الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجندر بوصفه بناءً إجتماعياً في فيلم (ندم)

بواسطة azzaman

تجربة بصرية غنية تستفيد من جمالية المكان

الجندر بوصفه بناءً إجتماعياً في فيلم (ندم)

 

بغداد - حمدي العطار

لطالما كان موضوع (الجندر) من القضايا المسكوت عنها في المجتمعات الشرقية، بسبب التقاليد والأطر الثقافية الصارمة. لكن السينما، كفن بصري وتعبيري، تملك القدرة على اقتحام هذه المناطق المحرّمة وتفكيك المسلمات الاجتماعية. يأتي الفيلم العراقي ندم للمخرج الكردي ريكا البرزنجي كمحاولة جريئة لإلقاء الضوء على الجندر بوصفه بناءً اجتماعيًا، لا هوية بيولوجية ثابتة. ومن عنوان الفيلم ومشاهده الافتتاحية، نُدرك أن العمل سيخوض في إشكالية الجندر. فالمخرج يطرح الجندر بوصفه نتاجًا للتنشئة الاجتماعية، حين يقرر الأب – تحت ضغط السخرية والنظرة القاصرة لأبناء مجتمعه– أن يغيّر نوع مولوده من أنثى إلى ذكر، فيسميها «نور». غير أن المشاهد يدرك بسهولة أن «نور» فتاة، ما يفتح باب التأويل حول الهوية الجندرية التي تُفرض قسرًا على الفرد. يُحسب للفيلم أنه، ولو جزئيًا، استطاع توصيل فكرة أن الهوية الجندرية لا تتطابق بالضرورة مع الهوية الجنسية، ما يجعل من الجندر أداة قسر اجتماعي، لا خيارًا حرًا. لكن المعالجة المباشرة التي لجأ إليها المخرج أضعفت البناء الدرامي، إذ أغفل التناقض النفسي والاضطراب العميق الناتج عن عدم تطابق الهوية البيولوجية مع الهوية المفروضة، وهو ما يعرف علميًا بـ»اضطراب الهوية الجندرية».

ثيمة الشغف

سرعان ما ينحرف مسار الفيلم نحو ثيمة أخرى تتعلق بشغف «نور» بالسينما وطموحها لأن تكون مخرجة. غير أن هذا التحول بدا مفاجئًا وغير متناسق مع بداية الفيلم، وذكرنا بما قدّمه يوسف شاهين في الإسكندرية ليه؟، لكن بفارق في السياق والواقعية. فمن غير المنطقي، أو على الأقل المستغرب، أن تكون لدى مراهقة تعيش في منطقة نائية تبعد 71كم عن بغداد، حيث لا وجود لدور سينما، هذه الرغبة الجامحة في صناعة الأفلام! وقد لجأ الفيلم لحل درامي مبسط عبر وصول فريق سينمائي لتصوير فيلم في محل حلاقة. هذا التكنيك يذكّرنا بأسلوب المخرج الإيراني عباس كياروستامي في فيلمه تحت أشجار الزيتون، الذي دمج بين الواقعية والتوثيق عبر إشراك سكان القرى المتضررة من الزلزال في العمل السينمائي، مما أضفى عليه عمقًا إنسانيًا وجماليًا.

ملاحظات نقدية

رغم أن الفيلم يمتد لأكثر من ساعتين، وهو زمن طويل نسبيًا، كان من الممكن تقليصه بإزالة بعض المشاهد التي لم تخدم الحبكة، لتجنب الملل. وفي النهاية، حين يُنجز «نور» وفريقه فيلمًا بعنوان الأم– دون أن يُكشف لنا مضمون هذا الفيلم– ويُكرَّم في مهرجان سينمائي في القاهرة، يعود بنا الفيلم إلى قضيته الأصلية، الجندر، في مشهد قوي يعترف فيه الأب بخطأه حين غيّر هوية ابنته. ويوفّر فيلم ندم تجربة بصرية غنية، مستفيدًا من جمالية المكان في «شقلاوة» وأداء مميز لفريق التمثيل (بكر خالد، براء الزبيدي ، أنعام الربيعي، جبار جودي،ساره أوس،فوزية حسن، ساندي جمال،ليث حيدر، مهند ستار) وعلى رأسهم الممثلة التي جسدت دور «نور». كما يُحسب له تعدد مصادر طاقمه الفني من العراق وكردستان وتركيا ولبنان وغيرها. لكن الفيلم، رغم جرأته، اكتفى بمقاربة سطحية لقضية الجندر، متجاهلاً تعقيداتها النفسية والاجتماعية، ولم يوضح كيف استطاعت «نور» أن تعيش وسط بيئة محافظة كذكر دون صراع داخلي ظاهر أو ملامح ميول جنسية تعكس أزمتها. كان من الممكن لهذا الفيلم أن يغوص أعمق في الموضوع، لكنه اختار أن يبقى على الحافة، مكتفيًا بالتصريح لا بالتجسيد!


مشاهدات 81
أضيف 2025/05/12 - 3:41 PM
آخر تحديث 2025/05/14 - 3:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 224 الشهر 16837 الكلي 11010841
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/14 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير