الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السوس ينخر فينا

بواسطة azzaman

السوس ينخر فينا

مصطفى فاضل

 

الطائفية تواصل زحفها مجدداً بوجه مستهلك، يطل علينا كل عام مع بداية شهر محرم. يستتر تحت وشاح من يُفترض أنهم أصحاب رأي ومشورة، وهم الفاعلون والمؤثرون في المجالين السياسي والاجتماعي. إنها موجة عارمة من الحقد الدفين الذي يعبر عن حقبة ماضية مكبوتة ووضع حالي مضطرب. اختلطت الأمور ببعضها، وغابت أو غُيبت المؤسسات المعنية بضبط الوضع بفعل فاعل أو نتيجة لتحيز القائمين عليها طائفياً أو قومياً، وعلى رأسها مؤسسة القضاء. والضحية هو المواطن البسيط وما تبقى من كيان الدولة الذي لا يُراد له أن ينهض مجدداً.تصفح تطبيقات “إكس” (تويتر سابقاً)، أو “فيسبوك”، أو غيرها من تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، ستجد أن منسوب الطائفية في هذه الأيام الأولى من شهر محرم مرتفع بشكل مخيف. والسؤال المنطقي: من أين يأتي هؤلاء بكل هذا الكره والبغضاء تجاه إخوتهم في المواطنة؟ هل يمكن لخلافاتٍ مضت عليها آلاف السنين أن تمنعنا من عيش حياتنا كما يجب؟ هل تعيقنا من رؤية الحياة من منظور إنساني ووطني شامل بعيد عن التخندق الطائفي؟وما يلفت النظر هو أن هذا الشحن الطائفي يرشح كسم الأفعى عن فئة محدودة تقتصر على بعض شخوص الطبقة السياسية الفاسدة. وهم -على ندرتهم- ولكن بفعل مواقعهم المهمة في الدولة، أو عدد متابعيهم، أو تأثيرهم على أصحاب القرار يُؤخذ حديثهم بحديث طائفة كاملة ليس لها بهذا التعصب ناقة ولا جمل، ليغرسوا في الطرف المقابل فكرة مفادها: “إن ما نقوله يؤيده الكثيرون من أبناء جلدتنا، وهم يزيفون هذا القول بالكذب والخداع وهذا أسوأ ما في هذه الحقبة التي نعيشها الآن”. فالنظام السابق بكل دكتاتوريته وجرمه بحق أبناء البلد لم يتحدث بلسان طائفي بغيض، فالناس عنده إما مؤمنون بالحزب والثورة أو مارقون خارجون عن القانون، ولا تفرق رصاصته بين أبناء البلد على اختلاف دينهم أو قوميتهم إن كان فمهم يتحدث بما لا يليق -من وجهة نظر النظام- الحزبية.ألم يحن الوقت لكسر قوقعتنا والانفتاح على أنفسنا أولاً، ثم على العالم ثانياً؟ إلى متى سيبقى الوضع متوتراً هكذا؟ مناقشة الخلافات الطائفية في الكتب المعنية بذلك، أو تدريسها في المؤسسات المتخصصة أمر مقبول، حيث يمكن لأي شخص قراءة هذه الكتب والبحث فيها، أو مراجعة تلك المؤسسات لمعرفة الحقيقة واعتناقها. لكن أن يستغل الموضوع من قبل من هب ودب للطعن في الآخر بالتعرض لرموزه وثوابته الدينية في العلن بأسلوب همجي بذيء، فهذا أمر غير مقبول.ألا تعرفون مسك العصا من الوسط؟ ألا تعرفون أن الاعتدال في كل شيء هو أساس الحكمة؟ طقوس الجميع محترمة ومقدرة شريطة الحرص على تنظيمها باعتدال ووسطية، بما في ذلك الحفاظ على سلامة البيئة، وعدم المساس بانسيابية الحياة العامة، فالعراق كغيره من بلدان العالم يحتضن تنوعاً ثقافياً ودينياً يجب أن نقدره. ولا ينبغي لأي فئة أن تدعي ملكيتها للعراق؛ فأرضه وما تخرجه من خيرات ملك لجميع أبنائه. والتعاطف والتضامن مع الآخرين هما ركيزتا قوتنا كإخوة، وإذا لم نستطع أن نتعلم من التجارب السابقة خلال العشرين سنة الماضية، فلن نتمكن من التقدم نحو مستقبل أفضل؛ فالوحدة تمكننا من تحقيق أهدافنا المشتركة، بينما الانقسام والكراهية يضعفاننا ويحولان دون تحقيق طموحاتنا، دعونا نعمل جميعاً على تعزيز الوسطية والتفاهم المتبادل، ونتشارك لحظات الحزن والفرح مع بعضنا البعض، بغية بناء عراق يحتضن الجميع دون تمييز إلا على أساس المواطنة.يذكرنا كاتب عصر التنوير فولتير بالقول: “الخلاف الطويل يعني أن كِلا الطرفين على خطأ”. ألم تكفنا 1414 سنة لنضع خلافاتنا جانباً ونصافح بعضنا البعض بكل ما في أعماقنا من مودة، أو ما تبقى منها؟ ألم يحن الوقت لنعامل بعضنا بإنسانية، بعيداً عن أي حكم سابق أو منطلق طائفي ضيق يجعل معتنقه يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه؟ ولنتذكر دائماً أن الوطن للجميع، وليس حكراً على أحد، فنحن جميعاً كيان واحد خرج من رحم معاناة استمرت لسنين طوال. فلا تشوهوا هذا الكيان ولا تفسدونه بالأفكار المسمومة والحقد الدفين الذي يأكل هذا البنيان كسوس يأكل الخشب. لا تضربوا الإسفين في أساسه وتعودوا بنا إلى المربع الأول بأسابيعه الدامية، فليس في النفس متسع، ولا في القلب مكان لكل ذلك الألم.

 

 

 


مشاهدات 107
الكاتب مصطفى فاضل
أضيف 2024/07/27 - 1:09 AM
آخر تحديث 2024/08/30 - 7:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 55 الكلي 9988677
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير