قراءة في كتاب
أسس ومبادئ تدريب وتطوير الموظفين ..نظريات وممارسات
ربط المؤرخون تطور المجتمع البشرى بثلاث مراحل أساسية، تطور من المجتمع الزراعي ماقبل سنة 1800م نحو المجتمع الصناعي من سنة 1800م حتى سنة 1957م، ومن ثم إلى مجتمع المعلومات والمعرفة منذ سنة 1957م وإلى يومنا هذا، والعالم من حولنا _الآن _يعيش إنفجارا علميا وتعليمي كبيرا، هذا الإنفجار يحدث تغيرات ومنعكسات متعددة في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والصحية، يقول (ألفين توفلر) _مفكر أميركي وعالم في مجال المستقبليات _في كتابه (صدمة المستقبل) :(إنه لو كانت الزراعة هي أولى مراحل التنمية الإقتصادية والتصنيع هو المرحلة الثانية، فإننا نستطيع الآن أن نشهد مرحلة ثالثة أقبلت فجأة، لقد سادت الزراعة المجتمعات البشرية مدة عشرة آلاف سنة، واحتاجت هذه المجتمعات إلى قرن أو قرنين لتحقيق تفوق الصناعة، والآن تنفتح أمام المجتمعات البشرية أبواب عصر جديد هو عصر مابعد التصنيع، عصر العلم والألكترونيات)،وفي ضوء مجموعة من الحقائق العلمية التي تفرض وجودها في السنوات الأخيرة، يمكن القول أن التطور العلمي والتكنولوجي يسير بسرعة فائقة لدرجة أنه أصبح من الضروري تطوير أساليب جديدة، وإيجاد مناهج متطورة في حقل التعليم والتدريب الأكاديمي والمهني والفني، فنجد أن الدول المتقدمة تسير بسرعة متزايدة نتيجة للثورة العلمية والتكنولوجية وتطبيقاتها في مختلف المجالات، إضافة إلى وجود القوى المتعلمة والمؤهلة والمدربة على أساس المستويات العلمية والفنية والمهنية في مواقع العمل والإنتاج المتنوعة، وهذا يعني أن الإنسان هو غايتها ووسيلتها وهو الذي يؤلف قوتها وضعفها على السواء، فبقدر مايكون الإنسان في المجتمع واعيا ومتعلما ومؤهلا بقدر مايكون إيجابيا وفاعلا في خطط وبرامج التنمية والتطور والتقدم بأنواعها الإجتماعية والإقتصادية والثقافية على جميع الأصعدة والمستويات بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع، وكانت نتائج الدراسات العلمية لدى الدول المتقدمة قد أثبتت إقتصاديا أن ماوصلت إليه هذه الدول من تقدم وتطور لم يكن نتيجة توافر السيولة المادية والخدمات الطبيعية فحسب بل كان أيضا نتيجة قيام الجامعات بتوفير القوى العاملة المؤهلة التي تحتاج إليها مؤسسات التنمية الإقتصادية، إذ تعد الموارد البشرية من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروة الأمم كون هذه الموارد على رأس المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الإقتصادي والإجتماعي للدول، فأصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم، وقد أكد علماء الإقتصاد ومنذ زمن طويل أهمية تنمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الإقتصادي فقد ذكر (آدم سميث) _فيلسوف أخلاقي وعالم إقتصادي إسكتلندي _في كتابه الشهير (ثروة الأمم) :(أن كل القدرات المكتسبة والنافعة لدى سائر أعضاء المجتمع تعد ركنا أساسا في مفهوم رأس المال الثابت)، ويؤكد بعض علماء الإقتصاد أن عملية التحول نحو مرحلة الإقتصاد الجديد تتطلب تقويم وتطوير أربع ركائز أساسية هي :التعليم والتدريب والبنية التحتية للمعلومات والحوافز الإقتصادية والنظام المؤسسي ونظم الإبتكار.ومن منطلق بناء الإنسان الجديد وحاجة الإنسانية إلى أهمية العلم في المجتمع وتطوره الإقتصادي والتكنولوجي أو في التنمية البشرية، جاء كتاب الأستاذ الدكتور عادل هادي البغدادي ليضع الأسس والمبادئ لتدريب وتطوير الموظفين من خلال نظريات إعتمد عليها وممارسات عاصرها وأسهم فيها.الكتاب الذي أقدمه للقارئ الكريم هو (أسس ومبادئ تدريب وتطوير الموظفين _نظريات وممارسات _) للأستاذ الدكتور عادل هادي البغدادي صدر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية _المعروفة بطباعة الكتب المهمة والنافعة _بطبعته الأولى/2023 وب547 صفحة وبغلاف أنيق مجلد وحرف جميل مقروء، والدكتور البغدادي متخصص في علم الإدارة (إدارة الأعمال) في البكلوريوس والماجستير من المملكة المتحدة سنة 1990 والدكتوراه من الجامعة المستنصرية سنة 2006، وهو حاصل على شهادات تدريب المدربين من منظمة التمويل الدولي /البنك الدولي ومن مركز المشروعات الدولية الخاص، تسنم وظائف عديدة في وزارة التعليم العالي وبعض جامعات العراق.
هيثات استشارية
وهو خبير ومحاضر واستشاري للعديد من الشركات والمنظمات والبرامج وعضو في جمعيات وهيآت إستشارية لمجلات عربية محكمة، له سبعة عشر كتابا مطبوعا في تخصصه وبعضها منهجي ويدرس في الجامعات، أما بحوثه فقد بلغت ال70 بحثا علميا منشورا، وأكثر من سبعين شكر حصل عليها تثمينا لجهده وسعيه لبناء مجتمع معرفي يعتمد على العلم والمعلوماتية. كتابه الجديد هذا يتألف من مقدمة وثلاثة عشر فصلا وقائمة بالجداول التي استخدمها في كتابه، يقول الدكتور البغدادي في مقدمة كتابه :(إن الهدف الأساسي والعام للتدريب والتطوير هو التعلم، ويشير التعلم إلى إكتساب الموظفين للمعرفة أو المهارات أو الكفاءات أو المواقف أو السلوكيات.لكن تركيز التدريب والتطوير لايقتصر فقط على تعلم الموظفين لمصلحتهم) ص13، ويضيف الدكتور البغدادي قائلا :(واليوم لايكفي مجرد تقديم برامج تدريبية للحصول على الدعم والتمويل من المديرين التنفيذيين و لإثبات مصداقية وظيفة التدريب والتطوير للمديرين والموظفين، يحتاج التعلم إلى توضيح كيف يسهم في الميزة التنافسية للشركة من خلال أداء الموظفين، ودعم استراتيجية العمل مثل تنمية الأعمال التجارية) ص13، ومن ثم يشرح المؤلف مصطلح التدريب فيقول :(يشير التدريب إلى جهد مخطط له من المنظمة لتسهيل تعلم الكفاءات والمعرفة والمهارات، والسلوكيات المتعلقة بالوظيفة من الموظفين، وزن الهدف من التدريب هو أن يتقن الموظفون المعارف والمهارات والسلوكيات التي تم التأكيد عليها في التدريب و تطبيقها على أنشطتهم اليومية) ص13.
ويستعرض بعد ذلك مفهوم التدريب من خلال تعريف المختصين من الباحثين، وينتقل إلى القوى المؤثرة في العمل والتعلم ويعمل جدولا خاصا بها كي ينبه القارئ معرفة ماشرحه سابقا، ويتحدث عن العولمة وتأثيرها على الإقتصاد العالمي ويأتي بعد ذلك إلى فقرة إلتزام الموظفين وإدارة الموهبة والتغيرات المهنية والوظيفية وتطوير مهارات القيادة وخدمة الزبائن والتأكيد على الجودة مع عمل جدول يوضح ذلك، ويشرح التأثير في التدريب ونماذج نظم عمل عالية الأداء وأرقام وحقائق خاصة بالتدريب وأدوار وكفاءات ووظائف متخصصي التدريب، وأرى أنه فعلا فعلا حسنا عندما خصص في نهاية كل فصل أسئلة للنقاش، يدل ذلك على مايحمله الدكتور البغدادي من علمية أكاديمية يجعل المهتمين يسهمون معه إثراء المادة التي كتبها، كل ماتقدم من عرض هو محتوى الفصل الأول والذي كان بعنوان (الأسس والمفاهيم الفكرية لتدريب وتطوير الموظفين).
أما الفصل الثاني وعنوانه (نظام العملية التدريبية) يعرف فيه الدكتور مفهوم العملية التدريبية وأهميتها، ومن ثم ينتقل إلى مفهوم النظام ويعرفه بأنه :(مجموعة من العناصر المترابطة مع بعضها بعلاقة تبادل، أي أن النظام هو كينونة تتركب من عنصرين على الأقل والعلاقة التي تصل بين أي من عناصرها وواحد آخر من العناصر على الأقل في المجموعة، وكل عنصر في النظام متصل مع عنصر آخر بصورة مباشرة أو غير مباشرة) ص ٥٨_٥٩، بعدها يوضح البغدادي مهمة هؤلاء المدربين قائلا :(التدريب مهنة لها أصول ووظيفة المدرب لها خصائصها ومهاراتها وهي بالتأكيد مختلفة عن وظيفة المعلم أو المدرس، وليس هناك شك في أن نجاح أي برنامج تدريبي سيتوقف بالدرجة الأولى على حسن إختيار المدرب الذي يقوم بتنفيذ هذا البرنامج) ص٦٦، ومن ثم يعرف الدكتور العمليات ويقترح تسميتها بالمرحلة التحضيرية إذ يقصد بها تحديد الإحتياجات التدريبية ووضع الأهداف ومن ثم التأكد من توافر الإمكانات البشرية والمادية لتنفيذ البرنامج، ويعطي المؤلف للفصل الثالث عنوانا هو (تحليل وتحديد الإحتياجات التدريبية) ويشرحها شرحا مفصلا من خلال تجربة عاشها، والمدارس الفكرية للتدريب هو عنوان الفصل الرابع ناقش فيه البغدادي الأنواع الخمسة المخرجات التدريب والمدارس الفكرية للتدريب مؤكدا ان هناك مدارس فكرية عديدة تتعلق بكيفية تدريب الموظفين، ويشرح في هذا الفصل نظرية التعزيز ونظرية التعلم الإجتماعي ونظريات الأهداف شرحا علميا مفصلا يفيد منه المختص كثيرا، والفصل الخامس أعطاه الدكتور عنوانا هو (أنواع التدريب) محددا فيه فهم التدريب التقليدي والتدريب الحديث مع التدريب في أثناء العمل وتعليمات العمل والمساعدة الإشرافيةوالتدوير الوظيفي والإدارة التشاركية، ويأتي إلى الفصل السادس الذي يحمل عنوان (التدريب المعتمد على تكنولوجيا البرمجيات والتطبيقات) ويقدم لها شرحا وافيا مفيدا، وكان عنوان الفصل السابع (الحقائب التدريبية) يوضح فيه المؤلف مفهوم الحقائب التدريبية والتعليمية والأغراض السياسية لهذه الحقائب مع خصائصها ومميزاتها وعناصرهاومكوناتها وأخيرا أهدافها، أما الفصل الثامن فقد درس فيه المؤلف قضية انتقال التدريب، موضحا المشكلة مع حلها وشرح تطبيقات خاصة بنظرية انتقال التدريب، والعنوان الذي أعطاه الدكتور للفصل التاسع أراه في صلب عملية تدريب وتطوير الموظفين (فاعلية وتقويم التدريب) وفيه توضيح لمفهوم وسبب أهمية فاعلية وتقويم التدريب، وكان الفصل العاشر حاملا العنوان الآتي :(تطوير وتنمية الموظفين) وهو مااراد به الدكتور فائدة للدولة والمؤسسات والشركات، فيعمل جدولا يقارن فيه بين التدريب والتطوير ويعطي مثالا أو حالة دراسية _كما يسميها _لبرنامج مشاركة شركة الساحل لتطويرالموظفين، وجاء الفصل الحادي عشر بعنوان (تطوير وإدارة المسار المهني للموظفين) وفيه تطوير المسارالمهني للموظفين ونظم تخطيط الموارد البشرية وتخطيط العمل ومداخل تطوير الموظفين والتعليم التنفيذي وأسئلة للنقاش في نهاية الفصل، أما مستقبل تدريب وتطوير الموظفين هو عنوان الفصل الثاني عشر ويعطي فيه الدكتور أهمية للمستقبل إذا أرادت الدولة أن تنهض بكوادرها الإدارية مهنيا علميا، والفصل الثالث عشر والأخير فقد خصصه الدكتور للتطبيقات والتمارين والممارسات.
كتاب الأستاذ الدكتور عادل البغدادي كتاب هام في موضوعه لأنه يخص شريحة مهمة من شرائح المجتمع الذي لابد أن ينهض بعد سبات طويل واضعا الخطوات الصحيحة للتقدم والتطور والرفاء لشعبنا الذي عانى كثيرا.