رعب في مدرسة الصحابة
محمد علي شاحوذ
يبقى التعليم هو الميدان الأهم لقياس مستوى تقدم الامم والشعوب, ومن دون شك فإن دول العالم المختلفة تتفاخر بإنجازاتها المتحققة في إدارة هذا الملف, وتخصص ميزانيات ضخمة في التعليم, وتجتهد في تطبيق الاساليب الحديثة التي تُحفز طلبتها للدراسة, وتلقي مختلف العلوم, لكننا, ومع كل الاسف, نرى العكس في بلادنا, فما زال نظامنا التعليمي يفكر بعقلية القرون الوسطى, ويصر البعض من مسؤولي التعليم في اجترار ذات السياسات الخاطئة المتوارثة في ادارة العملية التربوية, وبالتالي المزيد من التقهقر والتراجع في نظامنا التعليمي اذ لا تزال مدارسنا تتعامل بطريقة الكتاتيب مع الطلبة, وبقت أسيرة التلقين, وصرنا ندور في فلك الأسئلة الجاهزة، والإجابة المعلبة بعيدا عن طرق الابداع والتفكير، ولو ألقينا نظرة مقارنة بسيطة بيننا وبين دول العالم لأصابتنا الخيبة مع شعور بالألم والحسرة, ففي اليابان مثلا يتفنن مشرفو التربية في بناء شخصية الطالب, ويبدعون في تعزيز ثقته بنفسه من خلال استخدام اساليب التعليم الحديثة المبنية على اساس التجريب, ومنح الطلبة الوقت الكافي للإبداع والتفكير, ويقول مدير احدى المدارس السيد يوهوسونو( إن واجبي أن أنشئ التلاميذ، ليصبحوا ناضجين قادرين على تقوية بناء الأمة، ومبدئي الأساسي هو كل شخص يستطيع أن يقوم بأي دور).
اساليب التخويف
وفي دولة فنلندا المتقدمة في ميدان التعليم, ومن أجل ضمان تطوير التعليم الابتدائي الاساس فان معلمي المدارس الابتدائية هم حصرا من حملة شهادات الماجستير في مختلف التخصصات, والذين يبدعون في فن التواصل مع طلبتهم لتعزيز قدرات طلبتهم واطلاق العنان لمخيلتهم وافكارهم دونما ضغوط, وبعيدا من اساليب التخويف والترهيب, وتقول (ريتا اركينجونتي) وهي مديرة إحدى المدارس الشاملة قرب العاصمة : (يعتمد التدريس على الدعم والمشاركة والتفاعل, كما يعمل الطلاب باجتهاد، دون أن يجبَروا على ذلك من خلال الطلب أو التخويف أو الضغط ), وبينما تحرص السيدة(اركينجونتي) في إبقاء باب مكتبها في المدرسة مفتوحا طوال الوقت بوجه طلبتها لتبادل التحايا, وتدعيم اواصر الألفة والمحبة, وبث روح الطمأنينة والارتياح في نفوسهم, فقد حرصت احدى المشرفات التربويات المكلفات بمراقبة امتحانات البكالوريا للمرحلة الابتدائية في مدرسة الصحابة في مركز مدينة الرمادي في توبيخ طلبتها والصراخ عليهم وترهيبهم مما جعل معظمهم في حالة رعب وخوف وهم اطفال صغار كانوا بأمس الحاجة الى الهدوء والطمأنينة للتركيز في اداء امتحان الرياضيات, متناسية الست المشرفة التعليمات المشددة في تهيئة الاجواء المناسبة للامتحانات, ومتجاهلة دور العامل النفسي المهم في حسم النجاح, ضاربة بعرض الحائط كل نظريات علم النفس في التعامل الانساني والابوي مع طلبة صغار في أول تجاربهم الدراسية في امتحانات البكالوريا !!.
ويؤسفني القول أن بعض مشرفينا ومشرفاتنا في المدارس هم أنفسهم بحاجة الى مشرفين, وهم بأمس الحاجة الى دورات تثقيفية دورية في علم النفس ليتعلمو شيئا ولو بسيطا من فن التعامل مع الطلبة, والغريب ان الكثير منهم مازال يمارس الديكتاتورية بأبشع صورها مع عقلية ضحلة بالمعلومات وفاشلة في مفاهيم الإدارة الناجحة.
عنصر بشري
ومنذ سنوات خلت ونحن نناقش ونبحث ونكتب المقالات ونضع الحلول دون جدوى، ولابد لنا من إحداث ثورة في السياسات والادارة والقيادة وكفاءة العنصر البشري، ثورة تضمن تغير في أساليب وطرق التدريس لأن مدارسنا مازالت تعلم المعرفة وليست المهارة, ومن اجل ذلك يتوجب علينا تغير سياساتنا الرجعية مثلما نغير جدران الصف, وعلينا زرع الثقة والطمأنينة في نفوس طلابنا مثلما نزرع شتلات الورد في باحات المدرسة, مثلما يتوجب علينا ان نجعل من مدارسنا منابرا لحرية التعبير والرأي والنقد البناء والنقاش العلمي واحترام الأخر, لا أن نجعل منها عنابرا للتنفيس عن امراضنا واحقادنا وللحديث صلة