الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الترجمة‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم

بواسطة azzaman

الترجمة‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم

عزالدين عناية

 

لا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يواجه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المتنوّعة،‭ ‬آثارها‭ ‬جلية‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء‭ ‬منها‭: ‬مستحقّات‭ ‬التعدّدية،‭ ‬بوجهيها‭ ‬الديني‭ ‬والثقافي،‭ ‬ومستوجَبات‭ ‬السلم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومراعاة‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬الأصيلة،‭ ‬واحترام‭ ‬نظيرتها‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬عليها‭ ‬الهجرة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا‭. ‬وهي‭ ‬قضايا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬بمثابة‭ ‬أخبار‭ ‬عابرة،‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام؛‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬تطارح‭ ‬آثارها‭ ‬وأبعادها‭ ‬بعمقٍ،‭ ‬وإمعان‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬وحولها‭ ‬بالبحث‭ ‬والدراسة‭ ‬والترجمة‭.‬

ومهما‭ ‬بدا‭ ‬المرءُ‭ ‬معزولا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى،‭ ‬حين‭ ‬يرزح‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬المشاكل‭ ‬الفردية،‭ ‬فالثابت‭ ‬والجليّ‭ ‬أنّ‭ ‬ثمة‭ ‬جدلية‭ ‬وصِلة‭ ‬بين‭ ‬مشاكل‭ ‬الفرد‭ ‬الشخصية‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم‭ ‬الجماعية،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬مشاكل‭ ‬الفرد‭ ‬هي‭ ‬قضايا‭ ‬العالم‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم‭ ‬هي‭ ‬مشاكل‭ ‬الفرد‭. ‬ولعلّ‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬وصناعة‭ ‬النشر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أوكد‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬لمعالجته‭ ‬لإدراك‭ ‬ذواتنا‭ ‬وللإحاطة‭ ‬بقضايا‭ ‬العالم‭.‬

الصناعة‭ ‬الثقافية‭ ‬وقضايا‭ ‬العالم

لعلّ‭ ‬من‭ ‬الصائب،‭ ‬لو‭ ‬شئنا‭ ‬عنوانا‭ ‬لمداخلتنا‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬تساؤل‭ ‬لقلنا‭: ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬اليوم؟‭ ‬ومن‭ ‬تشغله‭ ‬قضايا‭ ‬العالم؟‭ ‬مجالات‭ ‬النشر‭ ‬والقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬هما‭ ‬مسألتان‭ ‬تسائلان‭ ‬أوضاعنا‭ ‬الراهنة،‭ ‬المعرفية‭ ‬والحضورية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بَيْد‭ ‬أنهما‭ ‬تشكوان‭ ‬من‭ ‬المعالجة‭ ‬السوية‭ ‬والمعمَّقة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الأول،‭ ‬‮«‬النشر‭ ‬والترجمة‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬عملٌ‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تعكف‭ ‬على‭ ‬الاشتغال‭ ‬به‭ ‬مؤسسات‭ ‬خاصة‭ ‬لدينا،‭ ‬وهي‭ ‬مؤسسات‭ ‬في‭ ‬أوضاعها‭ ‬الحالية‭ ‬قاصرة‭ ‬عن‭ ‬بلوغ‭ ‬المرجو،‭ ‬لأنها‭ ‬باختصار‭ ‬تلاحق‭ ‬تحقيق‭ ‬الربح‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬عائدات‭ ‬مادية‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬وقلّما‭ ‬يرتبط‭ ‬عملا‭ ‬النشر‭ ‬والترجمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬بمعالجة‭ ‬قضايا‭ ‬ذات‭ ‬أبعاد‭ ‬إنسانية‭.‬

ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬دُور‭ ‬النشر‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬الأعمّ،‭ ‬ليست‭ ‬امتدادا‭ ‬لمراكز‭ ‬أبحاث‭ ‬أو‭ ‬مؤسسات‭ ‬دراسات،‭ ‬أو‭ ‬هيئات‭ ‬علمية‭ ‬ومعرفية،‭ ‬معنيّة‭ ‬بالاشتغال‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬محلي‭ ‬أو‭ ‬دولي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شبه‭ ‬دكاكين‭ ‬تجارية‭ ‬محدودة‭ ‬الأنشطة،‭ ‬لم‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المغازات‭ ‬أو‭ ‬المولات‭ ‬الثقافية‭. ‬ومحدودية‭ ‬النشاط‭ ‬هذه‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬نمطا‭ ‬خُلقيا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الكتّاب‭ ‬والباحثين‭ ‬والمبدِعين،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬محكوما‭ ‬بمعادلتَيْ‭ ‬الاستغلال،‭ ‬وأدخلها‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬للنشر‭ ‬والترجمة‭ ‬محصورا‭ ‬بأهداف‭ ‬مستعجَلة‭ ‬وخاضعا‭ ‬لسياسات‭ ‬ربحية‭. ‬لذلك‭ ‬يبقى‭ ‬دَوْر‭ ‬الانشغال‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬خياراتها‭ ‬وملقى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬مؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬صبغة‭ ‬مقاصدية‭ ‬تتجاوز‭ ‬الهدف‭ ‬التجاري‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬حضوري‭ ‬وتأثيري‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ونقصد‭ ‬بالأساس‭ ‬مؤسسات‭ ‬معرفية‭ ‬وعلمية‭ ‬غير‭ ‬ربحية،‭ ‬تتمتّع‭ ‬بمستوى‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬حتى‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬والتأثير‭.‬

ألمحنا‭ ‬بعجالة،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬إلى‭ ‬نوعي‭ ‬المؤسسات‭ ‬المنشغلة‭ ‬بالنشر‭ ‬والقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬ضمن‭ ‬السياق‭ ‬العربي،‭ ‬وبيّنا‭ ‬أن‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬دُور‭ ‬النشر‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬حلم‭ ‬اليقظة،‭ ‬لأنّ‭ ‬فاقد‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يعطيه‭. ‬فالمسألة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬وإمكانياتها،‭ ‬ولذا‭ ‬تبقى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجماعية‭ ‬الفاعلة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ (‬الثينك‭ ‬تانك‭/ ‬Think tank‭) ‬هي‭ ‬المقتدرة‭ ‬على‭ ‬تولّى‭ ‬هذه‭ ‬المهمّة‭ ‬وتطويرها‭. ‬فالفكر‭ ‬العملي‭ ‬اليوم،‭ ‬والتأثير‭ ‬الثقافي‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬ما‭ ‬عادا‭ ‬صناعة‭ ‬فردية‭ ‬بل‭ ‬صناعة‭ ‬مؤسسة‭ ‬جماعية‭.‬

أعود‭ ‬إلى‭ ‬الإشكال‭ ‬الجوهري‭ ‬في‭ ‬محاضرتنا‭: ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬بوجهيها‭ ‬المعرفي‭ ‬والترجمي،‭ ‬من‭ ‬يصنعها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة؟‭ ‬أم‭ ‬مؤسسات‭ ‬البحث‭ ‬والدراسات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬المستقل؟‭ ‬أم‭ ‬دُور‭ ‬النشر‭ ‬الخاصة؟‭ ‬فخلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬خَبَت‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬تلك‭ ‬الحماسة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬المنشورة‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمّ‭ ‬تراجع‭ ‬هاجس‭ ‬استقبال‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬لكأنّ‭ ‬الدولة‭ ‬غادرت‭ ‬معترك‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬وتركته‭ ‬عرضة‭ ‬لتنافس‭ ‬صبياني‭ ‬محموم‭. ‬تخلّت‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الريادة‭ ‬التي‭ ‬ميّزتها‭ ‬فجر‭ ‬الاستقلال‭ ‬وإلى‭ ‬غاية‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬العبء،‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬التاريخية،‭ ‬ثمة‭ ‬دولٌ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتحمّلها‭ ‬باقتدار‭ ‬وبطرق‭ ‬ذكية‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬فقد‭ ‬تراجع‭ ‬فيها‭ ‬ذلك‭ ‬الدور‭ ‬بشكل‭ ‬فاجع‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬نُقدّر‭ ‬أنّ‭ ‬صناعة‭ ‬النشر‭ ‬والترجمة‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬وتتفاعل‭ ‬مع‭ ‬العالم،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬الدولة،‭ ‬ولكن‭ ‬بروح‭ ‬وثّابة‭ ‬ومسؤولة‭ (‬مشروع‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬أبوظبي،‭ ‬والمركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬ترجمان‭ ‬التابعة‭ ‬للمركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬قطر،‭ ‬هي‭ ‬نماذج‭ ‬حيوية‭ ‬لهذه‭ ‬العين‭ ‬الساهرة‭ ‬والراعية‭). ‬لأنّ‭ ‬المؤسسات‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬المشاريع‭ ‬الهيكلية،‭ ‬الهادفة‭ ‬والواضحة،‭ ‬مثل‭ ‬ترجمة‭ ‬القواميس،‭ ‬والموسوعات،‭ ‬وكبريات‭ ‬مراجع‭ ‬المدوّنة‭ ‬العالمية،‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والآداب‭ ‬والفنون‭ ‬وفي‭ ‬شتى‭ ‬حقول‭ ‬المعرفة،‭ ‬وإلا‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬يأتي‭ ‬استقبال‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والتعاطي‭ ‬معه؟

مقتضيات‭ ‬الإحاطة‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية

من‭ ‬الجليّ‭ ‬أن‭ ‬الانشغال‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬هاجسا‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬وإن‭ ‬حضر‭ ‬هذا‭ ‬الانشغال‭ ‬لدى‭ ‬البعض،‭ ‬فإنّه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يطغى‭ ‬عليه‭ ‬الطابع‭ ‬السياسي،‭ ‬لغلبة‭ ‬التوترات‭ ‬والصّراعات‭ ‬ذات‭ ‬الأثر‭ ‬المعولَم،‭ ‬فتَتوارى‭ ‬قضايا‭ ‬حارقة‭ ‬مثل‭ ‬التفاوت‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والإمعان‭ ‬في‭ ‬تفقير‭ ‬الشرائح‭ ‬المحرومة،‭ ‬وطمس‭ ‬حقوق‭ ‬المظلومين،‭ ‬والتغاضي‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬الهجرة‭ ‬العالمية‭ ‬وغيرها‭. ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬بات‭ ‬الوعي‭ ‬بالعالم،‭ ‬وبقضايا‭ ‬العالم،‭ ‬اليوم،‭ ‬مدعوا‭ ‬لتجاوز‭ ‬التعاطي‭ ‬الإخباري‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬إلى‭ ‬التعاطي‭ ‬المعرفي‭. ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬تعاط‭ ‬معرفي‭ ‬مع‭ ‬العالم،‭ ‬سوى‭ ‬بإنتاج‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬المعمّقة‭ ‬فيه،‭ ‬وردف‭ ‬ذلك‭ ‬بتفعيل‭ ‬عمل‭ ‬الترجمة‭ ‬وتكثيفه‭. ‬ومن‭ ‬جانبنا‭ ‬العربي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬استغراب‮»‬‭ (‬يعانق‭ ‬الغرب‭ ‬معرفيا‭) ‬وبالمثل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬استشراق‮»‬‭ (‬يعانق‭ ‬الشرق‭ ‬الصيني‭ ‬والياباني‭ ‬والهندي‭ ‬معرفيا‭). ‬ولْنكنْ‭ ‬صرحاء‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا،‭ ‬علومنا‭ ‬التي‭ ‬تُدرَّس‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجامعية‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬علوم‭ ‬منكفئة‭ ‬على‭ ‬الداخل‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مجملها،‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬قدرات‭ ‬لغوية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬تفوق‭ ‬القدرات‭ ‬الجامعية‭ ‬الغربية‭ ‬أحيانا،‭ ‬بحوزة‭ ‬مدرّسي‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والفلسفة‭ ‬والحضارة‭ ‬والتاريخ‭ ‬وغيرهم،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬القدرات‭ ‬مجمَّدة‭ ‬أو‭ ‬معطَّلة‭ ‬جراء‭ ‬خمول‭ ‬ذاتي‭ ‬أو‭ ‬جراء‭ ‬مناخ‭ ‬أكاديمي‭ ‬موبوء‭ ‬سائد‭ ‬في‭ ‬جامعاتنا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلّب‭ ‬مصارَحة‭ ‬حقيقية‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانحصار‭ ‬في‭ ‬الداخل‭.‬

فالوعي‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬يقتضي‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬مجالات‭ ‬معرفية‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬الترجمة،‭ ‬وفي‭ ‬واقعنا‭ ‬الحالي،‭ ‬تحوز‭ ‬ترجمة‭ ‬الأدب،‭ ‬وتحديدا‭ ‬الرواية،‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬مما‭ ‬نستجلبه‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ولكن‭ ‬الرواية‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لبناء‭ ‬رؤية‭ ‬صائبة‭ ‬ومكتملة‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭. ‬إن‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬لدينا،‭ ‬والمنشغلين‭ ‬بالفلسفة،‭ ‬والمنشغلين‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والسياسة‭ ‬ونظراؤهم‭ ‬كثيرون،‭ ‬هؤلاء‭ ‬ممّن‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يرصد‭ ‬ويترجم‭ ‬نحو‭ ‬العربية‭ ‬وينقل‭ ‬رؤيتنا‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬لأنهم‭ ‬وببساطة‭ ‬الأدرى‭ ‬بالعالم‭ ‬في‭ ‬مجالاتهم‭ ‬وتخصّصاتهم،‭ ‬وليس‭ ‬انتظار‭ ‬غيرهم‭ ‬ليقوم‭ ‬بذلك‭ ‬الدور‭ ‬بدلا‭ ‬عنهم‭.‬

فالترجمة‭ ‬لدينا‭ ‬اليوم‭ ‬مطالبَةٌ‭ ‬بتصحيح‭ ‬مساراتها‭ ‬لتتحوّل‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬ممّا‭ ‬يدرُّ‭ ‬ربحًا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُؤسّس‭ ‬وعيًا‭. ‬ومن‭ ‬ملاحقة‭ ‬الصّرعات‭ ‬العالمية‭ ‬للـ‭ ‬‮«‬باست‭ ‬سالر‮»‬‭ ‬وأفضل‭ ‬القوائم‭ ‬لدى‭ ‬دُور‭ ‬النشر،‭ ‬إلى‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجاتنا‭ ‬وسدّ‭ ‬النقص‭ ‬لدينا‭. ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيح‭ ‬الغشاوة‭ ‬عنّا‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬العالم‭ ‬رؤية‭ ‬صائبة‭ ‬وواضحة‭. ‬وبالتالي‭ ‬فالترجمة‭ ‬الفاعلة،‭ ‬والحاضرة‭ ‬في‭ ‬الحراك‭ ‬الثقافي،‭ ‬والتغيير‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لا‭ ‬تصنعها‭ ‬دُور‭ ‬النشر‭ ‬المتلهّفة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الربح‭ ‬المستعجل‭.‬

تحيين‭ ‬المعارف‭ ‬بالغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬عبر‭ ‬النشر‭ ‬والترجمة،‭ ‬ضروري‭ ‬للإحاطة‭ ‬بقضايا‭ ‬العالم‭. ‬والجامعة‭ ‬منوط‭ ‬بها‭ ‬دَورٌ‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬تنشئة‭ ‬القدرات‭ ‬البحثية‭ ‬والمعرفية‭ ‬وإنمائها‭. ‬لذا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬الجامعة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة،‭ ‬في‭ ‬تخصصات‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والدينية،‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الفضاءات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمعرفية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحفيز‭ ‬الوعي‭ ‬بالآخر‭. ‬حيث‭ ‬تلوح‭ ‬الرؤية‭ ‬العربية‭ ‬للآخر‭ ‬متقادمة‭ ‬أو‭ ‬مبتورة،‭ ‬لا‭ ‬تفي‭ ‬بشروط‭ ‬الإحاطة‭ ‬والإلمام‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

مداخلة‭ ‬ألقيت‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الرباط‭ ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬مايو‭ ‬2024‭.‬


مشاهدات 360
الكاتب عزالدين عناية
أضيف 2024/08/16 - 8:17 PM
آخر تحديث 2024/12/21 - 3:58 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 186 الشهر 9368 الكلي 10065463
الوقت الآن
الأحد 2024/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير