الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عَلا عليٌ بالمعرفة ومعرفةُ عليٌ عُلا

بواسطة azzaman

عَلا عليٌ بالمعرفة ومعرفةُ عليٌ عُلا

ماهر جبار محمد الخليلي

 

(علي ابن ابي طالب عليه السلام) اسم كتب على الجلود والورق ونحت في الجبال والاحجار وسارت به زقزقة الطيور بين الوديان والانهار ورددته الالسن منذ الف واربعمائة سنة، وتربع على عرش القلوب المحبة والمؤمنة، وحفظته ذاكرة الازمنة والامكنة، واستوعبته عقول العلماء والمفكرين والفلاسفة، وذكرته الكتب المقدسة بصور واشكال مختلفة. لو بحثنا في شخص امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام نجده مكتمل الخلق بالصفات والسمات المتسامية التي عرفتها الانسانية منذ وجدت على الكرة الارضية، الشّجاعة والتّضحية والاقدام والبسالة كانت ولا زالت تقاس به، ولم نجد رواية تاريخية في عمق تاريخ المسلمين عن شخصية صحابيّ او من التابعين لها مواقف واداء في البطولة والفداء كما رويت عن الامام علي ابن أبي طالب عليه السلام.

مسارات القضاة

عندما تذكر الايمان تجده في المرتبة الاولى ايمانا بالفعل والقول والاداء، واذا ذكرت الاستقامة تجده سائرا على خط مستقيم كانه رسمه بنفسه ويعرفه جيدا، واذا تتبعت مسارات القضاة العادلين في التاريخ بحثا عن اكثرهم عدلا تجده الاول والاقدر والامهر في هذا المجال الصعب، اما اذا ذكرت العلم والمعرفة فتجد في خطاباته واقواله وحكمه التي ملأت الكتب ما يملأ البحار والوديان ، بل تجده نجما لامعا سامقا منفردا في المدار العالي وجميع العظماء والعلماء على مستوى الكون كله في المدارات الادنى، وليس نهج البلاغة شاهدا وحيدا وانما النزر اليسير من بحر علمه.شخصية الامام علي عليه السلام شخصيَّة نادرة الوجود البشري، فقد احتل القلوب بعطفه وايمانه وادائه وجعل افئدة من المؤمنين تهوي اليه، واذهل العقول فكان مرشدا ونبراسا، واصبح سراجا منيرا لكل الاحرار والمؤمنين والابطال وقدوة للأجيال.قيل عنه الكثير وتواردت اخباره ومأثره ومناقبه في بطون كتب التاريخ والادب، حتى صارت جميع الفضائل تقرن بشخصه دون غيره، وعادت اليه العلوم الانسانية والصرفة بشكل او باخر حسب ما ذكر عباس العقاد، فما هو السر في هذه الكينونة البشرية ؟ وما هو وجه الاعجاز في تكامل زوايا الانسانية في انسان واحد دون نظير ؟ هل من ذلك رسالة الهية موجهه الى احد ؟ لمن ؟ وما هو المغزى والمعنى؟

ليس من السهل الاجابة على هذه الاسئلة التي تبدو في غاية الصعوبة ولكن لابد ان نضع في الاذهان ان الاجابة عليها ضرورة ملحة لأنها تمثل خارطة طريق بشرية لكل انسان يسعى الى التوحيد الالهي الحقيقي والرقي الانساني والخلق القويم والحياة الهادئة المليئة براحة البال والاستقرار النفسي مهما تعددت اسباب القهر والظلم والبلاء .

خزين علمي

يمتلك الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) خزين علمي ومعرفي منابعه كثيرة اولها بيت النبوة وثانيها الامامة والوصاية وثالثهما النفس المؤمنة المتيقنة، ويقول الكثيرين ان امير المؤمنين يمتلك علم الاولين والاخرين، فهل هذا ممكن وكيف؟؟ ، واقعا ووفق الحسابات البشرية غير ممكن ولكنه ممكن في الحسابات الالهية والكرامات الكثيرة التي ظهر النزر اليسير منها فملأت الخافقين، ومع ذلك وما يمتلك من نفاذ بصيرة فقد استمر اسد الله الغالب في حثّ المؤمنين خاصة والناس عامة على طلب العلم والمعرفة وهو القائل : « تعلّم العلم فإنه إن كنت غنياً زانك، و إن كنت فقيراً صانك، ثروة العلم تنجي و تبقي، و ثروة المال تهلك و تفنى، ثروة العاقل في علمه و ثروة الجاهل في ماله» ، وهذا في حد ذاته اساس علم التنمية البشرية الحديث الذي يبدأ من الذات وعليها . بَرَز الامام في البطولة والشجاعة الى الحد الذي غطت اخبار التاريخ عن بطولاته ومأثره في ميادين المعارك على جميع الصّحابة والتابعين على الرغم من كثرة الحروب والفتوحات التي شهدها المسلمون الاوائل والاواخر،وبالمقارنة مع عظماء التاريخ وابطاله على طول الدهر لم نجد ما يوازي تلك الشجاعة او يساويها في المقدار ، ولكن لم تدلنا تلك الاخبار عن تناوله لمنشطات معينة تجعله بتلك القوة التي تكاد تكون خارقة، ولا استطاع كل اعداء الامام من حجب تلك المأثر الكبيرة من ان تصل الينا ولو بالنزر اليسير منها ، وبالتالي لابد ان نعي واقع الامام البطولي بصورته البشرية وليس الاعجازية، اذ ان خلط الاعجاز والكرامة والخيال مع انجازات الامام يفرغها من المحتوى الحقيقي لشخصيته، فقوة وقدرة وبطولة الامام نابعه بالدرجة الاساس من قوة ايمانه وحجم امكانياته في السيطرة على جوارحه ، وقدرته على ترويض نفسه وتهذيبها ، واذا كان هناك دعم معنوي خارجي فهو التوفيق الالهي الذي ذكره الله سبحانه تعالى في قرانه العظيم مخاطبا رسوله الكريم في الآية 56 من سورة القصص : (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))وفي ذلك دعم للنفس البشرية المهتدية ابتداءا قبل ان ينالها التوفيق الالهي ، وفي اية اخرى اكثر وضوحا قال تعالى في الآية 88 من سورة هود : (( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) .

من جانب اخر ان اكتمال صورة السمو الاخلاقي في شخص الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام).فيها رسالة مهمة للبشرية ، اذ ان الامير ولد وتربى في مجتمع بشري وارض عادية لا تتميز عن غيرها من اراض الكرة الارضية جغرافيا وسكانيا، قد يكون الشيء المميز الوحيد في قصة هذا الوليد هي مدينة مكة المكرمة.

 

 وهي مدينة تجارية ودينية فيها قيم ومبادئ واعراف وتقاليد منها السلبية واخرى ايجابية، وقد يكون الجانب السلبي طاغي في تلك المرحلة من تاريخ المدينة واعرافها الجاهلية، وبالتالي فان وصول الامير الى ما وصل اليه بأدائه البشري ومجتمعه البشري ونشاته البشرية دليل على قدرة الانسان العادي على تهذيب نفسه وترويضها ،وان الانسان يرتقي بنفسه لتصل الى السمو الذي وصل اليه الامام علي بعيدا عن الجانب الاعجازي في شخصيته، بمعنى ان الله قد ضرب لنا في الامام علي عليه السلام مثال بشري واضح بعيدا عن الاعجاز الرباني والوحي النبوي لنكون اكثر تحفيزا نحو السمو الاخلاقي بقدراتنا الذاتية .

السؤال الذي يثار في هذا المجال هل استطاع احدا من البشر ان يصل الى هذا الكمال البشري ؟؟؟ فقد وصف احد الادباء المعروفين «ً ان عليا يحكي المجموعة الكاملة من فضائل الدُّنيا ومزاياها ... ولقد فاقت مزايا عليٍّ حدود التعداد، وتحدَّت عوامل الزمن التي تجرف أمامها الماضي والحاضر فتجعله أثراً بعد عين .

