الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بيت الجادرجي أكبر قصور العاصمة القديمة

بواسطة azzaman

سلسلة أبنية تراثية بغدادية

بيت الجادرجي أكبر قصور العاصمة القديمة

صلاح عبد الرزاق

 

العائلة والجد المؤسس

عائلة الجادرجي من العائلات السنية البغدادية العريقة التي تعود إلى (300) عام. ولقب الجادرجي لقب يطلق على صانع الجادر وبائعه ، جاء من الجادر وهو قماش سميك يستخدم لصنع الخيام وغيرها.  وتعود أصولها إلى الأتراك (1) وكان الشاعر معروف الرصافي يسمي كامل الجادرجي بكامل الخيام. والخيّام ترجمة لكلمة جادرجي التركية.

وهي إحدى العائلات الارستقراطية المعروفة في العهد العثماني ثم العهد الملكي ثم الجمهوري. وقد حصلت الأسرة على امتيازات ومناصب وأراضي من الولاة العثمانيين مثل بقية العائلات الثرية في العراق. وكانت لديها إقطاعيات زراعية في الحلة والمسيب وديالى، وما تزال باقية.

كان عميد الأسرة رفعت محمود محمد الجادرجي قد ولد عام 1860. وكان ذا شخصية قوية منفتحة على تقدم العصر والعلوم. فهو أول من استخدم جرس كهربائي في داره ، وأول من استخدم القلم الحبر (الباندان). في عام 1909 قام رفعت بإنشاء دار استراحة للمسافرين على طريق الحلة وتزويدها بحوض ماء.

وكان لرفعت مجلس أدبي يحضره كبار الشخصيات الأدبية والثقافية والسياسية والوجهاء. في عام 1892 تسلم رفعت مهام الدفتردار في ولاية بغداد ، وهو منصب إداري مهم في مقر الولاية. ومنذ عام 1906 شغل منصب مدير بلدية بغداد عدة مرات ، وهو منصب مرموق صار من نصيب عبد الرحمن الكيلاني النقيب فيما بعد. وكان آخر منصب لرفعت هو وكيل رئيس بلدية بغداد والذي استقال منه في شباط 1915.

كما رفعت نال عضوية مجلس الإدارة ثلاث مرات ، وتم ترشيحه كعضو في مجلس المبعوثان ، وهو مجلس أشبه بالبرلمان في العاصمة إسطنبول ، كان يقدم المشورة وتقويم عمل الحكومة العثمانية منذ عام 1877 .

بعد دخول الانكليز بغداد عام 1917 كان رفعت معادية لهم ، واتفق مع قادة الشيعة للمطالبة بإنشاء حكومة وطنية بدلا من الحكم المباشر. وكان يجتمع مع القادة الوطنيين في داره ، ودعم ثورة العشرين التي قاده الزعماء الشيعة في وسط العراق وجنوبه. وكان يحضر مناسبات دينية مشتركة لدعم الثورة في جامع الحيدرخانة حيث يقام مجلس حسيني تعقبه منقبة نبوية. وقد تعرض للاعتقال مع آخرين ، وقرر الانكليز في البداية نفيه إلى جزيرة هنجام ، إلا أنه عدلوا عن ذلك وخيروه بالسفر إلى إحدى البلدان الخاضعة للانكليز وهي الهند ومصر وتركيا ، فاختار تركيا. وهذا قد يشير إلى رغبته بعودة الأتراك لحكم العراق ودعمه لجيش كمال أتاتورك. في عام 1921 عاد رفعت إلى بغداد بعد العفو العام الذي أعلنه المندوب السامي البريطاني في 30 مايس 1921.

توفي رفعت الجادرجي في 21 كانون الثاني 1926 ، وترك خلفه ثلاثة أبناء هم رؤوف ولده البكر (1882) من زوجته الأولى التي كانت من عائلة النقشلي ، وكامل (1897) وصبيحة وسليمان (توفي عام 1921) من زوجته الثانية وفيقة بنت رشيد الدفتري وهي ابنة خاله التي تزوجها عام 1892.

رؤوف الجادرجي

ولد محمد رؤوف في محلة جديد حسن باشا بغداد عام 1882 . اهتم والده به خاصة بعد وفاة والدته وعمره تسع سنوات ، فخصص له غرفة خاصة مجاورة لديوان والده. تزوج رؤوف من ماجدة أنور درويش الحيدري ، وهي أسرة علوية عربية. وكان جدها درويس من علماء بغداد ورجال الحكم العثماني. وكان أبوها أنور الحيدري عضواً في محكمة استئناف بغداد. وأما أم ماجدة الحيدري فهي نصرية الفارسي شقيقة نصرت الفارسي (1894-1958) الذي درس الحقوق عام 1910 ، ثم صار نائباً ، ثم شغل في العهد الملكي عدة مناصب وزارية ، ثم وزيراً مفوضاً في أنقرة في مايس 1943. (2)

ريازة بغدادية

كانت السيدة ماجدة الحيدري من أوائل النساء اللواتي نزعت الحجاب وتجاهرت بالسفور في الأماكن العامة في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين. ولم يرزق رؤوف من ماجد بذرية .

درس رؤوف في الإعدادية الملكي التي تشمل الدراستين الرشدية (ثلاث سنوات) والاعدادية (أربع سنوات) . تخرج رؤوف من مدرسة الحقوق عام 1902 ثم سافر إلى إسطنبول ودخل كلية الحقوق حيث تخرج منها عام 1905. كان رؤوف كما وصفته المس بيل بأنه كان يجيد التحدث بالانكليزية والفرنسية والألمانية بطلاقة. وكان ذكياً وغير متزن ، منعزلاً عن الجميع ، لكنه كان يزورها ويتحدث إليها. بنى له داراً مزداناً بالريازة البغدادية والنوافذ الزجاجية الملونة . وتقع الدار في منطقة بارك السعدون في الرصافة ، قرب بناية فندق السدير. كما كانت له دار في محلة كرادة مريم في جانب الكرخ.

بعد انقلاب الاتحاديين الأتراك على السلطان العثماني وإعلان الدستور عام 1908 رحب رؤوف الجادرجي بالانقلاب ، وأيد الدستور وصار يشرح للناس معناه عن طريق الصحف. تقلد رؤوف عدة مناصب في العهد العثماني منها مأمور معاينة الكتب الأجنبية في دار المعارف من عام 1905 إلى 1908. ثم أصبح مكتوبجي في مكتب (ترجمان) حتى عام 1909. في نيسان 1909 أصبح قائممقام قضاء الكاظمية ، ثم قائممقام قضاء خراسان الواقع على نهر خراسان وهو أحد فروع نهر ديالى ، والقضاء كان المدينة القديمة لمركز قضاء بعقوبة الحالية. في عام 1910 استقال رؤوف من منصبه بعد أحداث شغب حصلت في القضاء.

بعد استقالته صدر أمر تعيينه في وزارة العدلية وبقي حتى عام 1911، ثم في عام 1914 أصبح معلماً في مدرسة الحقوق (بناية متصرفية بغداد المهدمة في القشلة حاليا). في عام 1914 تولى رئاسة بلدية بغداد في العهد العثماني في عهد الوالي سليمان نظيف. في عام 1916 عُيّ خليل باشا والياً لبغداد والذي استعان برئيس البلدية رؤوف الجادرجي لشق شارع (خليل باشا جادة سي) الذي عُرف بشارع الرشيد. وقد واجه صعوبات في شق الشارع بسبب الأملاك والأوقاف والأسواق والمساجد والتعويضات التي يطالب بها أصحابها. وتم هدم أجزاء من مسجد سيد سلطان علي وجامع الحيدرخانة ومدرسة مرجان.

قبل سقوط بغداد عام 1917 بيد الانكليز غادر رؤوف الجادرجي إلى إسطنبول ثم إلى برلين حيث كانت ألمانيا في حرب ضد بريطانيا وفرنسا. في عام 1920 نشبت ثورة العشرين التحررية واضطرت الإدارة البريطانية إلى القبول بتأسيس حكومة وطنية فعاد رؤوف إلى العراق. لكن المندوب السامي أصدر قرار نفي والده رفعت وأسرته خارج العراق. وكان لرؤوف علاقة طيبة بالحاكم العسكري البريطاني السير ألمر هالدين مما أسهم بتغيير مكان النفي إلى إسطنبول.

عاد رؤوف إلى بغداد في بداية عام 1921 قبل تنصيب الملك فيصل الذي كانت له صلة به. (3)

استلم رؤوف الجادرجي وظيف مدرس في مدرسة الحقوق عام 1922 ، وفي عام 1923 صار مديراً لها وحتى عام 1924 . ثم صار نائباً في المجلس التأسيس في عام 1924. في عام 1925 أصبح وزيراً للمالية في حكومة عبد المحسن السعدون. في عام 1926 عُيّن وزيرا للعدلية في حكومة جعفر العسكري حتى عام 1928 . في الفترة 1929- 1940 عمل رؤوف في السلك الدبلوماسي. في عام 1959 توفي في بيروت بسبب مرض عضال في الدماغ ، ودفن في مقبرة الشيخ عبد القادر الكيلاني.

كامل الجادرجي

يُعد كامل الجادرجي من الزعماء السياسيين الذين لعبوا دوراً متميزاً في المشهد السياسي العراقي.

وهو الابن الثاني لرفعت الجادرجي. ولد في 4 نيسان 1897 في محلة الحيدرخانة ببغداد. عاش في أسرة أرستقراطية متنفذة. دخل كامل أحد الكتاتيب بالقرب من جامع السراي ، وسرعان ما أرسل إلى مدرسة حكومية، ثم انتقل إلى المدرسة الحميدية الابتدائية ذات الثلاثة صفوف. عام 1907 دخل مدرسة الاعدادية الملكية ببغداد، وكانت الدراسة فيها سبع سنوات. في عام 1913 أكمل دراسته الثانوية ، ودرس العربية والشعر والأدب وتاريخ العرب والإسلام عند الشيخ علي الآلوسي. أثناء الحرب العالمية الأولى وفي عام 1916 أعلنت الدولة العثمانية النفير العام ، فانخرط كامل في الجيش العثماني ، ثم أعفي من الخدمة بحجة أن صحته لا تساعده ، لكنه وجد في الجيش التركي بغض الأتراك للعرب بشكل ملموس ، حسب زعمه، فبذل جهوداً لإعفائه . (4)

من الواضح أن عداء كامل للأتراك لم يكن حقيقياً بل كان للتهرب من الحرب . ففي عام 1920 عندما نفى الانكليز والده بتهمة التحريض ضد البريطانيين ، اختاروا تركيا كمنفى لهم ، وهذا يخالف إدعاءه بعداء الأتراك. وفي إسطنبول دخل عام 1921 المدرسة الطبية التركية ، لكنه اضطر لقطع دراسته والعودة مع أسرته إلى بغداد.

في عام 1922 دخل مدرسة الحقوق ببغداد. ولم يكتف بالدراسة بالمدرسة بل قام بتطوير أفكاره وشخصيته من خلال الاطلاع على الكتب والثقافة ، واستعان بأصدقائه لدراسة المؤلفات الإنكليزية وخاصة السياسية والاجتماعية. وتأثر كامل بكتابات طه حسين وسلامة موسى وفهمي المدرس. كما قرأ روايات جرجي زيدان والمنفلوطي وشبلي شميل وجواهر لال نهرو وبعض الأتراك.

في عام 1924 تزوج كامل الجادرجي من منيبة بنت آصف بن محمود عارف أغا. وأنجبت منه أربعة أبناء هم رفعت وباسل ونصير ويقظان ، وبنت واحدة هي أمينة.

 

أثناء دراسته الحقوق عُيّن سكرتيراً لمتصرف بغداد ، وفي عام 1926 اختاره وزير المالية ياسين الهاشمي معاوناً سكرتيرا له للشؤون المتعلق بالبرلمان إكراماً لوالده رفعت وتقديراً لأخيه رؤوف الذي كان يشغل منصب وزير العدلية. وأكسبته هذه التجربة خبرة بالإدارة الحكومية ومساوئ البيروقراطية. كما أتاحت له اللقاء ببعض أعضاء البرلمان الذين اشترك معهم فيما بعد في النشاط السياسي. في عام 1927 انتخب نائباً في البرلمان عن لواء الدليم (الانبار) خلفاً لعبد المجيد الشاوي، فأصبح على صلة وثيقة بالسياسة وبالشخصيات السياسية. وكان في الثلاثين من عمره وفاز بالانتخابات ليس بسبب فلسفته أو سياسته الفكرية بل لأن جميع الانتخابات كانت تجري بإشراف وترتيب من الحكومة/ وجدد انتخابه عام 1928 وبقي في البرلمان حتى عام 1930. إن دخوله البرلمان وهو شاب أثار استياء السياسيين المخرمين مثل إبراهيم صالح شكر. وقد خسر كامل مقعده عام 1930 ولم يستعيده إلا بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936.

 

في عام 1930 انضم لحزب الإخاء الوطني الذي يتزعمه ياسين الهاشمي، وانتخب عضواً في اللجنة المركزية للحزب. تولى إدارة صحافة الحزب فحوكم في عهد وزارة نوري السعيد الأولى وحكم عليه بالسجن. في تلك المرحلة أظهر كامل الجادرجي مقدرة كبيرة في إدارته لصحافة الحزب ، وبرز بين ساسة الحزب ، وكان يُعتبر السكرتير الفعلي له.

في عام 1933 ترك كامل حزب الإخاء الوطني لاختلافه مع أعضاء الحزب. انضم اثرها إلى جماعة (الأهالي) بعد أن كان متصلاً بها منذ بداية صدور جريدة (الأهالي). (5)

 وكانت جماعة الأهالي وهي جمعية سياسية تأسست عام 1932 تؤمن بهوية جامعة للعراقيين عابرة للمذاهب والقوميات. ويعدها المؤرخون نواة العمل السياسي الديمقراطي في العراق الحديث. وكان أشهر أعضاءها جعفر أبو التمن أشهر وحسين جميل وعبد القادر إسماعيل ومحمد حديد وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز شريف وحكمت سليمان.

 

في 29 تشرين  الأول 1936 أطاح انقلاب عسكري بوزارة ياسين الهاشمي الثانية ، وكان أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق السياسي الحديث والبلاد العربية. وقاد الانقلاب الفريق بكر صدقي من لواء ديالى الذي زحف بقوة عسكرية نحو بغداد وأجبر الحكومة على الاستقالة.

وكان لجماعة الأهالي دوراً في الانقلاب ودعمه سياسياً ، فقد أصبح حكمت سليمان رئيساً للوزراء . وهناك من يقول أن فكرة الانقلاب هي من أفكار حكمت سليمان أقنع بها صدقي الذي كان يشعر بالقوة بعد قائه على حركة الآثوريين عام 1933.

وكان كامل الجادرجي يحتضن اجتماعات الأهالي السرية في داره عندما قال حكمت سليمان بأنه مستعد لجلب بكر صدقي ليكون رئيساً للتنظيم العسكري لجماعة الأهالي. وفعلاً جاء حكمت ببكر إلى دار الجادرجي في اجتماع آخر.

 

والغريب أن كامل الجادرجي الذي كان ينادي بالديمقراطية واحترام الدستور انضم إلى الانقلاب وأصبح وزيراً للاقتصاد والمواصلات. لكنه ارتضى أن يصل إلى الوزارة على ظهر دبابة بكر صدقي. في 26 مايس 1937 قدم الجادرجي استقالته بعد أن استاء من سلوك بكر صدقي. وكان الجادرجي قد زار جعفر أبو التمن في داره ، واتفق معه على تقديم استقالة الوزراء الأربعة مع يوسف عز الدين وصالح جبر. أدت الاستقالة المشتركة إلى تأييد الشارع العراقي واهتمام الجيش بها. سافر الجادرجي إلى قبرص خوفاً من بطش بكر صدقي.

في عام 1946 أسس الجادرجي الحزب الوطني الديمقراطي مع محمد حديد وحسين جميل وآخرين ممن يدعون للعمل الديمقراطي. وقد تولى الجادرجي رئاسة الحزب منذ ذلك الحين. بعد أشهر قليلة من تأسيس الحزب قُدّم الجادرجي للمحاكمة بسبب معارضته الحكم الملكي وإوضاعه الدكتاتورية. حُكم عليه بالسجن ثم نقض الحكم. في عام 1947 تمت محاكمته مرة أخرى عند التمهيد لمعاهدة بورتسموث ، ولدوره في وثبة 28 كانون الثاني 1948 التي قضت على المعاهدة بعد التوقيع عليها. في عام 1949 قام نوري السعيد بتقديم الجادرجي للمحاكمة ، وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ وغلق جريدة (صوت الأهالي). بقي الجادرجي يقود الحزب الوطني وعلى سجال مع حكومات العهد الملكي حتى سقوطه في 14 تموز 1958.

في 1 شباط 1968 توفي كامل الجادرجي اثر نوبة قلبية. ودفن بعد تشييع كبير في مقبرة الشيخ عبد القادر الكيلاني. وسبق لي أن شاهدت قبر والد كامل الجادرجي حيث جاء في الشاهد (هذا قبر المرحوم رفعت أفندي الجادرجي ابن المرحوم رؤوف الجادرجي ووالد كل من رؤوف وكامل الجادرجي ، ولد عام 1860 وتوفي في 21 كانون الثاني 1926) ، و (قبر السيدة وفيقة خاتون بنت الرشيد أفندي الدفتري وزوجة المرحوم رفعت أفندي الجادرجي ووالدة كامل الجادرجي ، الوفاة: 30 كانون الثاني 1928). و (قبر السيدة صبيحة بنت المرحوم رفعت الجادرجي وزوجة محمود صبحي الدفتري ، ولدت في بغداد في 28 ذي الحجة 1318 هـ وتوفيت في لندن في 24 شعبان 1371 هـ عقب عملية جراحية).

رفعت الجادرجي

من أشهر المعماريين العراقيين الذين تركوا بصماتهم في العمارة العراقية الحديثة من خلال تصاميم المنشآت الحكومية والبيوت والنصب الحضارية.

ولد رفعت في 6 كانون الأول عام 1926 في منزل العائلة الفخم في شارع طه بالأعظمية. نظراً لثراء عائلته فقد أرسلته لدراسة الهندسة المعمارية في جامعة هامر سميث البريطانية التي تخرج منها عام 1954. بعد عودته إلى بغداد عمل مستشاراً في دائرة الأوقاف ، تولى منصب رئيس هيئة التخطيط في وزارة الإسكان. في مطلع الثمانينيات شغل منصب مستشار في أمانة العاصمة.

عاش رفعت مؤمناً بفلسفته الخاصة بعيداً عن الدين والمجتمع والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع العراقي. وقد تزوج من الكاتبة العراقية بلقيس أحمد شرارة المولودة في النجف عام 1933 في النجف الأشرف ، ودرست الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد عام 1956. وشاركت زوجها رفعت في إصدار كتاب (هكذا مرت الأيام) ، وآخر بعنوان (المطبخ ودوره في حضارة الانسان) ، وكتاب (جدار بين ضفتين)

تزوج رفعت زواجاً مدنيا بعيداً عن الزواج الديني في المجتمع العراقي. كما اتفق معها على (عدم إنجاب الأطفال ، لأن زيادة البشر تخرب الكرة الأرضية ، وأن أعماله بمثابة أطفاله). (6)

وعن وجهة نظره في الدين، أكد الجادرجي (أنا ملحد بكل معنى الكلمة)، ويوضح (نحن كبشر عمرنا 200 ألف سنة عشنا ما يعادل 180 ألف سنة بمعزل عن أي دين، ثم مع بداية الحياة الزراعية ولدت الأديان، أنا قرأت عن مئات الأديان، ومنها الإبراهيمية، ودراستي لأسباب ظهورها جميعاً جعلتني لا أؤمن بأي دين. في نفس الوقت أحترم كل الأديان وأحترم أيضاً ممارسات السحر وطقوسه). وأكد على أنه أوصى بحرق جثمانه بعد الموت، يقول الجادرجي (كتبت وصيتي وهي في إنجلترا، أريد أن أحرق، لا أدفن، كي لا أدنّس الأرض). توفي رفعت الجادرجي عام 2020 عن عمر 94 عاماً.

من أعماله المعمارية: مبنى الاتحاد العام للصناعات ومبنى نقابة العمال والبدالة الرئيسة (البريد المركزي) في السنك والبرلمان العراقي، ونصب الجندي المجهول الأول في الستينيات. الذي كان في ساحة الفردوس وتم هدمه في الثمانينيات بعد بناء نصب جديد في كرادة مريم. وكان المهندس المشرف على تنفيذ تصميم (نصب الحرية) للمهندس الراحل جواد سليم.  ومن مؤلفاته (شارع طه وهامر سيمث) و(الأخيضر والقصر البلوري). وكتاب (دور المعمار في حضارة الانسان) و (صفة الجمال في وعي الانسان) ، و(مقام الجلوس في بيت عارف أغا) و (حوار في بنيوية الفن والعمارة).

نال رفعت الجادرجي عدة جوائز رفيعة مثل (جائزة الأغا خان) عام 1986 ، و(جائزة الشيخ زايد للكتاب) عام 2008 عن كتابه (سببية وجدلية العمارة) ، و(جائزة تميّز للإنجاز المعماري مدى الحياة) عام 2015.  (7)

نصير الجادرجي

في يوم 26 كانون الثاني 2024 كنت على موعد مع السيد نصير الجادرجي. استقبلني بحفاوة وترحاب ورافقني للدخول رغم بلوغه التسعين عاماً حتى جلسنا في صالة المنزل. هذا المنزل ليس تراثياً بل كان السيد نصير قد اشترى قطعة أرض مقابل منزل العائلة القديم ، وقام أخوه رفعت الجادرجي بتصميمه والاشراف على بنائه ، ثم تأثيثه.

ولد نصير في 12 آب 1933 في محلة البقجة في الميدان ، حيث كان منزل الأسرة يقع قرب وزارة الدفاع ، وبجوار الإعدادية المركزية. وهي منطقة قديمة سكنها علية القوم إلى جانب الدوائر الحكومية.

 والده الزعيم السياسي كامل الجادرجي ووالدته منيبة آصف عارف أغا ، والدها من أصحاب الأملاك. تزوج كامل من منيبة في 10 كانون الثاني 1924 ، وحضرت حفلة العرس المس بيل (1868- 1926) التي تحدثت في رسائلها إلى والدتها عن العروس وبدلتها والعشاء الذي قُدّم للضيوف. رزق نصير بثلاثة أولاد: سليمان وكامل وبنت اسمها مي.

 

بعد تناول الشاي أخذني السيد نصير في جولة في هذا المنزل الحديث ، حيث أراني بعض الأثاث المتميز مثل كرسيين يعودان لوزير المالية ساسون حسقيل أهداهما لنصير أحد باعة الانتيكات. وهما من الخشب الأسود المحفور بدقة ، ويحتلان موقعهما في صالون المنزل. كما شاهدت أريكة (قنفة) من الخشب البني المحفور بأيد عمال هنود مهرة. وشاهدت خزانة (بوفية) للصحون والحاجيات مصنوعة من شجرة من البستان . إضافة إلى منضدة الصالون الصغيرة من جذع شجرة جوز من شمال العراق بقطعة واحدة. وكان في الصالون موقد خشبي مزين بكاشي سيراميك صغير ، وهو من لمسات رفعت الجادرجي. وكانت هناك لوحة بخط عربي جميل تعود لعام 1398 هـ تتضمن قصيدة لشاعر العرب محمد مهدي الجواهري ، قام بخطها حامد الآمدي الذي هو من أجاز هاشم الخطاط البغدادي المعروف.

وتذكّر نصير الجادرجي أبنه سليمان فقال: لقد سُمي على اسم عمي ، وقد توفي سويسرا بعد وفاته بسبب مرض ، ثم نُقل ليدفن إلى اسطنبول بجوار قبر السلطان عبد الحميد الثاني. وأن كامل تخرج مهندساً ، ويعمل بين عمان وكندا حيث تقيم أخته مي . وعمل كامل وكيلاً لوزارة البلديات. والتحق بنا في الجلسة مع والده.

الحياة اليومية في المنزل الكبير

حدثني نصير عن منزل العائلة التراثي الكبير فقال:

بني المنزل عام 1936 وانتقلنا اليه وكان عمري ثلاث سنوات. وقد صممه المهندس السوري بدري قدح والذي صمم بيوت وزراء وسياسيين آخرين مثل بيت محمد حديد وعبد العزيز القصاب . البيت واسع حيث تبلغ مساحته أكثر من ثلاثة آلاف متر مربع.

وعن طفولته وعائلته فقال: كانت أسرتنا تتألف من الأب والأم وأربعة أبناء وابنة واحدة. وكان معنا عدد من العاملين : سائق وفلاح وحارسان وخادمة ، وكلهم ينامون في الدار. وكان الحارس حمزة يعمل قهوجياً أيضاً. وكان مدرس الرياضة ناجي الراوي يبقى معنا لعدة أيام. وكانت هناك سيدة من أصول تركية تدعى نجيبة تأتي لمساعدة والدتي في خياطة الدشاديش وطهي بعض الأطعمة الخاصة. وكانت لدينا سيارة شيفروليه ثم اقتنينا سيارة بيوك أمريكية موديل 1937 .

كانت العائلة مكتفية ذاتية من الحليب والزبد حيث كانت تملك (19) بقرة . ويأتي محصول الحنطة مرة في السنة من الأراضي الزراعية التي تملكها العائلة. وما تزال أشجار البرتقال والليمون والنارنج والسندي تثمر في الحديقة. وقد أعد لنا الخادم عصير برتقال طازج.

كان باب المنزل يُفتح كل يوم في الساعة السادسة صباحاً ويُغلق في الثانية عشر ليلاً. وكان الضيوف وأصحاب المواعيد يدخلون مباشرة. وكان لديه قبول (استقبال عام) يوم السبت مساء ، لكنه استبدله بيوم الأحد بعد وفاة صديقه جعفر أبو التمن. ثم تحول إلى يوم الثلاثاء بعد سجن والدي عامي 1956-1958 عندما اتفق مع إدارة السجن على تحديد يوم الثلاثاء لزواره.

كان يستقبل شخصيات عراقية وغير عراقية. فقد زاره المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون. وكان أغلب ضيوفه من السياسيين أمثال فاضل الجمالي ، مصطفى العمري ، طه الهاشمي ، نور الدين محمد ، يوسف إبراهيم ، ناجي الأصيل ، عبد الهادي الجلبي ، رشدي الجلبي ، عبد الأمير علاوي وجبار الجلبي. وكانت أغلبها اجتماعات سياسية . فمن هذا البيت صدر بيان الحياد (عدم الانحاز) عام 1950 الذي وقعته شخصيات اطلع عليه رئيس تحرير مجلة روز اليوسف المصرية الصحفي أحمد بهاء الدين.

الدراسة المتعثرة

يمضي السيد نصير في الحديث فيقول:

درست الابتدائية في روضة وابتدائية نجيب باشا ، ثم دخلت مدرسة النجاح الأهلية في السنك عام 1940 وهي مدرسة أمريكية ومديرها لبنانية. يصف نصير الجادرجي طفولته بأنها كانت متمردة على التقاليد التي نشأ عليها. الأمر الذي أدى إلى توقفه عن الدراسة أحياناً. يضيف: التحقت بالمدرسة الغربية المتوسطة ثم فُصلت منها ، ثم دخلت بصعوبة جمعية المعلمين الثانوية المسائية.

يتذكر نصير حادثة اعتقاله قبل سفره إلى مصر فيقول:

في آذار 1957عند السفر قام أهلي بتوديعه في مطار المثنى (في العلاوي) ، صعدت الطائرة بعد التفتيش وتدقيق جواز السفر . تحركت الطائرة باتجاه الإقلاع لكن أعيدت قبل الانطلاق. قامت الشرطة بسحب جواز السفر. في اليوم التالي ذهبت إلى وزارة الداخلية ، دخلت إلى سكرتير الوزير فؤاد الونداوي ، وطلبت منه مقابلة الوزير سعيد قزاز. لم يتمكن من اتخاذ قرار بصدد جواز سفري ، فأحالني إلى مدير التحقيقات بهجت العطية ، فرفضت وقلت له: كنت معتقلاً في السعدية ، ولم يمض على خروجي سوى أسبوعاً ، وكانوا يريدون تسفيرنا إلى سجن نقرة السلمان في لواء السماوة.

ذهبت إلى بهجت العطية الذي كان مقرباً جداً ويحترم والدي. علمت أن نوري السعيد وراء اعتقالي قائلاً: إن السعيد خال عقله وياك. ومما يؤكد ذلك كما حدثني حكمت سليمان الذي كان يزور تركيا بدعوة من الرئيس عدنان مندريس ، مع وفد يرأسه رئيس الوزراء نوري السعيد ومعنا وزير الداخلية سعيد قزاز. قال لي حكمت سليمان: تحدثت مع سعيد قزاز على بعد ، فصاح نوري السعيد بي:  لا تلح ، ما أنطي جواز لنصير الجادرجي لو تنگلب الدنيا. وأضاف حكمت: في الليل زارني نوري السعيد قائلاً: جئت أشرب الشاي معك ، فاعتبرت ذلك اعتذاراً. في صيف 1957 استقالت وزارة نوري السعيد وجاءت وزارة علي جودت الأيوبي. تحدثت أختي أمينة مع السيد نهى سامي فتاح ابنة وزير الداخلية وطلبت منها أن تتحدث مع والدها حول قضية سفري. وافق الوزير على إزالة المنع ، وأعيد جواز سفري. بعد ذلك سافرت براً عن طريق سوريا ولبنان ، من من بيروت ركب الباخرة إلى ميناء الإسكندرية في آب 1957. نلت شهادة بكالوريا الإعدادية ، ثم عدت إلى بغداد 1958 فدخلت كلية الحقوق.

أضاف نصير: في عام 1962 تخرجت من كلية الحقوق ، وفي العام نفسه تزوجت بامرأة شيعية من بيت الرفيعي. استأجرت منزلاً في المنصور لمدة سنة واحدة. عملت في وزارة النفط ، ثم في مديرية الأموال المجمدة

وكان نصير يستقبل في صالونه الأدباء والسفراء والنواب والسياسيين والكتاب العراقيين والعرب، مثل الدكتور علي الوردي في 21 تشرين الأول 1987 . كما كان يحضر مجلس أمين رؤوف الأمين المجاور لداره في شارع طه كل يوم أربعاء. وكان من الحضور خليل الآلوسي ، هادي السباك ، ناظم محمد طيب ، يقظان الجادرجي ، عدنان الكيلاني ، وداد عجام ، عبد الرزاق السعيدي، بالإضافة إلى زوجاتهم يحضرن بعض تلك الملتقيات. (8)

طلفاح يهدم داري

يتحدث نصير الجادرجي بمرارة عن فترة سلطة البعث فيقول: بعد استيلائهم على السلطة بشهور تم تعيين خير الله طلفاح خال صدام محافظاً لبغداد. بعد فترة وجيزة فوجئت بإنذار من المحافظ بإخلاء الأرض المستأجرة من قبلي في منطقة الفحامة منذ عام 1964 من وزارة المالية والإصلاح الزراعي ، والملاصقة لبستاني المطل على نهر دجلة ، فبنيت دار استراحة للضيوف والعائلة. وقد صممها شقيقي رفعت. كان طلفاح يحقد على أسرة الجادرجي واستغل الأمر للتنفيس عن حقده. لم أستوعب ما حصل ، وما علاقة محافظة بغداد بالأرض المستأجرة. ذهبت إليه حاملاً عقد الايجار وبقية الأوراق ، فقال لي متجهما: كل ما بحوزتك من أوراق ووثائق لن تفيدك بشيء لأن القرار قد اتخذ من قبلنا بإزالة الدار.

أقمت دعوى في محكمة بداءة الأعظمية وفي المرافعة حضر محاميه عبد المحسن الدوري لكن قرار المحكمة جاء لصالحي باعتبار أن الأرض مستأجرة بعقد رسمي وحسب المدة المحددة وتم تسديد بدل الايجار. بعد عدة أيام فوجئت بوصول خير الله طلفاح ومعه بلدوزرات وقام بهدم الدار بما فيه من أثاث وأعمدة بغدادية قديمة كنت أعتز بها. (9)

بنت أخي وثانوية الحريري

في أواخر الثمانينات وصلنا إشعار إلى ابنتي مي الطالبة في الصف الرابع اعدادي من مدير ثانوية الحريري يقضي بضرورة انتمائها لحزب البعث لأن المدرسة مثقلة للبعثيات فقط ، وهي الوحيدة غير المنتمية من بين طالباتها. ولما اعتذرت بأنها بعيدة عن السياسة لم يقبلوا عذرها. ولما حاولتُ نقلها إلى مدرسة أخرى اتضح صعوبة ذلك لأنها تطلب تزكية من المدرسة السابقة ، وهذا لا يمكن حدوثه لأنها ليست بعثية في مدرستها.

بعد إلحاح مستمر من إدارة المدرسة طلبوا منها مراجعة (مكتب فرع حزب البعث) الواقع في نهاية شارع المغرب من جهة الوزيرية ، فذهبتُ بنفسي والتقيت بأمين سر الفرع وكان لقبه راوي. أخذ الراوي يلقي علي محاضرة بالوطنية فقلت له: أنا أعرف التاريخ أكثر منك ، وأعرف الوطنية الحقة التي مارستها طول حياتي. لم تفدني مقابلته شيئاً.

في أحد الأيام قررت المدرسة تكريم الطالبات المتفوقات ، فقررت ابنتي على تزويد الحفل بالفواكه والحلويات مما أثار دهشة المديرة (أمل الشربتي) التي أشادت بابنتي وبروحها الوطنية رغم أنها غير بعثية. (10)

أسرة الجادرجي بلا عشيرة

يقول نصير: في عام 1989 جاءتني ريما ابنة شقيقي باسل المهاجر خارج العراق طالبة مني حل مشكلة حصولها على شهادة الجنسية حيث رفضت السلطات منحها الشهادة إلا بحضور والدها. رافقتها إلى دائرة الجنسية في منطقة الكرادة ، ودخلت على من أبلغها بالأمر فكان برتبة نائب ضابط. أصر على حضور والدها رغم تعريفي بأنني عمها. وأبرزت له شهادة جنسية والدها باسل كامل الجادرجي ووالدتها مبجل رشيد عالي الكيلاني، وشهادة جنسيتي. بعد شد وجذب دون فائدة سألته: مَنْ مِن مسؤولي الدائرة يمنحها الجنسية العراقية؟ فقال: صدام حسين.

تركت مكتبه ودخلت مكتب المدير العام ورويت له ما حدث معي. أنصت إلي ثم كتب ورقة صغيرة همش عليها آمراً النائب ضابط (تمنح ريما شهادة الجنسية كونها تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها).

 

ذهبت إلى ذلك الشخص وناولته الورقة وحالما قرأها طلب مني الانتظار. حين جلوسي رأيت العديد من الغجر (الكاولية) منتظرين دورهم لاستلام شهادة الجنسية العراقية بسلاسة ويسر. وبعد انتظار قصير بعث النائب ضابط بطلبي وسألني عن عشرتنا كي تمنح لريما شهادة الجنسية فقلت له: نحن بلا عشيرة ، فقال: لا يوجد شخص بلا عشيرة. قلت: إننا بلا عشيرة. فقال: لن نمنحها الجنسية. قلت: طيب اكتبوا عنها بشهادة الجنسية بأننا كاولية كي نمنح الجنسية أسوة بهؤلاء. لم يجب بشيء ، وبدا أنه مصر على رأيه. ذهبت إلى ضابط آخر برتبة عالية اسمه محمود السلامي الذي زودني بورقة تقضي بمنح ريما شهادة الجنسية. رفض نائب الضابط منح الجنسية ، فذهب الضابط إليه ونهره وشتمه أمام المراجعين قائلاً: إذا كانت حفيدة كامل الجادرجي ورشيد عالي الكيلاني لا تمنح شهادة الجنسية العراقية فلمن نمنحها إذن؟ لهؤلاء؟ مشيراً إلى الكاولية. وأخيرا تم منحها شهادة الجنسية. (11)

سقوط نظام صدام

يتذكر نصير ذلك اليوم التاريخي فيقول: في عام 2003 عندما بدأت الحشود الأمريكية تتوافد على الكويت أيقنت أن نظام صدام زائل لا محالة. وقد وصلني صديق كردي يحمل رسالة شفوية مفادها أن الأخوة في كردستان يطلبون منك مغادرة العراق قبل اندلاع الحرب لأن هناك خطورة عليك كون اسمك قد ورد كثيراً في المؤتمر الأخير لفصائل المعارضة. بعد عدة أيام غادرت العراق مع زوجتي براً عبر منفذ طريبيل وكان خالياً لأن السلطات الأردنية كانت تعيد العراقيين المتوجهين صوب الأردن. كانت يدي مصابة بسبب سقوط خفيف، الأمر الذي أقنع ضابط المخابرات الأردني بالسماح بدخولي الأردن. كان الشارع الأردني متعاطفاً إلى حد كبير مع نظام صدام. لم يكن كثير من الناس مصدقاً أن النظام سيسقط لكن كان يوم التاسع من نيسان 2003 يوماً غمرني بالسعادة الغامرة جراء تحقيق حلم دام انتظاره خمسة وثلاثين عاماً.

بعد أيام من سقوط النظام أُبلغت بحضور مؤتمر للمعارضة سيعقد في بغداد قريباً. في 21 نيسان 2003 عدت إلى بغداد عبر البر ولأول مرة أجد الجيش الأمريكي يهيمن على الحدود العراقية حيث كان الدخول متاحاً للجميع وبدون تأشيرة الجواز.

يضيف الجادرجي: ساقتنا الأحداث إلى أن نجتمع نحن معتنقي مبادئ الحزب الوطني الديمقراطي (حزب والدي كامل الجادرجي) بعد مرور كل تلك السنين من التحجر السياسي والجمود الحزبي وحظر الآراء وقمع الحريات. اجتمعت بمكتبي في مايس 2003 في (عمارة الجادرجي) في منطقة المصور ، بداية شارع الأميرات ، مع كل من نجيب محي الدين ، هاشم الشبلي ، رؤوف آل ديبس ، قاسم الشبلي ، خالص محي الدين ، عبد الرزاق السعيدي ، عبد الأمير رحيمة العبود ، محمد الحاج حمود ، فايز الزكم ، سعدي الزكم ، وإبني كامل ، محسن شيال ، سحاب المعروف ، فاضل البدراوي ، عمر المعروف ، كامل أمين ، وعلي فاضل البدراوي. تمخض الاجتماع عن تشكيل وفد لمقابلة القوى السياسية للمساهمة في العملية السياسية الجديدة في العراق.

اللجنة السباعية للقوى السياسية

التقينا السيد مسعود البارزاني في (فندق برج الحياة) ببغداد ، والسيد جلال الطالباني في مقر اقامته في المنصور. فاتحني الطالباني بأمر تشكيل لجنة خماسية تكون نواة لبدء العمل السياسي بصورة رسمية في بغداد. وكانت اللجنة مكونة من السادة: عبد العزيز الحكيم ، أحمد الجلبي ، جلال الطالباني ، مسعود البارزاني واياد علاوي. دعاني الطالباني بالانضمام للجنة فأبلغته بموافقتي. وتحول اسم اللجنة إلى اللجنة السداسية. ثم تم انضمام الدكتور إبراهيم الجعفري إلينا فصارت لجنة سباعية.

 

في اجتماع للقوى السياسية مع الحاكم المدني بول بريمر ، كنت جالساً بينه وبين قائد القوات الأمريكية الوسطى جون أبو زيد الذي كان من أصول لبنانية ويتكلم بلغة عربية بسيطة فقال لي: هل تعلم بأن أسهل حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها هي هذه الحرب !! وبالمفهوم العسكري لا أسميها حرباً أصلاً. ثم أضاف قائلاً: ما لمسته بالنسبة للجيش العراقي أن كل تدريباته كانت خاطئة ، وكل خططهم خاطئة .. فطريقة هجومهم ودفاعهم وانسحابهم لا تنم عن خطط عسكرية صحيحة يتمتع بها قادته، بل كانت خاطئة بالمرة .. فأي جيش هذا؟! (12)

مع السيد سورز مندوب بلير

كان السيد سورز المندوب الشخصي لتوني بلير (رئيس وزراء بريطانيا) قد عُيّن مساعداً لبريمر. في أحد الاجتماعات في مكتبي طرح فكرة توسيع اللجنة السباعية لتكون مجلساً، فنصحته بأن تكون الأسماء المضافة له تحظى باحترام وتقدير الشعب العراقي. وقد عرضت عليه بعض الأسماء لكنه رفضها مثل تمثيل الشيوعيين في المجلس ، فقال: ليس لديهم أي رصيد في العراق في الوقت الحاضر.

اقترحت على السيد سورز أن يكون هناك تمثيلاً للقضاء فقال لي: أنت من ستمثل القضاء لكونك محامياً. فقلت له: أنا محام صحيح لكنني لست ممثلاً للأسرة القضائية في العراق. لذا أقترح السيد دارا نور الدين لأنه يتمتع بسمعة جيدة.

 

يضيف نصير الجادرجي: في إحدى جلساتي مع السيد سورز تطرق بالحديث عن وضع الشيعة في الحكم الجديد بالعراق، فقلت: أشعر أنه ستكون للشيعة حصة كبيرة في حكم العراق ، ولا اعتراض لدي على ذلك مطلقاً .. لكن تذكر أن الشيعي الذي يُتى به إلى المجلس إن لم يتمتع بخلفية سياسية قوية سينقاد خلف مرجعيته الدينية لأنه قادم من مذهب شيعي تقوده تأثيرات الأهل والأسرة والأقارب والمراجع الدينية. لذلك من مصلحة العراق في هذه المرحلة أن يؤتى بشخصيات شيعية من خلفيات سياسية قوية لا يتأثرون يساراً أو يميناً وراء الأهواء ، ويتخذون القرار الصحيح بناءً على قناعاتهم الشخصية. (13)

 

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 105 الشهر 9287 الكلي 10065382
الوقت الآن
الأحد 2024/12/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير