عاهرة ونصف مجنون.. بين الوهم والحقيقة في رواية حنا مينه
محمود خيون
قرأت كثيرا للكاتب والروائي اللبناني حنا مينا وتذوقت طعم الكتابة من خلال اسلوبه الشيق وسردياته المتميزة والمتلاحقة مثل( المصابيح الزرق والشراع والعاصفة والثلج يأتي من النافذة وبقايا صور وحكاية بحار وغيرها ) لكنني توقفت عند روايته الأخيرة( عاهرة ونصف مجنون ) الصادرة عن دار الآداب والتي تحدث فيها وبكل صراحة عن الفقر وتأثيراته على المجتمع والعائلة الواحدة..خاصة تلك العوائل التي تعيش في غرفة واحدة تضم الآباء مع الأبناء بحيث يشعر الأبناء وتطرق اسماعهم أنفاس أمهاتهم أثناء مضاجعة الآباء لهن وتكون عملية الجماع معروفة تماما لدى الأبناء وهم تارة يشعرون بالضيق وتارة أخرى يشعرون باللذة الجنسية وتقشعر ابدانهم، فهنا الأمر يختلف، لكن اللعبة ذاتها الايلاج...( وكانت البنت لورنس تسمع ما يجري بشكل مبهم بعض الكلمات المعروفة بأسمائها، تحبس قدر المستطاع، تتعذب تحب امها، تكره والدها، تريد أن يموت، أن يكف عن النوم مع امها لا تعرف سبب هذه الشتائم البذيئة المتبادلة، لا تعير اهتماما لضيق الغرفة، لنوم أخيها أو اختيها، تفضل النوم في السرير إلى جانب امها، وعندما تنتهي المعركة بين والديها، تضع يدها أسفل بطنها، تحس على نحو ما، أن هذه النقطة في أسفل البطن، هي التي كان يجري فيها أمر غريب )...كان هذا شعور البنت لورنس شعلول الطفلة التي كانت تتألم مما يجري بين والديها ستحمل ذكرى هذا الذي كان يجري في مراهقتها وصباها، ونضج أنوثتها، وتجد أن العدوانية، مدفوعة بالنشوة الجنسية، تكف عن أن تكون عدوانية، وانها هي لورانس شعلول من حقها وبأندفاع اني أن توغل في طلب اللذاذات مع رجل وآخر وآخر، بالزواج وغيره، وأن فجورها مبرر تماما، لأنه حق مكتسب، مثلما كان لوالدتها في صباها، ولكن امرأة في هذا الصبا، وأن الاختراق، بين الذكر والأنثى، اختراق فيه متعة الجسد وفيه التناسل، كقانون طبيعي ما دامت المرأة انتسلت من ضلع الرجل بأدارة الباري سبحانه وتعالى..لتكون لعبة هذا الرجل، وشريكته في الكفاح على الأرض، بعد هبوط آدم وحواء من السماء، أثر تذوق التفاحة الأولى...ومما تقدم فأن ما أراد الكاتب حنا مينه طرحه في روايته( عاهرة ونصف مجنون ) هو أن الفقر قد يولد الكثير من المشكلات بين الأسرة الواحدة ويتبين ذلك على سلوك كل فرد من افرادها ويتضح ذلك جليا من خلال شعور بطلة الرواية لورانس شعلول بأنها كانت ضحية لتصرفات والديها و ممارستهم للجنس على مراى ومسمع أولادهم إذ يعيشون جميعهم في غرفة واحدة وهذا هو حال أكثر الأسر الفقيرة..ويؤكد ذلك في القول ولكن الحق على من على الرجل او المرأة أو الأولاد فإذا قلنا الحق على الفقر، فكأننا لم نقل شيئا، في الأمثال أن البرد سبب كل علة، هذا صحيح إلى حد ما، إلا أن الأصح هو الفقر فالاغنياء لا يرتجفون من البرد شتاء ولا يكتوون بالحر صيفا، انهم يملكون المال، مادام المال موجودا فالانتصار على القر والحر من البديهيات،إننا في الزمن الرديء، والبشر اردياء لسبب بسيط كونهم نتاج تأريخهم الاجتماعي...وبين الوهم والحقيقة ومتعة الأحلام تظل هواجس الناس تتأرجح بين حجم المعاناة وحجم الأمنيات التي أراد لها الكاتب حنا مينه أن تكون هي المحور الرئيسي والمهم في روايته( عاهرة ونصف مجنون ).