الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البارحة‭ ‬بالحلم

بواسطة azzaman

البارحة‭ ‬بالحلم

علي السوداني

 

كنت‭ ‬جالساً‭ ‬فوق‭ ‬كرسي‭ ‬عالٍ‭ ‬قائم‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬بمقهى‭ ‬تشبه‭ ‬تماماً‭ ‬مقهى‭ ‬الروضة‭ ‬الدمشقية‭ ‬البديعة‭ ‬،‭ ‬بإستثناء‭ ‬وجود‭ ‬الجايجي‭ ‬أبو‭ ‬داوود‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬كهوة‭ ‬حسن‭ ‬عجمي‭ ‬بحيدرخانة‭ ‬بغداد‭ ‬العزيزة‭ . ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬مختار‭ ‬المكان‭ ‬لبيد‭ ‬المكنى‭ ‬بأبي‭ ‬حالوب‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬المدينة‭ ‬منذ‭ ‬ستٍ‭ ‬عجاف‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬أين‭ ‬حل‭ ‬به‭ ‬الدهر‭ ‬الآن‭ .‬

حزنت‭ ‬كثيراً‭ ‬واستعدت‭ ‬بعض‭ ‬شريط‭ ‬جميل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يلبط‭ ‬بخواصر‭ ‬الذاكرة‭ ‬وثنياتها‭ ‬،‭ ‬وكدت‭ ‬أبكي‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الحنين‭ ‬والوحشة‭ ‬،‭ ‬لكنّ‭ ‬أبا‭ ‬داوود‭ ‬كان‭ ‬زرع‭ ‬أمامي‭ ‬دلة‭ ‬القهوة‭ ‬المرة‭ ‬،‭ ‬فصعد‭ ‬بخارها‭ ‬الطيب‭ ‬إلى‭ ‬باب‭ ‬الخشم‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬رشفتين‭ ‬مشاكستين‭ ‬لفم‭ ‬الفنجان‭ ‬،‭ ‬انفتح‭ ‬باب‭ ‬المكان‭ ‬بقوة‭ ‬ودخل‭ ‬حشد‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬رائعين‭ ‬،‭ ‬بدا‭ ‬على‭ ‬وجوههم‭ ‬وما‭ ‬ظهر‭ ‬من‭ ‬رؤوسهم‭ ‬المغطاة‭ ‬بالكوفيات‭ ‬الدالة‭ ‬،‭ ‬أنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬بمنتصف‭ ‬الثلاثين‭ ‬حتى‭ ‬أخير‭ ‬الأربعين‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬احتفاظهم‭ ‬بحيوية‭ ‬العشرين‭ .‬

جلسوا‭ ‬جميعاً‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬واحدة‭ ‬طويلة‭ ‬كانت‭ ‬أعدت‭ ‬لهم‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬انزرع‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭ ‬مقلوب‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬وبجانبه‭ ‬ركوة‭ ‬صغيرة‭ ‬تشبه‭ ‬التي‭ ‬حطت‭ ‬على‭ ‬مائدتي‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬السدر‭ ‬البهية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنني‭ ‬بانتظار‭ ‬بيعة‭ ‬ثانية‭ .‬

كانوا‭ ‬يتحاورون‭ ‬همساً‭ ‬وبطريقة‭ ‬الوشوشة‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬كبيرهم‭ ‬الذي‭ ‬استوطن‭ ‬الخاصرة‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬يتحدث‭ ‬معهم‭ ‬بلغة‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬يستعملها‭ ‬الخرسان‭ ‬ونراها‭ ‬اليوم‭ ‬محبوسة‭ ‬بمربع‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬الأخبار‭ .‬

بفضول‭ ‬قوي‭ ‬كاسح‭  ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬فك‭ ‬الجزء‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬الحديث،‭ ‬وكان‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬العلامات‭ ‬والحركات‭ ‬التي‭ ‬ترسمها‭ ‬الأكف‭ ‬وعضلات‭ ‬الوجوه‭ ‬وزم‭ ‬الشفاه‭ ‬ونفخ‭ ‬الهواء‭ ‬،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يتصل‭ ‬بالطيران‭ ‬والصواريخ‭ ‬المجنحة‭ ‬والمسيّرات‭ ‬الواثقات‭ ‬شبيهات‭ ‬الأبابيل‭ ‬وحاملات‭ ‬السجيل‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬مهوى‭ ‬الأصابع‭ ‬ومسقط‭ ‬النهايات‭ ‬فوق‭ ‬خريطة‭ ‬ملونة‭ ‬هي‭ ‬تمام‭ ‬فلسطين‭ ‬الحبيبة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬،‭ ‬فزادني‭ ‬المنظر‭ ‬بهجة‭ ‬ورضا‭ ‬عظيم‭ ‬،‭ ‬وكدت‭ ‬أنط‭ ‬من‭ ‬مكاني‭ ‬وأصنع‭ ‬لهم‭ ‬دبكة‭ ‬الحرية‭ ‬الرائعة‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬عاجلني‭ ‬النادل‭ ‬المشورب‭ ‬القاسي‭ ‬أبو‭ ‬داوود‭ ‬بكفه‭ ‬الغليظة‭ ‬ومنعني‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬،‭ ‬وأخرج‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬المتخفي‭ ‬ضحكة‭ ‬غير‭ ‬معهودة‭ ‬،‭ ‬مرة‭ ‬ساخرة‭ ‬هازئة‭ ‬،‭ ‬فنهرته‭ ‬وشتمته‭ ‬ووجهت‭ ‬له‭ ‬تهمة‭ ‬قاتل‭ ‬الأمل،‭ ‬فردَّ‭ ‬عليَّ‭ ‬بصفعة‭ ‬لا‭ ‬تثنى‭ ‬أسقطتني‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬سريري‭ ‬بصومعتي‭ ‬الباردة‭ ‬،‭ ‬غادرت‭ ‬معها‭ ‬بقايا‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬اللذيذ‭ !!!‬


مشاهدات 334
الكاتب علي السوداني
أضيف 2024/08/13 - 4:15 PM
آخر تحديث 2024/11/23 - 6:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 94 الشهر 10012 الكلي 10053156
الوقت الآن
الأحد 2024/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير