فرط رهافة الإحساس
نزار محمود
قد يثير عنوان المقال رفضاً سريعاً وعفوياً عند من يجد في فرط الإحساس المرهف عند الإنسان مسألة تدلل على ميزة ايجابية في معناها ودلالاتها في الفهم والإدراك والابداع والذوق والجمال في التصرف تجاه الآخرين، ولا تسبب اشكالية ما. وليس في ذلك من شك، بيد أن لذلك تبعيات لا ينبغي اغفالها في حياة الإنسان.
كثيرون هم من يعانون الضيق والتذمر المكبوت والألم في الحياة ليس الا بسبب افراط رهافة إحساسهم في ما يرونه ويعيشونه ويعتقدونه صوراً في الظلم الاجتماعي أو الجسدي أو السياسي أو الاقتصادي في المجتمعات التي يعيشون فيها. وفي أحزان هؤلاء كتبت روايات ونظمت أشعار وبنت عليها أحزاب وحركات.
ولهذه الظاهرة الإنسانية أسباب عدة، منها:
-النفسية البحتة التي شكلتها خصوصيات ذاتية للإنسان أو غذتها بيئته أو حاضنته التربوية والاجتماعية.
-الحاجات الجسدية والنفسية والعاطفية والعقلية غير المشبعة.
-الظروف الحياتية الخاصة التي عاشها الإنسان.
-الطموحات والرغبات المكبوتة التي لم تلق اشباعاً بالدرجة التي يراها صاحبها.
-عدم اتاحة المجتمع من الفرص والامكانات لطرح صريح لما يدور في خلد ونفوس الناس وحوارها.
ان الافراط في الاحساس يبحث عن تفريغ لشحناته الجسدية أو النفسية وبعكسه يتحول الى حالة معاناة أو تذمر أو سخط، أو ربما الى سلوكيات خطرة أو منحرفة.
ومن المشاكل المرتبطة بهذه المسألة كذلك هي ما يمكن أن يقوم عليه هذا الإحساس المفرط من أوهام أو مبالغات غير واقعية، وبالتالي تذهب بالإنسان الى حياة يشوبها التشاؤم والاحباط وتثبيط الهمم في احيان كثيرة. وفي جانب آخر يعاني ذووا الاحساس المفرط من الآخرين في عقلياتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم مما لا يستسيغونها ثقافة وذوقاً.
ان لهذه الظاهرة تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء على الفرد أو الأسرة أو المجتمع عموماً.
بقي أن نقول بأن الحد من الجانب السلبي لهذه الظاهرة تقع مسؤوليته على التربية والتعليم والمؤسسات والمراكز النفسية المتخصصة والإعلامية وكذلك على المنتج الثقافي في أشكاله المختلفة من أدبية وفنية.