 

 

طبعا ليست الاجابة على هذا السؤال صعبة ، حيث ان جميع الشخصيات التاريخية منذ ادم لغاية الان والتي اشتهرت في مجال معين او مجالين في اكثر الاحوال لم تستطع ان تتجاوز ذلك لتصل الى كل مجالات العلم والمعرفة والحياة مثلما تميز بها امير المؤمنين علي ابن ابي طالب ، ولو قدر ان يكون هناك شخص بشري تمتع بكل هذه المزايا وسجل حضوره في مكان ما من العالم لكان اليوم تحت المجهر وتسلط عليه الاضواء بشكل واسع وكبير بحكم تطور الماكنات الاعلامية والتقنيات الحديثة.  

يا امامي وسيدي ومولاي وقرة عيني وشفيعي، ايها الصراط المستقيم والنبأ العظيم يامن حارب بين يدي رسول الله بسيفين وضرب برمحين وكان سيفا للحق لا يلين ، يا بليغ البلغاء وخطيب الخطباء واحكم الحكماء وخير من مارس القضاء وافضل من ناظر العلماء وداراسمه في الارض والسماء، على الرغم من حجب الحاجبين وسب الشاتمين وتطاول اعداء الدين من الافاقين والمنافقين والمارقين والناكثين والقاسطين .

سطع نورك كشمس متألقة متوسطة السماء ولم يحدث على طول الزمان ان حورب رجل وحجب اسمه ثم سب على المنابر لأكثر من ستين سنة واحرقت الكتب والمجلدات التي تتحدث عنه ومنع الناس من ذكر اسمه ثم يظهر مابين ذلك ما يملأ البحار مدادا والارض اوتادا والسماء سوادا .

يحكى عن علي بانه أمَّةً مستقلةً بذاتها، ويمكن القول بانه دولة متكاملة الاركان، فهو الاداري المتمرس والمخطط العسكري البارع والمهندس العبقري والمصمم الخيالي وهو السياسي المحنك والدبلوماسي الماكر والخطيب المفوه والقائد الملهم وقل ان تحدث الدهر عن شخصية تمكنت في ادارة دولة بهذه المواصفات فهو اسطورة الزمان وملحمة المكان ،من النضوج اكمله ومن الرقي افضله ومن النور اجمله، خلدته الانسانية، وذكرته الاديان السماوية ومجدته الحوادث التاريخية .

هذا اسد الله الغالب علي ابن ابي طالب عليه سلام الاولين والاخرين وملائكة الله اجمعين ومن تنفس من خلق الله في السماوات والارضين  ، فهل له من نظير ؟ وهل من دعا او يدعي مناظرته او مساواته في الصفات والتصرفات ؟ او في الانجاز والايجاز؟ لم ولن تستطيع النساء ان تلد بمثله حتى لو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

فاز من تمسك بعلي وخاب من تخلى عنه ، فالأول عرف علي بالعلم والمعرفة واليقين فاستوعبه واحبه وامن به ، فامتلأ قلبه نورا وسار على الصراط المستقيم والثاني تخلى عن علي اما وراثة او اختيار فان كان وراثة من الاباء والاجداد فممكن جدا العودة والايمان والا فان القلب ان استوى على بغض علي خسر طريقه وسار على هواه الى ارذل العمر، وان كان اختيارا فقد ملأ السواد قلبه فاستعصى عليه معرفة علي ايمانا وعقلا فلا يعتلي ولا يرتقي ويبقى مقيدا ببغض علي الى يوم الدين، وفي الاخرة هو من الخاسرين .


مشاهدات 564
الكاتب ماهر جبار محمد الخليلي
أضيف 2024/04/01 - 3:46 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 7:27 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 277 الشهر 7845 الكلي 9369917
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير