الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
البغل فورد

بواسطة azzaman

البغل فورد

علي الجنابي

 

ما بال امرئ إن سمع بالدّينار أصابه اختلاج وربما خلل. وما بال ثريّ إن جمع الدّينار أصابه اهتياج وربما شلل. وعلام لعاب ذي الفاقة سيّال بلا وشل، إن مرّ حذو ثريّ مترف بحلل. أولا يعلم ذو الفاقة أنّ الثريّ ديناره في عبّه مطمور وما نزل، بينما هو بحبّه مخمور بل بطلّته هو ثمل وبات عنده الأصل والمثل، على ما في الثرّي من جهل ومن شحّ وبخل.

 ولمّا أن امتطيت «فرعون البغل» لأذهب لشــ..، مهلا جليس تحت كنيف ظلال لسعيفات نخل، فأنا ما عنيت «فرعون ذي الأوتاد « واهن الحجّة السخل، وحاشا لبغلي «فرعون» من صبغة ذاك الرّبّ لقوم خبل، بل إنّ «فرعون» اسم لسيّارتي تخليدا لفرعون البغل، والذي هو بغل حقيقيّ ورثته عن جدّي الأكبر الهزبر الفحل. أفرأيت من قبل رجلا مثلي يرث سرجا تحته بغل.

 كلّا يا صاح، ما عنيت أنّ البغل هو الفحل بل جدّي الأكبر كان هو الفحل، وذرني لأتمّ لحظة سمر بيننا قليلها ناصح وكثير منها ناضح بهلس مفتعل، وتلك هي سمة كلّ سمر يسيل من صدر ضائق أصابه ملل غير محتمل. ولقد أمست صدورنا كلّها في ضيق وكلل، بعدما نبذنا رقائق الحور وسلكنا طرائق الجور بجهل. فقد استقلّيت يا صاح سيارتي لأذهب لتـــ..

 قطع جليسي هلس السّمر منتفضا بسؤال منه منفتل منفلت على عجل:

«أيّة ماركة هي سيارتك يا ابن الجدّ الفحل». فرددته بلسان بلسان قد جفل وبتبيان كاد يصيبه العطل؛ «أوستنتفع إن أنبئتك بذا نبأ جلل، لا بأس سأنبئك بماركة سيّارتي منكّرة البعل، كيلا تسقط رفعتي في عينيك فتحرمني مجاملة ذات علل، ولكيلا تهبط رتبتي من عرش مقلتيك حتّى شراك النّعل، فشرعة؛ «أنزلوا الناس منازلهم» مرتهنة فيك بما يملك المرء من ماركات لبغل.

 ماركة مركبتي يا صاح كانت «فرعون»، أو هكذا عرفت في الحيّ بين أطياف الملل. ولو ترى يا صاحبي البغل، معذرة فما قصدتك يا صاح بذا خطاب مستهلّ، بل عنيت ما ورثت من حقيق بغل. ورغم أنّ بغلي كان مرتعه وديان الدّغل بيد أنه ما كان من أهل الدّخل، بل قنوع وأفهم من كثير ممن يرتعون في قيعان الدّغل. ولو ترى يا صاح إذ البغل يرتحل على أربع في لهيب هاجرة وفي رهيب من وحل. ولو ترى إذ هو مكتحل الحدقة بأنقى أصناف الكحل، وإذ الهوينى يرمي الحوافر ببخبخة خبب خلت من خبخبة فلا اختلال ولا خلل.

تعانق اديان

 ولمّا أن جاء مقبلا اليه الأجل رحل البغل. أجل، الى دار الفناء قد رحل. لقد رحل بغلي البطل ورحل معه السّعد والأمل، ولات حين مناص بماركة بغل بعده رغم حزني والزّعل، ورغم ما كان بيني وبينه من ودّ وتعانق جلل ليس فيه زعل ولا ملل، وليس كتعانق أديان راجف وملل، ولا كحوار حضارات زائف بخلل، ناهيك عمّا كان بيننا حين المغيب من نظرات وعبرات وربما حتى القبل.

 بغلي عمّر أحقابا فناداه أهل قريتنا «فرعون» إن أدبر أو إن إليهم وصل. وكل حول كنّا بيوم ميلاده نحتفل، وكان بنو قومي لا يغضبون من تعنفصه في أديمهم ومن عبثه في برسيمهم بلا وجل ولا خجل. لقد كان «فرعون» حفيّا وفيّا فما خان قطّ أمانة «الإركاب» لسلالات البغل. ألا يا عين جودي فهدّأينا، ألا وابكي مهجة الرّوح واحكي عن «فرعون» القاهر للأسفار ذي الفضل وذي العضل، وذي صهل رقيق في فتوة وحين الكهل. رحم الله أياما قضت مع «فرعون» البغل حامي البيئة سامي المشيئة والرّامي بحوافره على عجل بلا وجل. ثمّ رأيتني أقتني بعده بغلا «ماركة فورد» بأربعة مخارج يطرد بها فساء وضراطا من تناطح أحشائه بجدل، وكأنّ هذي «الفورد» وقودها فجل وكراث وثوم وبصل. ومفتـــ...

 مهلا، مالي أرى لعابك يا صاح عن اليمين وعن الشّمال سيّالا كشلّال في جبل! كفكف لعابك يا ذا عزّ، فما «الفورد» إلّا بغل إركاب فعلام الدّناءة والهوان بجهل. اثبت وذر الدناءة فإنّها فالقة للنوائب والمحن وحالقة للشّوارب واللحى، وعالقة في دروب الزّلل. واعلم يا صاح أنّ «بغل وحمار ومرسيديس وفورد» ماركات اركاب لأرباب عمل، لا ترافقهم فتلج معهم مجالس البصائر وقول الفصل والجزل. وإنّما ميزان الحياة يا ذا عزّ بما تفكّر الفؤاد وتدبّر وبما نقل ثم عقل ما تّدبّر ونقل، ثمّ صقل ما عقل. فدع عنك هم «فرعون» البغل وغمّ «فورد» بضراطه ودخانه والعطل. وهبني يمينك بلا استياء منك ولا زعل، لأنتشلك من قيعة الدناءة والوحل، ولأنزع عنك قرن الهوان فذاك قرن متكلّس لا يليق إلّا على يافوخ تيس أو وعل، وما أراك إلّا كسخلة تتبع تيسا في دغل، فأنت السّخلة والدينار هو التّيس، ونحن النّاس لكما الدّغل. ويا لكمال الكلم؛ «ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض «، ويا لجمال الفهم؛ «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا».

 

 


مشاهدات 319
الكاتب علي الجنابي
أضيف 2024/01/20 - 10:58 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 2:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 303 الشهر 7871 الكلي 9369943
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير