الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عراضات بني حِسن

بواسطة azzaman

كلام أبيض

عراضات بني حِسن

جليل وادي

 

لم يحدث أن التقيته، لكني تعرفت عليه بمشاعري وخبرته بوجداني، وتأملته بصور شعر المهاويل التي قيلت فيه، ومئات الآلاف التي تجمعت لأجله، فاهتزت له جوانحي، ومن خلاله سألت نفسي : وماذا يريد الانسان من الدنيا أكثر من أن يكون كبيرا في عيون الناس؟ وعندما تبكيه القلوب قبل العيون، وعندما تصدح القصائد متغنية به، وعندما يدعو له الغريب قبل الغريب بالرحمة، ثلاثة ليال وانا أبحر بكم هائل من فديوهات اليوتيوب، والبوسطات التي عجت بها مواقع التواصل الأخرى، وأدهشني ما رأيت، أن تشترك كل هذه الجموع في محبة رجل واحد، لم يكتسب شهرة من سياسة، او ينالها من مال، او له امبراطورية اعلامية تروج لما ليس فيه، كما يروج السياسيون لأنفسهم بشراء أوقات في الفضائيات لتنقل ما يريدون قوله، وندري ان جل ما يقال كذب وتضليل، وان الأوصاف التي نعتوا بها زائفة ولا حظ لها من الحقيقة.

كنت أمر بديارهم في طريقي لقضاء حاجة، او زيارة أقارب يسكنون في قرى مجاورة،  وحسبت الأمر عاديا، كأي عشيرة فراتية، لكن الواقع كشف لي حقائق جديرة بالاهتمام والتأمل لما تنطوي عليه من دلالات منها ما هو سياسي. لم تكن وفاة الشيخ مثنى آل حِسن حدثا عابرا، وان ما حظي به من تكريم جماهيري ليس عاديا، وان الجموع التي جاءت معزية من مختلف المحافظات ليس أمرا طبيعيا، بل ان كل ذلك يؤكد ما تتمتع به هذه الشخصية من صفات انسانية رفيعة، وانها قيادية بكل معاني هذه الكلمة، والا ما حملته الأكتاف بمختلف انتماءاتها سنية كانت ام شيعية، مسيحية ام مسلمة، ورجال الدين على اختلاف مذاهبهم، والسياسيون على تباين توجهاتهم، والمجتمع بتعدد قومياته،  هكذا هو القائد الحقيقي أن يجتمع فيه وجدان الأمة.

في منطقة تكاد تكون نائية، لكنها صارت قِبلة للجميع، فازدحمت طرقاتها والمناطق المحاذية لها وعلى مسافة عشرات الكيلو مترات، وكلها متجهة الى ديار بني حِسن معزية بوفاة أمير قبيلتها، الذي لم نره على شاشات التلفزيون الا ما ندر، ومع ذلك بلغ صيته الآفاق، لقد حظي هذا الرجل الذي لم أتشرف بلقائه من قبل بتشييع مهول، من لحظة هبوط جثمانه المطار حتى مواراة جسده في مقبرة النجف الى جوار المنبع الذي نهل منه كل القيم النبيلة الامام علي عليه السلام، ما كنت أتوقع يوما أن يفوق تشييع شخص ما التشييع الذي نالته سيدة الغناء العربي ام كلثوم، عندما هبت الجماهير بعفوية مطلقة لتعترف بجميلها، حتى رأيت تشييع أمير بني حِسن، فرأيت ذات العفوية، وذات الاعتراف بالجميل، ومع انه لا يجوز المقارنة بين الأثنين، لكني لا أشك ابدا بأنهما صنعا الجمال، جمال القيم الانسانية المعبر عنها فنا غنائيا، وجمال كلام حق قيل في جلسات عشائرية، والذي رأيته من تشييع مماثل لشخصيات سياسية او دينية فغالبيته تشييع منظم وليس عفويا، باستثناء تشييع شيخنا الكبير أحمد الوائلي الذي أزال الكثير الشوائب العالقة في فهم الناس لديننا الحنيف ولمذاهبنا الكريمة.

لو لم يكن الحق والشرف والضمير والبخت موجودا في الشيخ الحسناوي ما نال هذا التشريف الجماهيري المدوي، فاهتزت له أركان الدولة من زاخو حتى الفاو على حد تعبير أحد المهاويل في عراضات التشييع، فلم تكن عراضة واحدة، بل أينما حط جثمانه كانت هناك عراضة تفوق الأخرى قوة بحشودها وهوساتها وبيارغها. وليس بوسعي القول : ان هذا الشيخ قد مات، لا أبدا انه حي في وجدان الجماهير، وهذا هو الخلود بعينه الذي يفترض أن يسعى له كل انسان، أجزم ان هذا التشييع المهيب درس بليغ وشرف رفيع، والحليم من تعلم منه : ان من يضع أهله في حدقات عيونه ترفعه قلوبهم الى السماء.

جليل وادي

jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 174
الكاتب جليل وادي
أضيف 2024/06/10 - 1:13 AM
آخر تحديث 2024/08/28 - 2:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 55 الكلي 9988677
الوقت الآن
الأحد 2024/9/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير