المقاهي مدارس
نوفل الراوي
المقاهي الشعبية تجذبني .. و تسحبني رغما عني لأجلس على آرائكها الخشبية بشكل شبه يومي .. تماما كما يفعل المئات غيري في انتظار الشاي الساخن الذي يناوله النادل مع ابتسامة خفيفة يهديها لكل زبون يدخل المقهى .. لكن حقيقة ( ولعي) في زيارة المقاهي الشعبية لها أكثر من غاية .. فهي تتعدى لذة الشاي المخلوط بطعم الهيل ، أو القرفة الذي يتقن صنعه( الاسطوات) في مناطق مثل الميدان ، وباب البيض ، وشارع الدواسة، وغير هذه المناطق
الغافية في أحضان الموصل الأرث والتراث .. لا .. لا .. المسألة أعمق من أن تكون مجرد ( استكان) شاي اشربه في مقهى كل ما فيه يفيض بالمحبة والتراث .. الذي تعكسه كل مقتنيات المقهى و وجوه جلاسها .. انا في هذه الأماكن ابحث يوميا عن بطولات حقيقية لرجال مضووا ليكلفوا من يروي بطولاتهم .. هنا فقط أشعر بحرية التعبير عن الرأي دون رقيب .. ففي لحظة ما ينقلب الكل تقريبا إلى وعاض .. و رجال سياسة و خبراء ستراتجيين و محللين لنشرات الأخبار و متابعين لآخر ما تردده الفضائيات .. هكذا دون تكلف تجد نفسك تجالس و وجوها ( تصر) على أنها تحمل في ادمغتها حلول و ( مخارج) للكثير من الأزمات.. و الانكسارات و المصاعب التي تلوح لنا بالغرق المحتوم !!..
صحيح انهم من عباد الله المساكين الذين رمتهم السنون فوق مصاطب التعب والقواعد ؛ لكن معظمهم معبأ بخبرات الأيام التي مرقت.. لا أحد يهتم بهم ..يداوون جراحهم بأنفسهم.. يشكون مظالمهم لبعضهم من دون أن يغفلوا عن إدراج ملاحظاتهم عن الأداء الحكومي .. و تطلعاتهم في العيش في وطن يخلو من ( الطسات) في شوارعه .. و تختفي فيه اصوات ( مولدات) إنتاج الطاقة الكهربائية .. انهم يتطلعون إلى مسؤولين يستقبلون معاملاتهم وقد فرشوا قلوبهم استقبالهم و أغلقوا النوافذ التي تصدهم عن المواطن ....الخ ..
ملاحظات عديدة يمكن لأي مسؤول أن يحصل عليها بالمجان وهو يقترب من المواطن البسيط سواء في المقهى او ناصية الشارع .. او في مكان آخر.. شخصيا اجد في هذه الأماكن لذة في التعرف على واقع حال الناس ، وماذا يدور في عقولهم ؟؟ .. انهم يقدمون عصارة خبراتهم على طبق من البساطة والشفافية .. فلم لا يستمع إليهم المسؤول و ياخذ بآرائهم.