بعنوان (اجتماع الشراكة العربية للحد من مخاطر الكوارث)، يجمع الدول الأعضاء العربية والوكالات الحكومية الدولية وغير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة وأعضاء الأوساط الأكاديمية والنساء والشباب والمجتمع المدني. وفي إطار هذه الاجتماعات، تتم مراجعة وتطوير ومواءمة الاستراتيجيات الإقليمية وخطط العمل للحد من مخاطر الكوارث وتعزيز قدرة المجتمع والوطن على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية. المتعلقة بتنفيذ إطار سينداي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحتى الآن، عقدت عشرة اجتماعات، كان آخرها في فبراير 2024 في الكويت. كما شكل المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (المنصة الإقليمية للدول العربية)، التي تعمل كمنصة للحكومات لإعادة تأكيد التزاماتها بإطار عمل هيوغو، فضلاً عن تبادل الخبرات بشأن ممارسات وأساليب الحد من مخاطر الكوارث الناجحة.

 وتجمع المنصة بين الدول الأعضاء العربية والمنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والأكاديميين والشباب والمجتمع المدني والنساء لمراجعة وتطوير ومواءمة تنفيذ الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث وخطط العمل ذات الأولوية للحد من المخاطر وبناء قدرة المجتمعات والدول على الصمود في مواجهة المخاطر الطبيعية والبشرية. وعلاوة على ذلك، فإنها تمكن من تبادل الخبرات بشأن تعزيز جهود الحد من مخاطر الكوارث. وستستضيف الكويت المنصة الإقليمية القادمة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وهي تستند إلى نتائج المناقشة الفنية للاجتماع العاشر للشراكة العربية للحد من مخاطر الكوارث.

استنتاجات ختامية

       استنادا” لما سبق يتضح لنا، وجود فهم مشترك بين الدول في منطقة الشرق الاوسط وفي مؤسساتها لمخاطر الكوارث المحتملة ومصدرها والحاجة إلى التحضير والتخفيف والاستجابة الفعالة. وعلى الرغم من هذا الأساس، لا يزال هناك طيف متنوع من التصنيفات ودرجات التعريفات بين الدول فيما يتعلق بهذه المخاطر. ومن الأمثلة على ذلك عُمان، التي تسرد أكثر من 12 حادثة طوارئ محتملة. كما تسلط وكالات معظم البلدان الضوء على الكوارث “من صنع الإنسان”، وخاصة التهديدات الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، فضلاً عن التهديدات التي تفشل فيها المنشآت البشرية في العمل، مثل السدود في حالة الفيضانات. ومن الأمثلة الأخرى العراق، الذي يشمل أيضًا التهديدات الإرهابية، وحوادث الحريق المتكررة. كما يُرى اتفاق واسع النطاق بين الدول بشأن إدراج المخاطر الطبيعية (وخاصة العواصف الرملية والفيضانات المفاجئة والزلازل والحرائق)، كما هو الحال في دول مثل اليمن والعراق، والتي تدمج مسؤوليات إدارة مخاطر الكوارث داخل وزارات البيئة. وعلاوة على ذلك، تدرج بعض الدول، مثل الكويت، فرق الإطفاء كآليات استجابة محلية.    كما يمكننا تلمس فهما” موضوعيا” لأهمية التنسيق والإدارة بالنسبة لدور منظمات إدارة الكوارث الوطنية الحالية، الا أنها تحتاج الى المزيد من الصلاحيات والتفويضات والقدرة على تطوير أي مستويات جديدة من قدرة التنسيق مع بقية الأجهزة الحكومية الأخرى لاسيما القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، التي يمكن أن تلعب دورا” مؤثرا” في عمليات مواجهة مخاطر الكوارث والحالات الطارئة. ومن جهة أخرى، لابد من منح مؤسسا ومنظمات مواجهة والحد من مخاطر الكوارث تفويضات في التنسيق والتعاون مع نظيراتها في الدول الأخرى سواء ضمن منطقة الشرق الأوسط أو المنظمات الدولية الأخرى في مجال إدارة مخاطر الكوارث في سياق الآليات الإقليمية والدولية التي تعمل على تحقيق هذا الهدف المشترك. أن الاهتمام الرسمي بالتعاون بين دول منطقة الشرق الاوسط في إدارة مخاطر الكوارث، سيؤمن القدرة على تقديم قيمة مضافة لمنع الأزمات أو التخفيف منها لأولئك الذين هم في حاجة فورية وضرورية لها، من خلال استثمار الطيف المتنوع من القدرات والآليات المختلفة التي استعرضناها واشرنا اليها في هذه الورقة.


مشاهدات 68
الكاتب عماد علوّ
أضيف 2024/09/28 - 12:35 AM
آخر تحديث 2024/09/28 - 10:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 58 الشهر 40270 الكلي 10028892
الوقت الآن
الأحد 2024/9/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير