الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة

الوعاظ‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عكاظ

مقالات
بواسطة azzaman

الوعاظ‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عكاظ

علي السوداني

 

لبستُ‭ ‬البارحة‭ ‬قلادة‭ ‬الإخفاء‭ ‬العظيمة‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬ارتداه‭ ‬فريد‭ ‬شوقي‭ ‬بشريط‭ ‬فتوة‭ ‬الناس‭ ‬الغلابة‭ .‬

يممتُ‭ ‬وجهي‭ ‬صوب‭ ‬قصر‭ ‬السلطان‭ ‬المزروع‭ ‬قبالة‭ ‬بحر‭ ‬الظلمات‭ ‬الأكبر‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬الوقت‭ ‬عشاء‭ ‬وصوت‭ ‬المؤذن‭ ‬ينساب‭ ‬ويقطر‭ ‬شجناً‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬سلّم‭ ‬مقام‭ ‬الصبا‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬يتبدل‭ ‬ويزحف‭ ‬قليلاً‭ ‬نحو‭ ‬عتبات‭ ‬التطريب‭ ‬والتجويد‭ ‬اللذيذ‭ .‬

كان‭ ‬الحاكم‭ ‬بنهاية‭ ‬التكبير‭ ‬وأول‭ ‬البسملة‭ ‬،‭ ‬وحيث‭ ‬انحنى‭ ‬واحدودب‭ ‬وقبض‭ ‬على‭ ‬ركبتيه‭ ‬،‭ ‬عاجلته‭ ‬بقهقهة‭ ‬تشبه‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬بطن‭ ‬القمقم‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬مسحه‭ ‬بكف‭ ‬المراد‭ ‬ودعاء‭ ‬الزاد‭ ‬وقوة‭ ‬الحيل‭ ‬ووجع‭ ‬البلاد‭ ‬وسخام‭ ‬الأيام‭ ‬ولعنة‭ ‬العباد‭ .‬

كمنت‭ ‬على‭ ‬ميسرة‭ ‬منه‭ ‬كانت‭ ‬ملونة‭ ‬بفاكهة‭ ‬وطعام‭ ‬وشراب‭ ‬ومكسرات‭ ‬،‭ ‬ومسورة‭ ‬بجوقة‭ ‬خادمات‭ ‬حوريات‭ ‬عاطرات‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬أنهى‭ ‬سجدته‭ ‬الأخيرة‭ ‬ونادى‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬مهزوز‭ ‬مرتبك‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬الشرطة‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬دقائق‭ ‬معدودات‭ ‬حتى‭ ‬حضر‭ ‬الصاحب‭ ‬الطويل‭ ‬صحبة‭ ‬كتيبة‭ ‬من‭ ‬جند‭ ‬مدججين‭ ‬مسلحين‭ ‬هاتفين‭ ‬يا‭ ‬عونك‭ ‬أيها‭ ‬العزيز‭ ‬المفدى‭ !!‬

سألهم‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬الضحكة‭ ‬المجلجلة‭ ‬التي‭ ‬سمعها‭ ‬وهو‭ ‬قائم‭ ‬يصلي‭ ‬،‭ ‬فأنكر‭ ‬الجمع‭ ‬الأمر‭ ‬مرة‭ ‬وأربعين‭ ‬مرة‭ .‬

طلب‭ ‬الوزير‭ ‬الأول‭ ‬الداهية‭ ‬اللماح‭ ‬وقص‭ ‬عليه‭ ‬الواقعة‭ ‬،‭ ‬فاحتار‭ ‬واقترح‭ ‬على‭ ‬مليكه‭ ‬جلب‭ ‬الكاهن‭ ‬الأعظم‭ ‬ففعل‭ ‬السلطان‭ ‬ذلك‭ ‬وجيء‭ ‬له‭ ‬بالمجلبب‭ ‬المعمم‭ ‬المزوق‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أطرق‭ ‬وبسمل‭ ‬وحوقل‭ ‬واستعاذ‭ ‬واستخار‭ ‬وقال‭ ‬بصوت‭ ‬خفيض‭ ‬مستل‭ ‬من‭ ‬أوشال‭ ‬خطاب‭ ‬جمعة‭ :‬

إبشر‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬روحي‭ ‬لك‭ ‬الفداء‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬باب‭ ‬معجزة‭ ‬وقد‭ ‬سمعتها‭ ‬أنا‭ ‬مثلك‭ ‬والآن‭ ‬تيقنت‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لعبة‭ ‬شيطان‭ ‬أراد‭ ‬بث‭ ‬الرعب‭ ‬بقلبك‭ ‬المؤمن‭ ‬المطمئن‭ ‬،‭ ‬ولما‭ ‬رآك‭ ‬وقد‭ ‬أكملت‭ ‬صلاتك‭ ‬ودعاءك‭ ‬المستجاب‭ ‬،‭ ‬أدار‭ ‬لك‭ ‬مؤخرته‭ ‬وظهره‭ ‬وهرب‭ ‬من‭ ‬مدخنة‭ ‬القصر‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬بتلك‭ ‬اللحظات‭ ‬الحواسم‭ ‬نور‭ ‬هو‭ ‬نور‭ ‬وجهك‭ ‬الذي‭ ‬أضاء‭ ‬أيامنا‭ ‬وحمانا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭ ‬رجيم‭ .‬

أما‭ ‬أنا‭ ‬فلقد‭ ‬غادرت‭ ‬وقلادتي‭ ‬الثمينة‭ ‬المكان‭ ‬الرهيب‭ ‬،‭ ‬وتركت‭ ‬نعالي‭ ‬الملطخ‭ ‬بروث‭ ‬البقر‭ ‬فوق‭ ‬مائدة‭ ‬حاكم‭ ‬الجهات‭ ‬الأربع‭ ‬بانتظار‭ ‬حفلة‭ ‬كاهن‭ ‬جديد‭ !!‬


مشاهدات 302
الكاتب
أضيف 2024/07/30 - 3:56 PM
آخر تحديث 2024/10/08 - 11:38 PM

طباعة
www.Azzaman-Iraq.com