النـص : وداع متأخر جداً
كاظم العبودي
_ رسالة للراحل الساكن من الجوانح .. والراهن ما ظلَّ من السوانح
ما أكتبه فيه شيء من وداع وآخر من اعتذار .. كلاهما متأخر جداً ، فهل ينفع الوداع
أو يفيد ؟ ، وهل يبرئ العذر أو يعُيد؟.
رزاق أيها الغالي :- أكتب إليك عجيبُ ! أكتب إليك إثر رحيل لا عودة منه ؟!
لكنها الأشواق .. لكنها الذكريات .. لكنها الأيام الخوالي الغاليات ، تمرّ كلّ يوم وحين ،
أخط إليك حيث أمر العزيز (وسام) فاستجاب القلب الذي تتبوأ خفقه أبد الآبدين ..ولكن بماذا أبدأ ؟ فقد الحبيب يُلجم اللسان ويُفحم الجنان . إذن .. لأبدأ موجّهاً
رؤاي المضخمة باللهفة والمخضبة بالذكرى إليك لأني على يقين أنّ روحك الناضحة طيبةً ونبيلاً مازالت وستظلّ تطوف حول من أحببتهم وأحبوك – وأنا منهم فهمُ كثرُ _
كما أني واثقُ من أنك تسمع وترى كبقية الذين رضي الله سبحانه عنهم ورضوا عنه ، ترى وتسمع رغم أن الرب جلَّ وعلا شاء لنا فراقاً أبدياً ، بَيَد أنه فراق الجسد لا الروح ..ترانا ونراك على البعد فما زال فينا منك أشياء وأشياء غالية مثلما أنت عزيزُ وغال .
أخي الحبيب :- مازال الورق يشتاقك ويحنّ اليك ، وما زال القلم يفتقدك ويئنّ عليك .. مازالت النفس تتطلع صوبك والروح تتلفت نحوك ، وها أنا اليوم أضع أمام عيني بعضاً منك :- كتاب ( شعراء أهل البيت ) لصديقنا ( محمد حسين علاوي غيبي )
إبن مدينتك (نجف أمير المؤمنين _ ع _ ) ? وديوانك الأول ( أسرار قراءة الطريق ) الصادر عام 1972 م ، الكتاب الأول _ أقصد ( شعراء اهل البيت ) لنا أنا وأنت وجود
شعري بين صفحاته . . أما الثاني ( الديوان ) فهو مُهدي لي بخطّ يدك الكريمة . ثم :
صورتك معي في ( قاعة الجواهري باتحاد الأدباء ) مطلع العام 2017 م تبدو فيها ممسكاً حسام الشاعر (القلم ) ودرع الكاتب (القرطاس ) بلا ( خيل ولا ليل ) ولا صولة حرب
في ساح الوغى بل صولات حبٍّ وأدب بساح الثقافة والفكر .. وكنت أهلاً لها وجديراً
بها ، فلم تخلُ منك يوماً حتى رحلت مخلفاً لها وسام واخوته وآثارك الجلّى شعراً ونثراً أما أنا فما زلت أتذكر فأنا نوع من الناس بطيء النسيان _ والنسيان نعمةُ يمنّ بها ربنا علينا فلولاها لكُنا نموت وها أنا مازلت حياً رغم أني أنازع الموت كلّ يوم بل كلّ لحظة لأني لا أنسى ! _ .. أتذكر مسيرتنا الأسبوعية أو نصف الأسبوعية يومي السبت والأربعاء بعد حضورنا جلسة إتحاد الأدباء الذي قسم جلستيه السبت للشعر والأربعاء للسرد ، وكنا نحضرهما _ أنا وأنت ثم نغادر سيراً على الأقدام ،
ومن ( ساحة الأندلس ) نعبر شارع (النضال ) والساحة خلف ظهرينا نقود أو تقودنا أقدامنا المتعبة ، يداً بيد وجدار كنيسة (( ماريوسف )) _ أعتقد أنّ هذا هو إسمها _ ثم منحرفين يساراً تجاه الفرع المتجه صوب مقر (( الزمان )) الجريده التي انثلم ركنُ كبير بل ركنان مما يحمل لها القلب بعد أن آثرت أنت الرحيل كما آثر الحبيب الآخر ( منذر ) _ كتلة الحب والنشاط و (( الشيوعية )) الأصيلة قلباً وانتماءً
-ذلك المنذر الذي لا نستطيع كلَّ مرةٍ نجتاز بها مدخل (( الزمان )) أن ندعه خلفنا دون استراحة تطول أو تقصر بغرفته الفاتحة ذراعيها حضن استقبال يُدفيء قرَّ شتائنا ويُطفيء جمر صيفنا .. قبل أن تتركني لترتقي سلم الطابق الثاني الى موقعك في القسم الثقافي ، وبين صفحات (( ألف ياء )) الزمان .. لتكمل تناول رغيف الخبز اللاأدام له _ غداؤك المعتاد _ المشترى كلَّ مرة من المخبز القابع قبل مدخل ((الزمان )) التي فقدتكما فاهتزت أركانها ولولا أنفاس الأستاذ الكبير ( سعد البزاز ) وعيون الدكتور ( أحمد عبد المجيد )
وحضور الأخ ( حمدي العطار ) .. ولولا العرفان الساري مع خفقات القلب لها ولهم لامتنعتُ عن ارتياد مبناها تجنباً لرؤية غرفتيكما _ أنت ومنذر _ بلا وجودكما الماليء دنياها وشاغل ناسها وهم كثُر ومن شمال الوطن الى جنوبه .
رزاق .. أخي وصديقي الحبيب :- هل يفيك الورق والقلم وقبلهما القلب حقَّك بهذه السطور اللاهثة حزناً واللاهبة أسىً ، واللافحة جمراً والنافحة جهراً بحب الصديق والأخ والحبيب ؟ . مؤكد أنها لا تفي ولا تكفي ولكنه الحبّ الكبير و ( وسام ) الأثير ولدك الذي ينضح وفاءً ويفيض برَاً (( ولم يكن جباراً عصّيا )) هما ما حثّ ومن حضّ ومن فتح الجرح لينزف شوقاً وذكرى .. أسأل أيها الراحل العزيز :-
هل يتذكرك ( المتنبي _ الشارع )
وأنت تجوبه كلَّ جمعة طولاً وعرضاً رغم شدّة مرضك وقسوته ؟ .. اكيد أنه مثلي لا ينسى من يهواه مهما طال الزمن .
أبا وسام :- غشاوة تلوح تحت أجفاني معتصرةً قلبي .. آه ، لو ينفع الدمع بعد الرحيل ويعيدني لتلك الأيام أو يعيد هالي . رزاق :- سأترك القرطاس والقلم الآن لأنني . . لأنّ حبري أضحى دمعاً يمتزج بالوجع أبكيك أم أبكي نفسي .. ربما أنتما الأثنين .. فوداعاً ، وإلى حين .. وسلامُ على رزاق إبراهيم حسن يوم وُلد ويوم رحلَ ويم يُبعث حيّا .
|