الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السجن‭ ‬صحبة حمودي‭ ‬الحارثي‭ ‬بهجة

بواسطة azzaman

السجن‭ ‬صحبة حمودي‭ ‬الحارثي‭ ‬بهجة

علي السوداني

 

حدثت‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬الشتائية‭ ‬سنة‭ ‬ألف‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وسبعة‭ ‬وتسعون‭ ‬،‭ ‬وكنا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬هجرة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬يومية‭ ‬من‭ ‬مساء‭ ‬غاليري‭ ‬الفينيق‭ ‬الثقافي‭ ‬وعلامته‭ ‬الأشهر‭ ‬هي‭ ‬طاولة‭ ‬الشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬البياتي‭ ‬،‭ ‬إلى‭ ‬ليل‭ ‬حانة‭ ‬الياسمين‭ ‬القريبة‭ . ‬للبياتي‭ ‬مائدته‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الحان‭ ‬وضيوفه‭ ‬الذين‭ ‬يصطفيهم‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬معنا‭ ‬الراحل‭ ‬الجميل‭ ‬حمودي‭ ‬الحارثي‭ ‬والشاعر‭ ‬محمد‭ ‬تركي‭ ‬النصار‭ ‬والشاعر‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬عجام‭ ‬والمسرحي‭ ‬حسين‭ ‬علوان‭ ‬،‭ ‬وحلَّ‭ ‬علينا‭ ‬بحسن‭ ‬المصادفة‭ ‬أو‭ ‬بسوء‭ ‬الحظ‭ ‬كما‭ ‬سيتبين‭ ‬لاحقاً‭ ‬الصحفي‭ ‬معد‭ ‬فياض‭ .‬

على‭ ‬رنين‭ ‬كؤوس‭ ‬عرق‭ ‬حداد‭ ‬الذهبي‭ ‬،‭ ‬قرأ‭ ‬البياتي‭ ‬قصائد‭ ‬من‭ ‬ديوانه‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬‭ ‬البحر‭ ‬بعيد‭ ‬أسمعه‭ ‬يتنهد‭ ‬‮«‬‭ ‬،‭ ‬فسكرت‭ ‬الجلسة‭ ‬وطابت‭ ‬النفوس‭ ‬وعلى‭ ‬باب‭ ‬أوشالها‭ ‬،‭ ‬غادر‭ ‬علي‭ ‬عبد‭ ‬الأمير

وفعل‭ ‬مثله‭ ‬أبو‭ ‬علي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دفع‭ ‬فاتورة‭ ‬الحساب‭ ‬الثقيل‭ ‬،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬كائنات‭ ‬السهرة‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬برؤوسهم‭ ‬مساحة‭ ‬لاحتساء‭ ‬المزيد‭ . ‬قال‭ ‬معد‭ ‬إن‭ ‬لديه‭ ‬زجاجة‭ ‬خمر‭ ‬فاخرة‭ ‬نائمة‭ ‬بصندوق‭ ‬السيارة‭ ‬،‭ ‬واقترحت‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬أستضيفهم‭ ‬حيث‭ ‬أسكن‭ ‬بمنطقة‭ ‬تقع‭ ‬لصق‭ ‬سجن‭ ‬جويدة‭ ‬المشهور‭ ‬،‭ ‬فصفق‭ ‬الجمع‭ ‬وحملنا‭ ‬معد‭ ‬بسيارته‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الرحلة‭ ‬وقفنا‭ ‬عند‭ ‬دكان‭ ‬بيع‭ ‬الخضار‭ ‬واشترينا‭ ‬رقّيّة‭ ‬عظيمة‭ ‬على‭ ‬السكين‭ ‬،‭ ‬وبمنتصف‭ ‬الدرب‭ ‬أخرجت‭ ‬لنا‭ ‬إشارة‭ ‬ضوئية‭ ‬خافتة‭ ‬لسانها‭ ‬الأحمر‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الحماقة‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬منا‭ ‬نصف‭ ‬العقل‭ ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬طلبنا‭ ‬من‭ ‬معد‭ ‬أن‭ ‬يضرب‭ ‬الإشارة‭ ‬ويلبس‭ ‬القانون‭ ‬ففعل‭ ‬ذلك‭ ‬طائعاً‭ ‬وضاحكاً‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬دوسة‭ ‬بانزين‭ ‬واحدة‭ ‬حتى‭ ‬لمعت‭ ‬أمامنا‭ ‬سيارة‭ ‬نجدة‭ ‬تعوي‭ . ‬حاولنا‭ ‬الإعتذار‭ ‬لكن‭ ‬الشرطي‭ ‬لم‭ ‬يقتنع‭ ‬وذهبنا‭ ‬خلفه‭ ‬إلى‭ ‬مخفر‭ ‬شرطة‭ ‬المهاجرين‭ ‬بأول‭ ‬جبل‭ ‬عمان‭ ‬وبتنا‭ ‬ليلتنا‭ ‬بين‭ ‬ضحك‭ ‬ولوم‭ ‬وندم‭ ‬،‭ ‬وهنا‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬حمودي‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬والسجناء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التمثيل‭ ‬الطازج‭ ‬والقفشات‭ ‬اللذيذة‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬وصل‭ ‬الضابط‭ ‬ليفتح‭ ‬لنا‭ ‬محضر‭ ‬توقيف‭ ‬سألنا‭ ‬الأسئلة‭ ‬المعتادة‭ ‬ومنها‭ ‬سؤال‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬إسم‭ ‬الأم‭ ‬فنطقنا‭ ‬بأسماء‭ ‬الأمهات‭ ‬المباركات‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬عبوسي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬للضابط‭ ‬بصوت‭ ‬مرتجل‭ ‬واثق‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬العيب‭ ‬يا‭ ‬جناب‭ ‬الآمر‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬أسماء‭ ‬أمهاتنا‭ ‬،‭ ‬فغرقت‭ ‬قاعة‭ ‬السجن‭ ‬المؤقت‭ ‬بضحك‭ ‬عظيم‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬ظهيرة‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحنا‭ ‬وانتهى‭ ‬اليوم‭ ‬والليلة‭ ‬بوعد‭ ‬لا‭ ‬يثنى‭ .  ‬

البارحة‭ ‬مات‭ ‬حمودي‭ ‬الحارثي‭ ‬أو‭ ‬عبّوسي‭ ‬وفق‭ ‬تسمية‭ ‬أهل‭ ‬العراق‭ ‬العليل‭ ‬،‭ ‬وترك‭ ‬خلفه‭ ‬الموس‭ ‬والحلاق‭ ‬والسبورة‭ ‬السوداء‭ . ‬بمقدوري‭ ‬الآن‭ ‬الإنصات‭ ‬لحواره‭ ‬الأخير‭ ‬مع‭ ‬ضيفه‭ ‬ملك‭ ‬الموت‭ ‬الرهيب‭ . ‬ربما‭ ‬طشَّ‭ ‬عليه‭ ‬سلة‭ ‬نكات‭ ‬مثل‭ ‬رشوة‭ ‬تأخير‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬لي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الضحاك‭ ‬العظيم‭ ‬قد‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬الصارم‭ ‬دقائق‭ ‬معدودات‭ ‬،‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترتيب‭ ‬السرير‭ ‬وخلع‭ ‬ورقة‭ ‬أخيرة‭ ‬من‭ ‬روزنامة‭ ‬الحائط‭ ‬الباهت‭ .‬


مشاهدات 277
الكاتب علي السوداني
أضيف 2024/08/20 - 4:25 PM
آخر تحديث 2024/08/31 - 3:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 83 الشهر 83 الكلي 9988705
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير